دليل المسافر عبر الزمن إلى إنجلترا في العصور الوسطى
(لإيان مورتيمر )
"دليل المسافر عبر الزمن إلى إنجلترا في العصور الوسطى: كتيّب للزائرين إلى القرن الرابع عشر" (The Time Traveller's Guide to Medieval England) لإيان مورتيمر نقلة نوعية في طريقة سرد التاريخ. بدلاً من التركيز على الملوك والمعارك والتواريخ الجافة، يقدم مورتيمر التاريخ كتجربة حية وملموسة، وكأنه دليل سفر حقيقي لزائر يعود بالزمن إلى إنجلترا بين عامي 1300 و1400 ميلادية. الهدف ليس مجرد إخبارك ماذا حدث، بل كيف كان الشعور حقاً بالعيش في تلك الحقبة. يعتمد الكتاب على بحث تاريخي دقيق لكنه يقدمه بطريقة جذابة وغنية بالتفاصيل الحسية (المشاهد، الأصوات، الروائح، الأذواق، الأحاسيس).
الفصل 1: المناظر الطبيعية (The Landscape)
الطبيعة المسيطرة: إنجلترا في القرن الرابع عشر هي بلد تغلب عليه الطبيعة. الغابات الشاسعة (مثل شيروود وديان) تغطي مساحات هائلة، مليئة بالأشجار العملاقة والحياة البرية (الخنازير، الأيائل، الذئاب، الدببة). الأنهار هي طرق المواصلات الحيوية، لكنها غير مهدّمة وغالباً ما تكون خطيرة.
المدن الصغيرة المزدحمة: لندن هي المدينة العملاقة (حوالي 50,000 نسمة)، لكن معظم المدن الأخرى صغيرة (2,000-10,000 نسمة) ومحصنة بأسوار. الشوارع ضيقة، ملتوية، ومظلمة، ومليئة بالقاذورات (نفايات منزلية، فضلات حيوانات، مجاري مكشوفة). الروائح كريهة وقوية. المنازل خشبية ومتلاصقة، مما يجعل الحرائق كارثة متكررة.
الريف المتنوع: الريف ليس موحداً. هناك قرى منظمة حول الحقول المفتوحة (نظام الحقول المفتوحة - open field system) حيث يزرع الفلاحون شرائط من الأرض، ومناطق "الرعي" في الغرب والشمال حيث تربية الأغنام هي الأساس، ومناطق الغابات حيث الصيد وجمع الحطب. الأديرة الكبيرة تمتلك أراضي شاسعة.
القلاع والأديرة: القلاع ليست مجرد حصون عسكرية؛ فهي مراكز إدارية ومنازل للنبلاء. الأديرة (الراهبين والراهبات) هي مراكز تعلم وزراعة وصناعة وحج. كلا النوعين من المباني يهيمن على المناظر الطبيعية المحلية.
الظلام المخيف: الليل مظلم حقاً. بدون إضاءة عامة، يكون الخروج ليلاً محفوفاً بالمخاطر حرفياً. الضوء الوحيد يأتي من القمر، المشاعل (الخطرة)، ومصابيح الشحم الضعيفة.
الفصل 2: الشعب (The People)
البنية الاجتماعية الهرمية: المجتمع منظم بشكل صارم في طبقات:
النبلاء (اللوردات/البارونات/الفرسان): يمتلكون الأرض ويحكمون. مسؤولون عن الدفاع والعدالة المحلية. حياتهم مركزة على الحرب والفروسية والولاء للملك.
رجال الدين: طبقة قوية ومؤثرة تمتد من البابا إلى الراهب المتواضع أو كاهن الرعية. الكنيسة تهيمن على التعليم والرعاية الصحية ومعظم جوانب الحياة الروحية واليومية.
العامة (Commoners): الغالبية العظمى من السكان.
سكان المدن (Burgesses/Citizens): تجار، حرفيون (ينظمهم نظام النقابات الصارم)، عمال. يتمتعون ببعض الحرية في المدن.
الفلاحون (Peasants): يعيشون في الريف. تنقسم إلى:
أحرار (Freemen): يملكون أرضهم أو يؤجرونها، ولديهم حرية الحركة نسبياً.
