"محاورات فلسفية في موسكو" لمراد وهبه
حوار الشرق والغرب عبر العقلانية
المؤلف والسياق التاريخي
مراد وهبه (1926– ): فيلسوف مصري مرموق، أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس، ومؤسس الجمعية الدولية لابن رشد والتنوير (1994). وُلد في أسيوط، وحصل على الدكتوراة من جامعة الإسكندرية، وصُنف بين أشهر 500 شخصية عالمية حسب موسوعة الشخصيات العالمية .
الخلفية السياسية: نتج الكتاب عن اتفاقية ثقافية بين مصر والاتحاد السوفيتي في ذروة الحرب الباردة، بهدف مد جسور الحوار بين المشرق والمغرب .
الرحلة والمهمة الفكرية
المدة: عام كامل (أكتوبر 1968–أكتوبر 1969) قضاه وهبه في موسكو ولينينغراد (سانت بطرسبرغ حاليًا) .
التحدي الرئيسي: غياب ترجمات للأعمال الفلسفية السوفيتية بلغات أجنبية، مما فرض على وهبة الاعتماد على الحوار المباشر بدلًا من النصوص .
أدواته: استخدم اللغتين الإنجليزية والفرنسية في نقاشاته، وتعلم الروسية لفك "الحصار المضروب حول الفلسفة السوفيتية" .
محاور الكتاب ومفاهيمه الأساسية
1. المركزية الأوروبية ونقد التبعية الفكرية
طرح وهبة سؤالًا جوهريًا: "ما الصلة بين الفلسفة وأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية؟" .
كشف عن تحيز الفلسفة الغربية التي تعاملت مع هذه المناطق كـ"هامش" للمركز الأوروبي، داعيًا إلى تفكيك التراتبية الثقافية .
2. دور ابن رشد كجسر حضاري
جادل بأن فلسفة ابن رشد (خصوصًا عبر "الرشدية اللاتينية") أسست للعقلانية الأوروبية في عصر التنوير، مما يؤهلها لسد الفجوة بين الإسلام والغرب بعد أحداث 11 سبتمبر .
رأى أن نموذج ابن رشد في "إعمال العقل في فهم النص" يُعد أساسًا لحوار حضاري حقيقي .
3. الحوار كبديل عن الصراع
ناقش مع باحثين سوفيت إمكانية تحويل الفلسفة من أداة إيديولوجية (في الحرب الباردة) إلى منصة للتفاهم المشترك.
شدد على أن العقلانية والحوار الإيجابي هما أساس السلام العالمي، وليس التوافق السياسي المؤقت .
المؤسسات والشخصيات المحورية في الحوارات
الكليات والمؤسسات:
كليتا الفلسفة في موسكو ولينينغراد.
معهد الفلسفة، معهد أفريقيا، معهد آسيا (الاستشراق)، معهد أمريكا اللاتينية .
تخصصات المشاركين: جمعت حوارات وهبه بين فلاسفة، مستشرقين، أنثروبولوجيين، وخبراء في شؤون العالم الثالث، مما أكسب النقاشات طابعًا عابرًا للتخصصات .
الخلاصات الفكرية والتأثير
1. نقد العزلة الفكرية السوفيتية
أوضح وهبة أن انغلاق الفلسفة السوفيتية أدى إلى عزلها عن التيارات العالمية، داعيًا إلى انفتاح يستند إلى نموذج "الترجمة والحوار" الذي مكّن ابن رشد من التأثير في أوروبا .
2. العلمانية كضامن للحوار
ربط بين غياب العلمانية في المجتمعات العربية وتراجع العقلانية، مشيرًا إلى أن إحياء الفكر الرشدي يتطلب فضاءً علمانيًا يحمي التنوع .
3. أثر ومشروع وهبه اللاحق
يُعد هذا العمل نواة لمشروعه في "الجمعية الدولية لابن رشد والتنوير" (تأسست 1994)، حيث وسّع فكرة الحوار العابر للحدود .
أثرت تجربة موسكو في كتبه اللاحقة مثل "جرثومة التخلف" (1998) و"الأصولية والعلمانية" (2005)، التي حللت معوقات العقلانية في العالم العربي .
السياق الأوسع: الكتاب في مشروع وهبه الفلسفي
الربط بين التراث والحداثة: مثلت "المحاورات" تطبيقًا عمليًا لفكرته عن "توظيف التراث لخدمة الحاضر"، كما في استدعائه لابن رشد لمعاصرة إشكاليات القرن العشرين .
النقد الذاتي: أقر وهبة بأن النخبة العربية أهملت التنوير لصالح القضايا العملية قصيرة المدى، مما مهد لصعود الأصولية .
دعوة إلى عقلانية كونية
يظل الكتاب دعوةً لإحياء نموذج "الحضارة الكونية" القائم على العقل، حيث يصبح الفكر الفلسفي جسرًا لا ساحة معركة. وفي كلمات وهبه:
"هذه الروح (العقلانية) هي ما يجب أن يسود حوار الغرب والشرق؛ لأنها أساس السلام في أي منطقة" .
0 تعليقات