علم التحكم الآلي

علم التحكم الآلي

 

ملخص شامل لكتاب "Cybernetics" لنوربرت وينر: الأسس والتأثير والنقد

السياق التاريخي وأهمية الكتاب

ظهر كتاب "Cybernetics: Or Control and Communication in the Animal and the Machine" لعالم الرياضيات الأمريكي نوربرت وينر عام 1948 كعمل ثوري وضع حجر الأساس لعلم السيبرنطيقا (علم التحكم الالي أو التحكم والتواصل في الحيوان والآلة ).

جاء نتيجة بحوث وينر خلال الحرب العالمية II في أنظمة توجيه النيران المضادة للطائرات، حيث لاحظ تشابهًا مدهشًا بين آليات الضبط في الآلات والكائنات الحية.

 صاغ وينر مصطلح "السيبرنطيقا" من الكلمة اليونانية "kybernetes" (سُكَّان الدفة)، رمزًا لفكرة التحكم والاتصال كظاهرة عالمية تتجاوز الحدود بين البيولوجيا والتكنولوجيا.

 العبقري المتمرد

وُلد (1894–1964) في ميزوري، وكان طفلًا معجزة:

  • تخرج من جامعة تافتس بعمر 14 عامًا.

  • حصل على الدكتوراه في المنطق الرياضي من هارفارد بعمر 17 عامًا.

  • عمل أستاذًا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، حيث طور أفكاره الثورية.

عُرف عنه الاستقلال الفكري، حتى إنه استقال من الأكاديمية الوطنية للعلوم احتجاجًا على بيروقراطية العلم المؤسسي.


السيبرنطيقا حسب وينر

1. التغذية الراجعة (Feedback): قلب النظام السيبرنطيقي

التغذية الراجعة هي الآلية التي تعدّل سلوك النظام بناءً على نتائج أفعاله السابقة. يميز وينر بين نوعين:

  • التغذية السالبة (Negative Feedback): تهدف لتصحيح الانحرافات عن الهدف (مثل منظم الحرارة/الثرموستات).

  • التغذية الموجبة (Positive Feedback): تعزز الانحراف (مثل تضخيم الصوت في الميكروفون).

مثال حيوي: ينظم الجسم البشري درجة حرارته عبر تغذية راجعة سالبة: عند الارتفاع، يتم إفراز العرق؛ عند الانخفاض، يرتجف الجسم.

 اللغة المشتركة بين الآلة والكائن الحي

أعاد تعريف المعلومات ككمية قابلة للقياس، مرتبطة عكسيًا مع الإنتروبيا (مقياس الفوضى في الديناميكا الحرارية):

math
Copy
Download
I = \log_2 \left(\frac{1}{P}\right)

حيث:

  • I = كمية المعلومات.

  • P = احتمال الحدث.

التطبيق الثوري: أوضح وينر أن الدماغ يعالج المعلومات كآلة رقمية، وأن الذاكرة تشبه تخزين البيانات في الحواسيب.

 التشابه الوظيفي بين الآلة والكائن الحي

جادل وينر بأن:

  • الجهاز العصبي يشبه الدوائر الكهربائية: النبضات العصبية ≈ إشارات ثنائية (0/1).

  • الدماغ كـ"حاسوب بيولوجي" قادر على التعلم عبر تغذية راجعة.

  • المرض النفسي قد ينشأ من "أعطال في التغذية الراجعة" (مثل الوسواس القهري).


من فصول الكتاب 

التغذية الراجعة والاهتزاز (Feedback and Oscillation)

  • يشرح وينر الاستقرار الذاتي لأنظمة مثل:

    • منظم البخار (لجيمس وات).

    • نظام توجيه السفن.

  • يحذر من التذبذبات المتفاقمة (مثل اهتزاز الطائرات عند خلل أنظمة التحكم).

 الحواسيب والجهاز العصبي (Computing Machines and the Nervous System)

  • تنبأ وينر بـ:

    • تفوق الحواسيب الرقمية على التماثلية.

    • استخدام النظام الثنائي في التصميم.

    • ذاكرة الحاسوب كـ"مكثفات قابلة للشحن" (توقع تقنية الـRAM الحديثة).

  • صاغ فكرة تشبيه الدماغ بالحواسيب قبل ظهور الذكاء الاصطناعي بعقدين.

السيبرنطيقا والطب النفسي (Cybernetics and Psychopathology)

  • اقترح أن الاضطرابات العقلية قد تنشأ من:

    • خلل حلقات التغذية الراجعة (مثل الأفكار المتكررة في الاكتئاب).