أقنان (Villeins/Serfs): مرتبطون بالأرض التابعة للسيد الإقطاعي. يدفعون إيجاراً في شكل عمل (سخرة) ومدفوعات عينية ونقدية. لا يستطيعون المغادرة أو الزواج دون إذن سيدهم. حياتهم صعبة ومليئة بالعمل الشاق.
السكان المتقلبون: شهد القرن الرابع عشر تقلبات سكانية هائلة. بدأ بطفرة سكانية (ربما 6 ملايين في إنجلترا) أدت إلى ضغط على الموارد. ثم ضرب "الموت الأسود" (الطاعون الدبلي) عام 1348-1349 بقسوة، محوياً ما يقرب من نصف السكان. أعقب ذلك موجات متكررة من الطاعون. كان لهذا تأثير عميق على كل جوانب الحياة (اقتصادياً، اجتماعياً، نفسياً).
الفصل 3: الشخصية (Character)
العنف والقبول: كان العنف جزءاً يومياً ومقبولاً إلى حد كبير من الحياة. المبارزات، المشاجرات العائلية، العقاب الجسدي العلني (المخزون، الجلد، البتر، الإعدام) كانت شائعة. الرجال يحملون السكاكين والسيوف كأمر طبيعي.
الانتماءات المحلية القوية: الولاء الأساسي هو للعائلة المباشرة، ثم القرية أو البلدة، ثم السيد الإقطاعي أو النقابة. فكرة "الأمة" كانت ضعيفة مقارنة بالولاءات المحلية والولاء الشخصي للملك.
الدين الجوهري: الإيمان المسيحي الكاثوليكي هو الإطار الذي يُفهم من خلاله العالم كله. كل حدث (حسن أو سيء) يُنسب إلى إرادة الله أو الشيطان. الخوف من الموت والجحيم حاضر بقوة، خاصة بعد الطاعون.
التمييز: المجتمع كان تمييزياً بشدة. المرأة تعتبر أدنى منزلة من الرجل وتخضع لسلطة الأب أو الزوج. اليهود (قبل طردهم عام 1290) والغرباء والمشوهون يعاملون بازدراء وخوف. الشذوذ الجنسي يعتبر خطيئة فظيعة.
الاحتفال والقسوة: الناس يعرفون كيف يحتفلون (الأعياد الدينية، أعياد القديسين، حفلات الزفاف، الأسواق) بشغف وبذخ أحياناً. لكنهم أيضاً قساة ببراعة، سواء في معاملة الحيوانات (مصارعة الدببة، صيد الثعالب) أو البشر (مشاهد الإعدام كانت ترفيهاً شعبياً).
الفصل 4: الإيمان الأساسي (Basic Essentials - المأوى، اللباس، المال)
المنازل:
الفقراء (الفلاحون، عمال المدن): أكواخ من غرفة واحدة، جدران من القصب والطين (wattle and daub)، أسقف من القش، أرضيات ترابية. مدفأة مركزية بدون مدخنة (الدخان يخرج من ثقوب في السقف). مظلمة، باردة، رطبة، مليئة بالدخان والحشرات والحيوانات. الأثاث قليل: طاولة، مقاعد، صندوق، سرير من القش مشترك.
الأغنياء (النبلاء، التجار الناجحون): منازل حجرية أو نصف خشبية متعددة الغرف. غرف منفصلة (قاعة رئيسية، غرف نوم، مطبخ). مدافئ كبيرة مع مداخن. زجاج في بعض النوافذ. أثاث أفضل (أسرة ذات أعمدة، كراسي، خزائن). لكن حتى القصور تفتقر لوسائل الراحة الحديثة (تدفئة مركزية، سباكة داخلية).
الملبس:
القانون والطبقة: قوانين الترفه (Sumptuary Laws) تحدد بدقة ما يمكن لكل طبقة ارتداءه من حيث القماش، الفراء، الألوان. الملبس هو مؤشر واضح على المكانة.
المواد: الصوف هو القماش الأساسي للجميع، بدرجات جودة مختلفة (خشن للفلاحين، ناعم ومصبوغ للأغنياء). الكتان للثياب الداخلية. الحرير والفراء الفاخر حكر على النبلاء جداً.
