المخطط الفكري للمهاتما غاندي:
يُعتبر المهاتما غاندي أحد أبرز المفكرين والزعماء الذين شكلوا التاريخ الحديث عبر فلسفته القائمة على اللاعنف والمقاومة السلمية، والتي تأثرت بتجارب حياته العميقة وانتمائه الديني والثقافي. فيما يلي ملخص لأبرز مكونات مخططه الفكري:
1. اللاعنف (أهيمسا) والمقاومة السلمية (ساتياغراها)
اللاعنف كقوة أخلاقية: رأى غاندي أن العنف يُضعف الروح الإنسانية، بينما تُعتبر المقاومة السلمية وسيلة لتحقيق العدالة دون فقدان الإنسانية. استمد هذا المبدأ من الهندوسية واليانية، خاصة مفهوم "أهيمسا" (عدم الإيذاء) .
السَّاتياغراها: طور غاندي هذا المفهوم في جنوب إفريقيا، وهو يجمع بين الحقيقة (ساتيا) والإصرار (أغراها)، ويعني مقاومة الظلم عبر العصيان المدني والمقاطعة والصوم، مع الحفاظ على الاحترام المتبادل .
مثال: مسيرة الملح عام 1930 ضد الضرائب البريطانية، التي حوّلت رمزًا بسيطًا إلى فعل مقاومة جماعي .
2. الحقيقة كأساس للوجود
اعتبر غاندي أن الحقيقة هي الهدف الأسمى للحياة، وربطها بالله قائلًا: "الحقيقة هي الله". رأى أن التجارب الشخصية (كفاحه ضد التمييز في جنوب إفريقيا) هي طريق للوصول إليها .
كتب في سيرته الذاتية "قصة تجاربي مع الحقيقة": "التجربة هي أكبر معلم في الحياة"، مؤكدًا أن الأفعال الأخلاقية يجب أن تُبنى على الصدق الداخلي .
3. التحرر من الاستعمار والهوية الوطنية
وحدة الهند: دعا إلى توحيد الهندوس والمسلمين ضد الاستعمار البريطاني، رغم معارضته لانفصال باكستان لاحقًا. أصرّ على أن الاستقلال لا يكمن في تغيير الحكم فحسب، بل في تحرير العقل الهندي من التبعية الثقافية .
الاعتماد على الذات: شجع على استخدام المنتجات المحلية (مثل غزل القماش يدويًّا) كرمز للمقاومة الاقتصادية، ورفض السلع البريطانية .
4. الإصلاح الاجتماعي والديني
محاربة النظام الطبقي: عارض نظام "المنبوذين" في الهندوسية، ودعا إلى مساواة جميع الطبقات، معتبرًا أن التمييز يناقض مبادئ الأخلاق والدين .
النساء والتعليم: دعم حقوق المرأة في التعليم والمشاركة السياسية، واعتبر أن تحرير المجتمع يبدأ بتحرير نصفه الآخر .
التسامح الديني: تأثر بالقرآن والكتاب المقدس، وأشاد بالرسول محمد لـ"شجاعته الأخلاقية"، رغم انتقاده للتبشير المسيحي أحيانًا .
5. التأثيرات الفلسفية والدينية
البهاغافاد غيتا: شكلت نصوصها الهندوسية أساسًا لفكرته عن "العمل بلا تعلق بالنتائج"، والتي طبّقها في نضاله السياسي .
تولستوي والأدب الغربي: تأثر بكتابات تولستوي عن المسيحية واللاعنف، وتبادل معه الرسائل، كما تأثر بفلسفة هنري ديفيد ثورو في العصيان المدني .
6. التناقضات والتحديات
دعم بريطانيا في حروبها: شارك في دعم البريطانيين خلال حرب البوير والحرب العالمية الأولى، معتبرًا ذلك واجبًا أخلاقيًّا، لكنه لاحقًا واجه سجنًا بسبب معارضته لسياساتهم في الهند .
العلاقة مع العنف: رغم فلسفته السلمية، واجه انتقادات لعدم إدانته العنف في بعض الأحيان، مثل ثورة 1942 ضد البريطانيين .
الخلاصة:
المخطط الفكري لغاندي يمزج بين الروحانية والعمل السياسي، مع تركيز على الأخلاق كأداة للتغيير. فلسفته ليست نظرية مجردة، بل نابعة من تجارب عملية، جعلت منه رمزًا عالميًّا للسلام والمقاومة. يقول: "كن التغيير الذي تريد رؤيته في العالم" ، ملخصًا رؤيته التي تبدأ بالفرد قبل المجتمع
0 تعليقات