العمل: تاريخ كيف نقضي وقتنا – جيمس سوزمان
مقدمة
يقدم كتاب "العمل: تاريخ كيفية قضاء وقتنا" (Work: A History of How We Spend Our Time) للأنثروبولوجي جيمس سوزمان رؤية شاملة لتطور مفهوم العمل عبر العصور، بدءًا من المجتمعات البدائية وحتى العصر الرقمي. يعتمد سوزمان على أبحاثه الميدانية وخبرته في دراسة المجتمعات التقليدية لتحليل كيف شكل العمل حياتنا وعلاقتنا بالوقت والموارد.
الكتاب ليس مجرد سرد تاريخي، بل هو استكشاف عميق لكيفية تحول العمل من نشاط ضروري للبقاء إلى مفهوم مركزي في الهوية الإنسانية، وكيف أثرت التطورات التكنولوجية والاقتصادية على نظرتنا للإنتاجية والرفاهية.
الفصل الأول: العمل في المجتمعات البدائية – الصيادون الجامعون
يبدأ سوزمان بالحديث عن المجتمعات الأقدم في التاريخ، وهي مجتمعات الصيادين الجامعين، الذين قضوا معظم وقتهم في البحث عن الطعام. على عكس الصورة النمطية التي تصورهم كبشر يعيشون في صراع دائم من أجل البقاء، يوضح سوزمان أن هذه المجتمعات كانت تتمتع بوفرة نسبية من الموارد، مما سمح لها بقضاء ساعات قليلة فقط في العمل (حوالي 15-20 ساعة أسبوعيًا)، بينما كُرِّس باقي الوقت للراحة والتفاعل الاجتماعي.
نقاط رئيسية:
الوفرة الأصلية: يعتمد الصيادون الجامعون على موارد متجددة، مما يقلل من الحاجة إلى العمل المكثف.
غياب مفهوم التراكم: لم يكن هناك دافع لتخزين الموارد بشكل مفرط، مما جعل حياتهم أقل إرهاقًا.
المساواة الاجتماعية: لم تكن هناك طبقات اجتماعية أو ملكية خاصة، مما قلل من المنافسة والعمل غير الضروري.
الفصل الثاني: الثورة الزراعية وتحول مفهوم العمل
مع ظهور الزراعة قبل حوالي 12,000 سنة، حدث تحول جذري في نمط الحياة البشرية. أصبح العمل أكثر كثافة وارتبط بمفاهيم جديدة مثل الملكية، التراكم، والتسلسل الهرمي الاجتماعي.
آثار الثورة الزراعية:
زيادة ساعات العمل: على عكس الصيادين، اضطر المزارعون إلى العمل لساعات طويلة لضمان المحاصيل وحمايتها.
ظهور التقسيم الطبقي: مع تراكم الفائض الزراعي، ظهرت فئات غير منتجة (كالحكام والكهنة) اعتمدت على عمل الآخرين.
التأثير على الصحة: أدت الزراعة إلى اعتماد البشر على عدد محدود من المحاصيل، مما زاد من مخاطر المجاعات والأمراض.
نقد سوزمان:
يشير سوزمان إلى أن الزراعة لم تكن بالضرورة "تقدمًا" عن حياة الصيد، بل كانت تحولًا جاء بتكاليف بشرية واجتماعية كبيرة.
الفصل الثالث: العمل في العصور الصناعية – من الحرف إلى المصانع
مع الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، تغير مفهوم العمل مرة أخرى، حيث انتقلت المجتمعات من الإنتاج الحرفي إلى الإنتاج الآلي.
خصائص العمل الصناعي:
التخصص الدقيق: تقسيم العمل إلى مهام صغيرة مكررة (كما نظر له آدم سميث).
فصل العمل عن الحياة الشخصية: أصبح العمل نشاطًا منفصلًا عن المنزل، مع ساعات محددة وأجور.
استغلال العمال: ظهرت ظروف عمل قاسية، خاصة في المصانع الأولى.