الأزياء: رجال: قمصان، سراويل (hose) ملتصقة بالساق، معاطف (cotehardie, gown). نساء: قمصان، ثياب طويلة (kirtle)، معاطف (surcoat). بعد الطاعون، أصبحت الأزياء أكثر إحكاماً وزخرفة (أزرار، ألوان زاهية) لدى الأغنياء.
المال والتبادل:
العملة: الجنيه (£) = 20 شلن (s). الشلن = 12 بنساً (d). البنس (عملة فضية) هو العملة الشائعة. هناك أيضاً نصف بنس (halfpenny) وربع بنس (farthing). العملات الذهبية (النوبل) للصفقات الكبيرة. تزوير العملة جريمة كبرى.
الاقتصاد النقدي والعيني: على الرغم من استخدام النقود، لا يزال جزء كبير من الاقتصاد (خاصة في الريف) يعتمد على المقايضة ودفع الإيجارات والخدمات عينياً (محاصيل، عمل سخرة).
الأسعار والتكاليف: يقدم مورتيمر أمثلة حية على أسعار السلع الأساسية (الخبز، البيرة، اللحم، الملابس، الإيجار) وأجور المهن (عامل بناء، كاهن، خادمة) ليعطي إحساساً بقيمة المال ونمط المعيشة.
الفصل 5: الطعام والشراب (Food and Drink)
أساسيات النظام الغذائي: الخبز (خاصة خبز الجاودار أو الشعير الأسمر) هو أساس كل وجبة. الحساء/المرق (pottage) المصنوع من الحبوب والخضروات والبقوليات هو الطبق الرئيسي للفقراء. اللحوم (لحم الخنزير المقدد، لحم الخنزير، لحم البقر، الدواجن) أكثر شيوعاً عند الأغنياء، لكنها غالباً ما تكون مملحة أو مدخنة للحفظ. الأسماك (طازجة، مملحة، مجففة) مهمة، خاصة أيام الصوم الدينية.
الخضروات والفواكه: كرنب، بصل، ثوم، جزر، فجل، بازلاء، فاصوليا. تفاح، كرز، برقوق. غالباً ما تكون موسمية ومحلية.
التوابل والتحلية: التوابل الفاخرة (فلفل، قرفة، زنجبيل) باهظة الثمن وعلامة على الثراء. يستخدم العسل للتحلية (السكر نادر وغالي جداً).
الشراب الأساسي: البيرة (Ale) هي المشروب اليومي للجميع (كباراً وصغاراً) لأنها أكثر أماناً من الماء الملوث غالباً. تصنع محلياً وبدرجات قوة مختلفة. النبيذ مستورد وغالٍ، يشربه الأغنياء.
آداب المائدة: استخدام الأواني الشخصية محدود (ملعقة شخصية أحياناً، سكين شخصي). تؤكل معظم الأطعمة بالأصابع أو على "ألواح تناول" (trenchers) من الخبز الصلب تمتص الصلصات وتؤكل لاحقاً أو تعطى للفقراء. أهمية غسل اليدين قبل الأكل. قواعد السلوك على المائدة (على الرغم من أنها قد لا تُتبع بدقة).
الفصل 6: الصحة والنظافة (Health and Hygiene)
التحديات الصحية الهائلة: متوسط العمر المتوقع منخفض (35-40 سنة)، ويرجع ذلك أساساً إلى معدل وفيات الرضع والأطفال المرتفع جداً. الأمراض مستوطنة: الطاعون (الموت الأسود)، الجدري، الجذام، الزحار، السل، الملاريا ("حمى المستنقعات"). سوء التغذية شائع.
النظافة:
الجسد: الاستحمام ليس يومياً، لكن غسل اليدين والوجه والاستحمام في أحواض (غالباً في غرف مشتركة) ليس نادراً. يستخدم الصابون (مصنوع من دهون ورماد).
الملابس: يُغسل الكتان (القمصان الداخلية) بانتظام أكثر من الملابس الخارجية الصوفية الثقيلة.
الصرف الصحي: كارثي. مراحيض (garderobes) تفرغ في خنادق أو أنهار مباشرة. القاذورات تُلقى في الشوارع. تلوث المياه مشكلة رئيسية.
