"دقات الشامو" لعمرو عبد الحميد
عالم من الغرائبية والصراع الطبقي
السياق الأدبي والاجتماعي للرواية
"دقات الشامو" (2019) هي الجزء الثاني من ثلاثية "قواعد جارتين" للكاتب المصري عمرو عبد الحميد، الطبيب المتخصص في جراحة الأنف والأذن والحنجرة، الذي اتجه للأدب وأبدع في تطويع الخيال لنقد الواقع الاجتماعي. تدور الرواية في عالم خيالي يُدعى "جارتين"، تُسلط من خلاله الضوء على قضايا إنسانية عميقة مثل الطبقية، الظلم، والثورة، عبر حبكة مشوقة تجمع بين الغرائبية والتشويق. تتكون الرواية من 303 صفحة، وتُعد امتدادًا لأحداث الجزء الأول "قواعد جارتين" (2018)، حيث تستكشف مصير شخصيات كُسرت حياتها بسبب نظام اجتماعي قاسٍ .
الإطار المكاني والرمزي
جارتين: عالم خيالي مقسم إلى طبقتين:
الأشراف: النخبة الحاكمة التي تسيطر على الثروات والقوانين.
النسالي: المنبوذون الذين يعيشون في "وادي النسالي"، ويُستخدمون في أعمال السخرة، ويُعدمون علنًا في "باحة جويدا" لتحصيل أرواح تمدد حياة الأشراف .
نمر الشامو: رمز للقوة المكبوتة والثورة، يُشكل نقطة تحول في مصير النسالي .
حبكة الرواية وشخصياتها المحورية
البداية: استمرار البحث عن آدم
تبدأ الأحداث حيث انتهى الجزء الأول، مع استمرار الطبيب فاضل وغفران (زعيمة النسالي) في البحث عن الطفل آدم، الذي يحمل روح نديم (حبيب غفران المُعدم). آدم طفل غريب الأطوار: يكره القراءة، لكنه يُبدع في الحدادة وترويض الخيول، ويمتلك طاقة غامضة تجاه تشكيل الحديد، ما يشير إلى قوى خارقة بداخله .
المفاجأة: عودة سبيل وحملها "المحرم"
تدخل سبيل (زوجة حيدر المُعدم) الحدث بشكل مفاجئ بعد اختفاء غامض، وتكشف لغفران أنها حامل بجنين زوجها. المفاجأة الأكبر: الجنين يحمل روحًا من طبقة الأشراف، لا من النسالي، مما يعني:
انتفاء الحاجة إلى "باحة جويدا" لتحصيل الأرواح.
تهديد النظام الطبقي القائم، إذ يُعتبر اختلاط الأرواح جريمة في قواعد جارتين .
تصعيد الصراع: بطش الضابط كيوان
ينتشر خبر حمل سبيل بين النسالي، فيصل إلى الضابط كيوان (قائد أمن جارتين)، الذي يُكن كراهية لغفران بسبب تمردها على النظام. يُقسم كيوان أن يعدم جميع النسالي، بدءًا بغفران، ويشن حملة قمع دموية باستخدام مدافع وقذائف لقمع أي تمرد .
اكتشاف الوثيقة السرية: "تاريخ الوعد"
يظهر رجل عجوز يحمل أوراقًا قديمة تكشف خيانة الأشراف لعهد تاريخي:
قبل 2000 عام، وافق النسالي على حمل أرواح حيوانات مفترسة (مثل نمر الشامو) لحماية جارتين، مقابل منحهم الحرية.
- نقض الأشراف العهد، وارتكبوا مذبحة قضت على آلاف النسالي، ومحوا هذه الحقيقة من التاريخ .تستخدم غفران وفاضل هذه الوثيقة كسلاح أخلاقي في معركتهم ضد الأشراف.
الذروة: المواجهة في باحة جويدا
تُكبل غفران وتُساق للإعدام في باحة جويدا، بينما يُسجن فاضل.
يعود آدم إلى الوادي بقوة خارقة، حيث تخرج منه روح نمر الشامو، مما يمنحه قدرات تدميرية هائلة.
في اللحظة التي يضغط فيها كيوان على الزناد لإعدام غفران، ينطلق آدم نحو المنصة، وتنتهي الرواية بنهاية مفتوحة تُترك لمخيلة القارئ .