    • فقدان "الاحتياطية" (Redundancy) في نقل الإشارات العصبية.

الفصل 8: المعلومات واللغة والمجتمع (Information, Language, and Society)

  • حلل المجتمع كـشبكة اتصالات معقدة:

    • اللغة = نظام ترميز للمعلومات.

    • المؤسسات ≈ أجهزة معالجة بيانات.

  • تنبأ ببناء حواسيب تلعب الشطرنج (تحقق عام 1997 بهزيمة كاسباروف).


التأثير التاريخي والعلمي 

1. مؤتمرات ماسي (1946–1953): بوتقة التلاقي الفكري

جمع  علماء من تخصصات شتى في سلسلة مؤتمرات ماسي، منهم:

نتج عن ذلك:

  • ولادة العلوم المعرفية (Cognitive Science).

  • تطوير الذكاء الاصطناعي المبكر.

2. تطبيقات ثورية في مجالات متعددة

  • الروبوتات: أنظمة تحكم ذاتي مستوحاة من السلوك الحيواني.

  • الطب: أطراف صناعية سيبرنطيقية (Bionics).

  • الإدارة: تطبيقات "السيبرنطيقا التنظيمية" لستافورد بير.

3. السيبرنطيقا من الدرجة الثانية (Second-Order Cybernetics)

في السبعينيات، تطورت أفكار وينر إلى مفهوم:

  • دور المراقب في تعريف النظام.

  • الانعكاسية الذاتية (مثل: "كيف يدرك الدماغ نفسه؟").

  • ركز على الاستقلالية والتنظيم الذاتي.


انتقادات وتحديات وجهت لأفكار وينر

1. النقد التقني

  • اختزالية مفرطة: تشبيه الدماغ بـ"آلة" يتجاهل تعقيد الوعي.

  • إهمال العوامل الاجتماعية: تحليله للمجتمع ركز على الاتصال، متجاهلاً السلطة والاقتصاد.

2. النقد الأخلاقي والسياسي

في كتابه اللاحق "الاستخدام البشري للكائنات البشرية" (1950)، حذر وينر من:

  • أتمتة الحرب: استخدام أنظمة ذاتية التحكم في الصواريخ.

  • استغلال التكنولوجيا لاختراع الخصوصية.

  • طوباوية التواصل: فكرة أن الشفافية المعلوماتية كفيلة بحل مشكلات المجتمع.

3. إشكالية التخصص

بعد وفاة وينر (1964)، انقسمت السيبرنطيقا إلى تخصصات:

  • علوم الحاسوب.

  • نظرية التحكم.

  • الذكاء الاصطناعي.
    مما أفقدها تماسكها كحقل موحد.


 من "السيبرنطيقا" إلى "السايبر سبيس"

1. الثورة الرقمية

  • مصطلحات مثل سايبر سبيس (Cyberspace)، سايبر سيكيورتي (Cybersecurity) مشتقة من "سيبرنطيقا".

  • مفهوم الإنترنت كشبكة اتصالات عالمية يحقق رؤية وينر.

2. الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي

  • أنظمة التعلم العميق (Deep Learning) تعتمد على حلقات تغذية راجعة.

  • الشبكات العصبية الاصطناعية تحقق تشبيه وينر للدماغ.

3. علم الأعصاب الحديث

  • تقنيات مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) تؤكد تشابه معالجة المعلومات في الدماغ والحواسيب.


ملخصا

رغم مرور 75 عامًا، يظل عملًا رائدًا لثلاثة أسباب:

  1. رؤية شمولية: جمع بين الرياضيات والبيولوجيا والفلسفة قبل عصر "التداخل التخصصي".

  2. تحذيرات أخلاقية: تنبيهاته عن أخطار التكنولوجيا ما زالت ملحة في عصر الذكاء الاصطناعي.

  3. إلهام مستمر: مفاهيم مثل التغذية الراجعة والتنظيم الذاتي صارت أساسية في علوم التعقيد.

 وينر : "عندما نُسلم السيطرة للآلة، يجب أن نكون متأكدين من أن قيمها تتوافق مع قيمنا".

 فيليب بروتون: "رغم كل الانتقادات، فإن جرأة وينر في طرح الأسئلة الصعبة جعلت علوم التحكم الالي علومًا متمردة تستحق أن نعود إليها اليوم

إرسال تعليق

0 تعليقات