الطب والعلاج: مزيج من:
النظريات القديمة: نظرية الأخلاط الأربعة (الدم، البلغم، الصفراء الصفراء، الصفراء السوداء) التي تهيمن على الطب الأكاديمي. العلاجات تشمل الفصد (إخراج الدم)، الحقن الشرجية، المسهلات.
العلاجات الشعبية: الأعشاب، التعاويذ، التمائم، زيارة الينابيع المقدسة.
الممارسين: أطباء جامعيون (قليلون وغالون)، جراحون (يعتبرون حرفيين أقل مكانة)، حلاقون-جراحون، قابلات، معالجون شعبيون.
المستشفيات: غالباً ما تكون ملاجئ للمرضى الميؤوس من شفائهم والفقراء أكثر من كونها أماكن للعلاج الفعال. إدارة الكنيسة.
الموت حاضر دائماً: الخوف من الموت المفاجئ (خاصة دون اعتراف أخير) والخوف من الجحيم هما هاجسان دائمان. فن "الفن الموت" (Ars Moriendi) يعلّم الناس كيفية "الموت جيداً".
الفصل 7: السفر (Travelling)
الصعوبة والمخاطرة: السفر بطيء، صعب، ومحفوف بالمخاطر. الطرق وعرة، غير معبدة، مليئة بالحفر، وخطرة في الطقس السيئ. خطر قطاع الطرق حقيقي جداً. الجسور قليلة وغالباً ما تكون متداعية. عبور الأنهار صعب.
وسائل النقل:
على الأقدام: الطريقة الأكثر شيوعاً للعامة. بطيئة (20-25 ميلاً في اليوم لمسافر قوي).
الخيل: للطبقات العليا والرسل. الأحصنة باهظة الثمن وصيانتها مكلفة. يحتاج الفارس لخيول متعددة (حرب، نقل، عام).
عربات الثيران/الخيول: للبضائع. بطيئة جداً ومتعثرة على الطرق الرديئة.
القوارب: على الأنهار والقنوات هي الأسرع والأكثر راحة لنقل البضائع والأشخاص لمسافات طويلة، لكنها تعتمد على الطقس واتجاه التيار.
الإقامة: نزل (Inns) في المدن والبلدات الكبرى تقدم المأوى والطعام والخمر والإسطبلات، لكنها قد تكون باهظة أو قذرة. الأديرة تستضيف المسافرين أحياناً. أماكن المبيت في القرى محدودة.
التحديات: الحاجة إلى تصاريح سفر في بعض الأحيان (خاصة للأقنان). صعوبة التنقل ليلاً. الافتقار إلى الخرائط الدقيقة. الحاجة إلى معرفة اللغات المحلية/اللهجات.
الفصل 8: الجريمة والعقاب (Crime and Punishment)
القانون المحلي: العدالة تُدار محلياً. محاكم المقاطعة (County Court) ومحكمة المانور (Manor Court) للقضايا الصغيرة. محكمة الملك (King's Court) للجرائم الكبرى. نظام المحلفين في طور التطور.
أنواع الجرائم: السرقة (خاصة قطع الطرق) شائعة جداً. العنف (الاعتداء، القتل). التمرد ضد السيد الإقطاعي. الجرائم الجنسية (الزنا، الاغتصاب). التجديف. السحر (اتهام خطير).
نظام الاعتراف والبراءة (Trial): قد يشمل:
الاعتراف: تحت التعذيب أحياناً.
الشهود: قد يكونون غير موثوقين.
المحلفون: يقررون بناءً على السمعة المحلية غالباً.
محاكمات الإله (Ordeals): أقل شيوعاً في القرن الرابع عشر لكنها لم تختف تماماً (مثل اختبار المعدن المحمي - حيث يحمل المتهم حديداً ساخناً، وإذا شُفيت يده بسرعة فهو بريء!).
العقوبات القاسية:
الغرامات: شائعة للجرائم البسيطة.
الإذلال العلني: المخزون (الجلوس في مكان عام مع رقبة ويدين مقيدتين)، الجلد العلني.
التشويه: قطع الأذن، البصق (كي بعلامة)، بتر اليد للسرقة المتكررة.
الإعدام: شنقاً (لعامة الناس)، قطع الرأس
0 تعليقات