ردود الفعل:
أدى الاستغلال الصناعي إلى ظهور الحركات العمالية والمطالبة بحقوق العمال، مثل تقليل ساعات العمل وتحسين الأجور.
الفصل الرابع: عصر المعلومات وإعادة تعريف العمل
في القرن الحادي والعشرين، أدت التكنولوجيا الرقمية إلى تحولات عميقة في طبيعة العمل:
المرونة والعمل عن بعد: لم يعد العمل مقيدًا بمكان أو وقت محدد.
زيادة الإنتاجية مقابل البطالة التكنولوجية: التكنولوجيا تقضي على بعض الوظائف بينما تخلق أخرى.
ثقافة الانشغال الدائم: أصبح العمل متداخلًا مع الحياة الشخصية بسبب الاتصال المستمر.
إشكالية الإنتاجية:
يطرح سوزمان سؤالًا جوهريًا: لماذا، رغم التقدم التكنولوجي الهائل، لا نزال نعمل لساعات طويلة؟ الجواب يكمن في ثقافة الاستهلاك وربط القيمة الذاتية بالإنتاجية.
الفصل الخامس: مستقبل العمل – هل نحتاج إلى العمل أقل؟
يتناول سوزمان في هذا الفصل أفكارًا حول تقليل ساعات العمل، مستشهدًا بتجارب بعض الدول التي طبقت نظام الأسبوع العمل المكون من 4 أيام.
حججه الرئيسية:
الكفاءة التكنولوجية: يمكننا إنتاج المزيد بجهد أقل.
الصحة النفسية: العمل المفرط يؤدي إلى الإرهاق والاكتئاب.
الاستدامة البيئية: تقليل العمل يمكن أن يقلل الاستهلاك غير الضروري.
إعادة التفكير في قيمة العمل
يختتم سوزمان الكتاب بدعوة إلى إعادة تعريف العمل بحيث لا يكون مجرد وسيلة للكسب، بل نشاطًا ذا معنى يساهم في الرفاهية الفردية والجماعية.
أبرز الرسائل:
العمل ليس قدرًا محتومًا: يمكننا تصميم أنظمة عمل أكثر إنسانية.
الابتعاد عن ثقافة الانشغال: يجب فصل القيمة الذاتية عن الإنتاجية المفرطة.
العودة إلى الدروس القديمة: يمكن التعلم من المجتمعات البدائية حول التوازن بين العمل والراحة.
تقييم الكتاب
يتميز كتاب سوزمان بالجمع بين الأنثروبولوجيا، التاريخ، والاقتصاد لتقديم رؤية نقدية لكنها متفائلة عن مستقبل العمل. يعيب البعض عليه مثاليته في تصوير حياة الصيادين الجامعين، لكنه يظل مرجعًا قويًا لفهم كيف شكل العمل حياتنا عبر العصور.
لمن هذا الكتاب؟
المهتمون بتاريخ الاقتصاد والأنثروبولوجيا.
الناشطون في مجال حقوق العمال.
أي شخص يتساءل عن سبب عملنا كثيرًا رغم التقدم التكنولوجي.
باختصار، "العمل: تاريخ كيفية قضاء وقتنا" كتاب ثري يتحدى الأفكار الشائعة عن العمل ويقدم رؤى عميقة لمستقبل أكثر توازنًا
المصادر:
١. Work: A History of How We Spend Our Time - James Suzman٢. Bullshit Jobs: A Theory - David Graeber
٣. Sapiens: A Brief History of Humankind - Yuval Noah Harari
٤. Economic Possibilities for Our Grandchildren - John Maynard Keynes
٥. Das Kapital - Karl Marx
٦. The Wealth of Nations - Adam Smith
٧. Caliban and the Witch - Silvia Federici
٨. The Human Condition - Hannah Arendt
٩. The Overworked American - Juliet Schor
١٠. The End of Work - Jeremy Rifkin
0 تعليقات