"الفتنة الكبرى" لطه حسين


 


"الفتنة الكبرى" 

الموضوع العام:
يتناول طه حسين في كتابه "الفتنة الكبرى" الأحداث التي أعقبت وفاة النبي محمد ﷺ، مركزًا على الصراعات السياسية والاجتماعية التي أدت إلى الانقسامات الكبرى في المجتمع الإسلامي المبكر، وخاصة الفترة الزمنية لحكم الخليفة عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، وما تلاهما من أحداث مثل معركتي الجمل وصفين، والتي شكلت ما يُعرف بالفتنة الأولى (الفتنة الكبرى).


أبرز المحاور والأفكار:

  1. السياق التاريخي:

    • يربط طه حسين بين وفاة النبي محمد ﷺ وفراغ السلطة الناتج عنه، مُحلِّلًا طبيعة الخلافة الراشدة كنظام سياسي جديد يواجه تحديات التوسع والاختلافات القبلية.

    • يناقش انتقال السلطة من أبي بكر إلى عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان، مع التركيز على عوامل تركز الثروات والسلطة في يد النخبة القرشية، مما أثار استياء القبائل الأخرى.

  2. اغتيال عثمان واندلاع الفتنة:

    • يُفصِّل الكتاب الأسباب الكامنة وراء تمرد الجماعات على عثمان، مثل اتهامه بمحاباة الأمويين (أقاربه) في توزيع المناصب والغنائم، مما أدى إلى ثورة المعارضين واغتياله.

    • يُبرز دور التحولات الاجتماعية بعد الفتوحات الإسلامية، كظهور طبقة جديدة من الأثرياء مقابل فقراء القبائل، كأحد جذور الصراع.

  3. خلافة علي بن أبي طالب وتحدياتها:

    • يشرح كيف واجه علي معارضةً من قِبل بعض الصحابة (كطلحة والزبير وعائشة) الذين طالبوا بمعاقبة قتلة عثمان، مما أدى إلى معركة الجمل (36 هـ/656 م).

    • يتعمق في الصراع مع معاوية بن أبي سفيان (واليه على الشام)، الذي رفض البيعة لعلي مُطالبًا بالثأر لدم عثمان، متحججًا بعدم شرعية خلافة علي، مما أدى إلى معركة صفين (37 هـ/657 م) وتحكيم أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص.

  4. تحليل التحكيم وتبعاته:

    • يُنتقد قرار علي بقبول التحكيم كخطأ سياسي أدى إلى انقسام صفوف أنصاره، حيث اعتبره الخوارج (الذين خرجوا على علي لاحقًا) تنازلًا عن مبادئ العدل الإلهي.

    • يرى طه حسين أن التحكيم كان نقطة تحول نحو تحويل الخلافة إلى ملكية، خاصة مع تأسيس الدولة الأموية لاحقًا.

  5. الخوارج ومقتل علي:

    • يناقش ظهور جماعة الخوارج كقوة متطرفة رفضت التحكيم البشري، وقاتلت عليًا في معركة النهروان (38 هـ/658 م)، وانتهاءً باغتيال علي على يد الخارجي عبد الرحمن بن ملجم.

  6. النقد التاريخي والمنهجية:

    • يتبع طه حسين منهجًا نقديًا في قراءة المصادر الإسلامية المبكرة، مُشكِّكًا في الروايات المبالغ فيها أو التي تخدم أجندات مذهبية.

    • يُرجع أسباب الفتنة إلى عوامل سياسية واقتصادية وقبلية أكثر من كونها دينية، معتبرًا أن الصراع على السلطة هو المحرك الرئيسي.


رسالة الكتاب:
يهدف طه حسين إلى إبراز أن الفتنة الكبرى لم تكن مجرد صراع على الشرعية الدينية، بل نتاجًا لتفاعل تعقيدات الواقع الاجتماعي والسياسي في مجتمع يتشكل بعد توسع سريع. كما يحذر من تكرار مثل هذه الصراعات إذا لم تُفهم جذورها بعيدًا عن التفسيرات المذهبية الضيقة.


ملاحظات حول الأسلوب:

  • الجمع بين السرد القصصي والتحليل النقدي، مع لغة أدبية تجمع بين البساطة والعمق.

  • تجنب الانحياز الطائفي، مع تركيزه على نقد النظام السياسي أكثر من نقد الأفراد.

أهمية الكتاب:
يُعتبر مرجعًا في قراءة التاريخ الإسلامي عبر عدسة عقلانية، ساهم في فتح النقاش حول ضرورة إعادة تقييم التراث التاريخي بعيدًا عن الأسطرة.

إرسال تعليق

0 تعليقات