الطوطم والتابو



  "الطوطم والتابو" لسيغموند فرويد

إن كتاب "الطوطم والتابو" (1913) أحد الأعمال المؤسسة لفرويد في مجال التحليل النفسي والأنثروبولوجيا، حيث يربط بين الممارسات البدائية وعلم النفس العصابي، مستندًا إلى نظريات مثل عقدة أوديب واللاوعي الجمعي. إليك أبرز أفكاره:


1. الأطروحات الأربع الأساسية

يتألف الكتاب من أربع مقالات رئيسية:

  • رعب سفاح القربى: يفحص فرويد نظام "الطوطمية" في المجتمعات البدائية (كالقبائل الأسترالية)، حيث يُمنع الزواج بين أفراد الطوطم الواحد (حيوان أو نبات مقدس) لتفادي سفاح القربى. يورَّث الطوطم عبر الأم أو الأب، مما يحدد العلاقات الاجتماعية والجنسية12.

  • التابو والتناقض العاطفي: يشرح "التابو" (المحظورات) كنتاج لتناقضات وجدانية بين الحب والكراهية، مثل مشاعر الأبناء تجاه الأب، والتي تُكبت وتُسقط على الطوطم أو السلطة19.

  • الأرواحية والسحر: يربط بين الاعتقاد بالسحر و"جبروت الفكرة"، حيث يُسقط الإنسان البدائي أفكاره الداخلية على العالم الخارجي، مشابهًا لاضطرابات الوسواس العصابي19.

  • عودة الطوطم في الطفولة: يربط الطوطمية بعقدة أوديب، حيث يُحلَّل الطوطم كبديل رمزي للأب المقتول، الذي يرمز إلى السلطة المحظورة.


2. الجريمة الأصلية وأصل الدين

يفترض فرويد أن المجتمعات البدائية نشأت من "جريمة قتل الأب" الأسطورية، حيث تحالف الأبناء لقتل الأب المستبد الذي احتكر النساء. بعد القتل، شعر الأبناء بالندم، فخلدوا ذكراه عبر الطوطم، وحرموا قتله أو الزواج من نساء القبيلة (المماثلات للأم في عقدة أوديب). هكذا نشأت التابوهات كتعويض عن الشعور بالذنب، وأصبحت أساسًا للأخلاق والدين.


3. التابو بين القداسة والتدنيس

التابو ليس مجرد تحريم، بل يحمل دلالتين متعارضتين:

  • المقدس: كالطوطم الذي يُعبد ويُحمى.

  • المدنَّس: كالأشياء الخطرة التي يجب تجنبها (مثل الموتى الذين يُعتبرون أعداءً في بعض الثقافات).
    ويرى فرويد أن هذه الازدواجية تعكس الصراع بين الرغبات المكبوتة (كالجنس أو العنف) والقيود الاجتماعية، مشابهة للصراعات في العصاب.


4. تأثير الطوطمية على المجتمع الحديث

يشير فرويد إلى أن بقايا الطوطمية تظهر في مؤسسات كالدين والجيش، حيث تُستبدل سلطة الأب بسلطة الإله أو القائد. كما يربط بين تحريم زواج المحارم في المجتمعات الحديثة (كالكنيسة الكاثوليكية) والتابوات البدائية.


5. النقد والأهمية

  • تعرضت أفكار فرويد لانتقادات لاذعة، خاصة اعتماده على فرضيات أنثروبولوجية غير مؤكدة وتعميمه لعقدة أوديب على الثقافات.

  • مع ذلك، يُعتبر الكتاب رائدًا في تطبيق التحليل النفسي على الثقافة والدين، وأثر في دراسات لاحقة مثل أعمال كلود ليفي ستروس.


6. الصلة بين النفس الفردية والثقافة الجمعية

يرى فرويد أن الصراعات النفسية الفردية (كالرغبات المكبوتة أو عقدة أوديب) تُشكل أساس البنى الثقافية. مثلاً:

  • الطوطم كبديل للأب: يحل الطوطم محل الأب المُقتول رمزياً، ليصبح مركزاً لعبادة الجماعة، مما يعكس تحول الصراع النفسي إلى نظام اجتماعي.

  • التابو كـ"عصاب جماعي": المحظورات الدينية أو الاجتماعية تشبه أعراض الوسواس القهري عند الأفراد، حيث تُفرض قيود لتهدئة الشعور بالذنب الناتج عن رغبات ممنوعة.


7. تفصيل في "الجريمة الأصلية" وأبعادها الرمزية

تفترض النظرية أن:

  • الأب البدائي: كان يمتلك سلطة مطلقة على الإناث في "القبيلة البدائية"، مما أثار غيرة الأبناء.

  • التحالف بين الأبناء: قاموا بقتل الأب وأكله (رمزياً) لتحقيق الوحدة مع قوته، لكن الندم اللاحق دفعهم إلى:

    • تحريم قتل الطوطم (الذي يمثل الأب).

    • تحريم سفاح القربى (لتفادي تكرار التنافس على الإناث).

  • نشأة الدين: كطقس تكفير عن الذنب، وتحويل الأب إلى إله يُعبد.