التحليل الاجتماعي والفلسفي
الطبقة والاضطهاد: مرآة للمجتمعات الواقعية
النظام الطبقي في جارتين: يُمثل نظامًا استغلاليًا يُذل "النسالي" لخدمة "الأشراف"، عبر:
ساحة الإعدام (باحة جويدا): حيث تُحصَّل أرواح النسالي لتمديد حياة الأشراف، رمزًا لاستنزاف الطبقة الحاكمة للضعفاء .
منع التعليم: تحاول غفران تعليم الأطفال القراءة والحرف لتحريرهم من الدعارة والسرقة، لكن الأشراف يمنعون ذلك للحفاظ على جهلهم .
العدالة كفكرة مركزية: الرواية تسائل: "هل يمكن تحقيق العدل في مجتمع قائم على الظلم؟" عبر تمرد غفران الذي يجسد صرخة المهمشين .
التعليم كأداة تحرير
مدرسة السيدة منبوذين في وادي النسالي:
رمز للمقاومة السلمية: تُعلم الأطفال القراءة والحرف اليدوية لتحريرهم من الاعتماد على الأشراف.
انهيار المدرسة: يُصوَّر كضربة قاضية للنسالي، تعكس هشاشة مشاريع التحرر في وجه القمع .
الغرائبية والعجائبية: أدوات لتفكيك الواقع
أرواح الحيوانات: تُمثل الطاقة الكامنة في المظلومين (مثل روح النمر في آدم).
وادي النسالي: مكان سري يُشبه الكهوف، يُستخدم للاختباء والتخطيط للثورة، رمزًا للمقاومة السرية .
السمات الفنية والأدبية
تعدد الأصوات السردية
تعدد الرواة: تُقسَم الرواية إلى أبواب، لكل منها راوٍ مختلف، يكشف زاوية جديدة للأحداث (مثل غفران، فاضل، آدم).
الحوار ككاشف للنفس: حوارات غفران مع فاضل تكشف إحباطها وأملها، بينما حوارات كيوان تكشف عن طغيانه .
اللغة والإيقاع
لغة بسيطة لكنها شعرية: مثل:
"اضطربت دقات قلبي مع دقات الشامو وارتفاع ضربات طبول الحرب" .
إيقاع سريع: يتخلله توتر درامي، رغم أن بعض القراء انتقدوا الإطالة في المشاهد الجانبية .
النهاية المفتوحة: تقنية لإشراك القارئ
تُنهي الرواية الأحداث بلحظة حرجة (إعدام غفران وهجوم آدم)، تاركة مصير الشخصيات للتخيل، مما يدفع القارئ لاستكمال الجزء الثالث "أمواج أكما" .
الشخصيات وتحولاتها الدرامية
شخصيات رئيسية
الشخصية | الدور | التحول الدرامي |
---|---|---|
غفران | زعيمة نسالي، تدير مدرسة المنبوذين | من الثورة الفردية إلى قائدة جماعية |
آدم | طفل يحمل روح نديم ونمر الشامو | من الهامشية إلى قوة مدمرة |
كيوان | ضابط أمن جارتين | تجسيد للطغيان الذي يزداد بطشًا |
الطبيب فاضل | صوت العقل، يدعم غفران | من المراقب إلى المنخرط في الثورة |
شخصيات ثانوية مؤثرة
سبيل: حملها يُمثل "كسر القواعد" ويُشعل شرارة الثورة.
حيدر: إعدامه في الجزء الأول يُذكِّر بقسوة النظام .
تأثير الرواية وجذورها في الواقع
"دقات الشامو" ليست مجرد رواية خيالية، بل هي نقد لاذع للأنظمة الاستبدادية التي تُكرس الظلم عبر تقسيم المجتمع لطبقات. الرواية تُعيد تعريف "العدالة" ليس كمنحة من الحاكم، بل كحق يُنتزع عبر المقاومة والتعليم. رغم أن بعض النقاد يرون أن الإطالة في السرد أضعفت الإيقاع ، إلا أن الرواية نجحت في صنع عالم خيالي يظل عالقًا في ذهن القارئ، خاصة مع اقتباساتها العميقة:
"الطغيان مرض، من يصبه لا يفارقه حتى يموت.. كذلك الغباء" .
الرواية تُعد تحفة في أدب الفانتازيا العربي، وتثبت أن عمرو عبد الحميد أحد أهم الأصوات الأدبية الجديدة التي تخلق من الخيال مرآة لواقعنا الأليم.
ملاحظة: الرواية متوفرة ورقية وإلكترونية عبر دار "عصير الكتب"، ويمكن قراءة الجزء الثالث "أمواج أكما" لاكتشاف مصير غفران وآدم
0 تعليقات