"تحرير المرأة" لقاسم أمين

 


 "تحرير المرأة" لقاسم أمين

 ثورة فكرية في عصر التغيير

 المؤلف والسياق التاريخي

  • قاسم أمين (1863-1908): مُفكر مصري ورائد من رواد النهضة العربية، تلقى تعليمه في مصر وفرنسا، وتأثر بأفكار الإصلاحيين مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. شغل مناصب قضائية رفيعة، وكان مهتمًّا بالإصلاح الاجتماعي .

  • ظروف النشر (1899): صدر الكتاب في خضم الاحتلال البريطاني لمصر، حيث ساد الجدل بين التمسك بالتقاليد وتبني الحداثة. جاء الكتاب كردٍّ على هجوم الدوق الفرنسي "داركور" على المجتمع المصري في كتابه "المصريون"، الذي دافع عنه أمين أولًا قبل أن يتعمق في قضية المرأة .


الأفكار المحورية في الكتاب

1. نقد واقع المرأة المصرية

وصف أمين المرأة المصرية بأنها "سجينة العادات"، مُبرزًا مظاهر انحطاطها:

  • الحرمان التعليمي: رفض المجتمع تعليم البنات بحجة أن دورهن ينحصر في المنزل، مما يُنتج أمًّا جاهلة لا تُربِّي أبناءً قادرين على النهضة .

  • العزل الاجتماعي: منع المرأة من المشاركة في الحياة العامة، وفقدانها الحق في الرأي أو العمل أو حتى الاحترام داخل الأسرة .

  • المظاهر الرمزية للاضطهاد: مثل افتخار الرجال بـ"سجن" الزوجة حتى الموت، وتعدد الزوجات، والطلاق التعسفي .

2. الحجاب بين العادة والشريعة

  • ميّز أمين بين "الحجاب الشرعي" (ستر الجسد مع كشف الوجه والكفين) و"الحجاب الاجتماعي" (عزل المرأة كليًّا عن الحياة العامة)، معتبرًا الأخير انحرافًا عن الإسلام .

  • رأى أن العزلة تُحوِّل المرأة إلى كائن "ماكر وخائف"، وتُفقدها إنسانيتها، بينما الإسلام منحها حقّ المشاركة في المجتمع مع الحفاظ على الآداب العامة .

3. التعليم كأساس للإصلاح

  • طالب بتعليم المرأة المرحلة الابتدائية على الأقل، ليس لمجرد القراءة والكتابة، بل لدراسة العلوم الطبيعية والاجتماعية والتاريخ .

  • حذّر من أن جهل الأمهات يُنتج أجيالًا جاهلة، بينما تعليمهن يُحسِّن إدارة المنزل وتربية الأطفال، ويرتقي بالأسرة ككل .

4. المساواة في الحقوق الأسرية

  • تقييد تعدد الزوجات: اعتبره استثناءً مسموحًا به شرعًا في ظروف محددة، لا قاعدة عامة .

  • الطلاق: دعا إلى تنظيمه ليمنع تعسف الرجل، وطالب بأن يكون للمرأة حقٌّ في رفض الزواج أو إنهائه تحت شروط عادلة .

  • الزواج القسري: رفض تزويج القاصرات دون موافقتهن، مؤكدًا أن الزواج دون حبٍّ واحترام يؤدي لتفكك الأسرة .

5. المرأة ودورها في نهضة الأمة

  • ربط أمين بين تحرير المرأة وتحرير الوطن، مشيرًا إلى أن عزل نصف المجتمع يُعطِّل قوته الإنتاجية ويُعمِّق التخلف .

  • استشهد بنماذج من التاريخ الإسلامي (كخديجة بنت خويلد) وأوروبا المعاصرة، حيث ساهمت النساء في الصناعة والفكر .


الانتقادات والجدل حول الكتاب

1. الهجوم من التيار المحافظ

  • اتُّهم أمين بـ"التغريب" و"الهجوم على الثوابت"، خاصة بعد دعوته لتخفيف قيود الحجاب .

  • ألف محمد طلعت حرب كتاب "تربية المرأة والحجاب" رافضًا أفكاره، معتبرًا أن "رفع الحجاب أمنية أوروبية لتدمير العالم الإسلامي" .

  • هاجمه رجال الدين مثل محمد حسنين البولاقي، وشككوا في نيَّاته، بل زعم البعض أن الشيخ محمد عبده هو كاتب أجزاء من الكتاب .

2. تراجُع أمين اللاحق

  • في 1906، نشر تصريحًا في جريدة "الظاهر" يتراجع فيه عن دعوته للسفور، مبررًا ذلك بـ"فساد أخلاق الرجال" الذين يتحرشون بالنساء عند خروجهن، مما يدل على أن المجتمع لم يكن جاهزًا لتقبُّل أفكاره .


أثر الكتاب وتأثيره التاريخي

  • الزمن يتجاوز أفكاره: مطالب أمين (كحق التعليم والمشاركة الاجتماعية) أصبحت اليوم بديهيات في معظم المجتمعات العربية، لكنها كانت ثورية في عصره .

  • الإلهام لحركات لاحقة: مهّد الكتاب لظهور رواد مثل هدى شعراوي، وأثر في تشريعات منع تزويج القاصرات في مصر (1923) .

  • الجدل المستمر: لا تزال أفكاره موضع نقاش بين دعاة التحديث والهوية، خاصة في قضايا مثل الحجاب والمساواة في الميراث .

"من احتقار المرأة أن يُحال بينها وبين الحياة العامة والعمل... فليس لها رأي في الأعمال، ولا فكر في المشارب، ولا ذوق في الفنون" – قاسم أمين .


 بين الماضي والحاضر

رغم مرور 125 عامًا على "تحرير المرأة"، يظل الكتاب مرآةً لعصرٍ حَوَّلَ الدفاع عن الحقوق الأساسية إلى معركة فكرية. لقد نجح أمين في كسر "تابو" الحديث عن المرأة، لكن التحدي الأكبر كان – ولا يزال – في تحويل الأفكار إلى واقع في مجتمع يخاف التغيير. 

المفارقة التاريخية تكمن في أن بعض مطالب الكتاب (كالحجاب الشرعي) تُناقش اليوم من جديد، بينما تحققت أخرى (كالتعليم والعمل) على نطاق واسع. يذكرنا هذا الإرث بأن تحرير المرأة ليس شعارًا غربيًّا، بل شرطًا لتحرير المجتمع نفسه من الاستبداد والجمود

إرسال تعليق

0 تعليقات