8. نقد أنثروبولوجي وتحديات النظرية

  • انتقاد مالينوفسكي: أشار إلى أن مجتمعات تروبرياند (الميلانيزية) لا تظهر عقدة أوديب بالشكل الذي وصفه فرويد، حيث السلطة فيها تُورَّث عبر الأم، مما ينفي فكرة الصراع مع الأب.

  • انتقاد إيفانز بريتشارد: اعتبر أن فرويد اعتمد على بيانات أنثروبولوجيا القرن الـ19 المُبالغ فيها، مثل نظريات جيمس فريزر حول الطوطمية.

  • إشكالية التعميم: افتراض أن جميع الثقافات مرت بنفس التطور النفسي يُعتتبَر تبسيطاً غير علمي.


9. تأثير الكتاب على علوم ما بعد فرويد

  • الأنثروبولوجيا البنيوية: مثل أعمال كلود ليفي ستروس، الذي رفض فكرة "الجريمة الأصلية"، لكنه استلهم فكرة الرموز الثقافية كتعويض عن صراعات عميقة.

  • علم النفس التحليلي: ناقش كارل يونغ فكرة "اللاوعي الجمعي" كتطوير لفكرة فرويد عن الذاكرة البدائية المشتركة.

  • النظرية النقدية: استخدم هربرت ماركوزه مفاهيم فرويد لفهم قمع الرغبة في المجتمعات الرأسمالية.


10. فرويد والدين: بين النقد والتحليل

يرى الكتاب أن الدين نشأ كـ"وهم" لتعويض الإنسان عن عجزه أمام قوى الطبيعة، عبر:

  • الإله كأب بديل: يُشبع حاجة الإنسان إلى الحماية.

  • الطقوس كوسيلة للسيطرة على القلق: مثل الصلاة أو الذبح الطقوسي، التي تشبه سلوكيات الوسواس القهري.


11. المرأة في منظور فرويد: غياب أم تهميش؟

  • النقد النسوي: اتهمت نانسي تشودورو وغيرها فرويد بتجاهل دور الأم في تشكيل الهوية، واعتباره الثقافة نتاجاً لصراعات ذكورية بحتة.

  • "القبيلة البدائية" كأسطورة ذكورية: افتراض أن التاريخ بدأ بسيطرة الأب على الإناث يعكس تحيزاً ذكورياً في قراءة فرويد للتاريخ.


12. من الطوطم إلى الرمز في العصر الحديث

يشير فرويد إلى أن الرموز الحديثة (كالعلم أو الشعارات الوطنية) تؤدي دوراً مشابهاً للطوطم:

  • الرمز كموحد للجماعة: يُعبَّر عنه بالولاء للدولة أو الانتماء الحزبي.

  • المحرمات المعاصرة: مثل التابوهات السياسية أو الأخلاقية، التي تُكبح جماح الرغبات الفردية لصالح النظام الاجتماعي.


13. هل الطوطمية موجودة اليوم؟ أمثلة عملية

  • الرياضة كطقس بديل: قد يُعبَّر عن الولاء لفريق كرة قدم عبر طقوس تشبه عبادة الطوطم (مثل ارتداء ألوان الفريق أو ترديد الهتافات).

  • التابوهات الجنسية: تحريم العلاقات خارج إطار الزواج في بعض المجتمعات يُشبه التحريم البدائي لسفاح القربى.


14. ترابط "الطوطم والتابو" مع أعمال فرويد اللاحقة

  • "مستقبل وهم" (1927): يربط بين الدين كوهم وضرورته لتهدئة القلق الإنساني، امتداداً لفكرة التابو كتعويض عن الذنب.

  • "الحضارة ومتاعبها" (1930): يشرح كيف أن القيود الحضارية (كالأخلاق) تُكبت الرغبات الفطرية، مما يولّد صراعاً مشابهاً لصراع الأبناء مع الأب البدائي.


15. لماذا لا يزال الكتاب مُلهماً؟

رغم تهافت فرضياته الأنثروبولوجية، يُعتبر العمل:

  • جسراً بين التخصصات: جمع بين التحليل النفسي والأنثروبولوجيا والدين.

  • نموذجاً للتأويل الجريء: فتح الباب أمام قراءة الثقافة عبر مفاهيم اللاوعي.

  • مرآة لعصر فرويد: يعكس روح القرن الـ19 التي سعت لتفسير كل الظواهر عبر "قوانين عقلانية"، حتى الأساطير.


"الطوطم والتابو" ليس مجرد تحليل لنشأة الدين، بل هو رحلة إلى أعماق اللاوعي البشري، حيث تلتقي الرغبات المُحرمة بالضرورات الاجتماعية. رغم كل ثغراته، يبقى الكتاب إثباتاً على قدرة الفكر على تشريح المُقدَّس وإعادة تشكيله عبر عدسة العلم

____________________________

المصادر
١. الطوطم والتابو لعالم النفس سيغموند فرويد: عندما بدأ الإنسان بتحريم الأشياء! 
٢. مراجعة كتاب الطوطم والتابو 
٣. الطوطم والتابو (منشور على فيسبوك) 
٤. كتاب الطوطم والتابو - سيجموند فرويد 
٥. تحميل كتاب الطوطم والتابو

إرسال تعليق

0 تعليقات