فصوص الحكم لمحيي الدين ابن عربي

 


فصوص الحكم لمحيي الدين ابن عربي

1:  مكانة الكتاب وجدلية النسبة

يُعتبر فصوص الحكم أحد أعمدة التراث الصوفي الإسلامي، حيث يُنسب إلى الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي (ت 638 هـ). اختلف الباحثون حول صحة نسبته إليه؛ فبينما يرى فريق (مثل الشيخ محمود غراب) أن الكتاب مُزوّر استناداً إلى غياب نسخ بخط يد ابن عربي وتناقض أفكاره مع مؤلفاته الأخرى كالفتوحات المكية ، تؤكد مصادر أخرى (كأبي العلا عفيفي) صحّة النسبة وتشير إلى أن ابن عربي ألّفه عام 627 هـ بعد رؤية النبي محمد في المنام وسلمه الكتاب .

2: المنظور التاريخي والفكري

وُلد ابن عربي في مرسية بالأندلس (1165-1240م)، وعاصر تحولات فلسفية ودينية كبرى. استقى أفكاره من:

  • القرآن والحديث

  • الفلسفة اليونانية (الأفلاطونية المحدثة والرواقية)

  • الغنوصية المسيحية واليهودية (فيلون الإسكندري)

  • الفلسفة الإسلامية (الإسماعيلية وإخوان الصفا) .
    دمج هذه المصادر في رؤية صوفية متكاملة، مجسّداً ما يُعرف بـوحدة الوجود.

3:  المحتوى

يضم الكتاب 27 فصاً، كل فص مخصص لنبيٍّ، يمثل تجلياً لحكمة إلهية محددة:

جدول يوضح أبرز الفصوص ومعانيها:

اسم الفصالنبيالحكمة الجوهرية
فص حكمة إلهيةآدمتجلي الأسماء الإلهية في الإنسان الكامل
فص حكمة نفثيةشيثسر الخلق بالنفخة الإلهية
فص حكمة سبوحيةنوحاستمرارية الحياة عبر "السفينة" الروحية
فص حكمة مهيميةإبراهيمالتوحيد عبر كسر الأصنام الداخلية
فص حكمة علويةموسىتجلي الجلال الإلهي في الطور
فص حكمة نبويةعيسىالروح الإلهية المتجسدة في البشرية
فص حكمة فرديةمحمدختم الولاية والجامعية الكونية

المفاهيم في الفصوص:

  • وحدة الوجود: الوجود الحقيقي هو الله، والمخلوقات تجليات لأسمائه. يقول ابن عربي: "الخالق هو المخلوق، والمخلوق هو الخالق" .

  • الإنسان الكامل: النبي محمد يمثل النموذج الأتم لتجلي الحق في الصورة البشرية.

  • الخيال الكوني: العالم وسيط بين الحق (المطلق) والخليقة (المحدود) .

4: الجدل الفلسفي والعقائدي

أثار الكتاب ردود فعل متباينة:

أ) الانتقادات:

  • ابن تيمية: وصفه بأنه "كفر باطن وظاهر" لقول ابن عربي: "عباد العجل ما عبدوا إلا الله"، واعتبره يُذيب الفوارق بين الخالق والمخلوق .

  • أبو زرعة العراقي: رأى أن الكتاب يشتمل على "الكفر الصريح" .

  • الذهبي: قال: "فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر" .

ب) المدافعون:

  • الصوفية: مثل عبد الغني النابلسي وعبد القادر الجزائري، فسّروا "وحدة الوجود" على أنها توحيد شهودي (رؤية الله في كل شيء)، لا حُلول مادي .

  • أبو العلا عفيفي: أكّد أن ابن عربي صبغ المصطلحات الفلسفية بصبغة صوفية قرآنية .

  • عبد الوهاب الشعراني: دافع عن ابن عربي واتهم المخالفين بتزوير الكتاب .

5: الشروح والتأثير التاريخي

حظي الكتاب بـ150 شرحاً، منها:

  • مطلع خصوص الكلم للقيصري

  • جواهر النصوص للنابلسي

  • شرح الجامي (اعتبره فيضاً من روح النبي) .
    أما تأثيره فامتد إلى:

  • الأدب الفارسي (جلال الدين الرومي).

  • الفلسفة الهندية (مدرسة أحمد السرهندي).

  • الفكر الغربي (رينيه جينو).

6: تحليل نقدي لأفكار الكتاب

الإسهامات:

  • تقديم رؤية كونية تربط الوجود بالإلهيات عبر رمزية الأنبياء.

  • تأكيد وحدة الرسالات السماوية تحت مظلة "الحكمة الإلهية".

الإشكاليات:

  • إشكالية نسبة الكتاب: تناقضه مع الفتوحات المكية في أسلوب الصياغة والمصطلحات .

  • الغموض المتعمد: استخدام لغة رمزية (مثل "نفثية"، "سبوحية") تُصعّب الفهم دون شروح.

  • الخلط بين الأديان: دمج مفاهيم مسيحية (اللوغوس) وغنوصية في التصوف الإسلامي .

7: تراث فصوص الحكم اليوم

رغم الجدل، يظل الكتاب نصّاً تأسيسياً في فلسفة التصوف، حيث:

  • يُدرّس في الجامعات العالمية (كامبريدج، السوربون) كمرجع لفلسفة وحدة الوجود.

  • تُرجم إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية.

  • يحتفظ بأهميته في حوار الأديان والتقارب الروحي بين الحضارات.

"فصوص الحكم بحرٌ عميق تستقر في قعره اللآلئ والجواهر، وفضاءٌ رحيبٌ تسبح فيه النجوم الزواهر" .



إرسال تعليق

0 تعليقات