قواعد العشق الأربعون لأليف شافاق


 

 "قواعد العشق الأربعون" لأليف شافاق

 العمل والكاتبة

رواية "قواعد العشق الأربعون" (2009) للكاتبة التركية أليف شافاق، عملٌ يجمع بين الرواية التاريخية والفلسفة الصوفية، بيعت منه ملايين النسخ عالميًا وتُرجمت لأكثر من 30 لغة. 

تدمج الرواية بين قصتين متوازيتين: قصة الصوفي شمس التبريزي وتلميذه جلال الدين الرومي في القرن الثالث عشر، وقصة إيلا، ربة منزل أمريكية في القرن الحادي والعشرين تكتشف مخطوطة عن حياة الرومي فتنقلب حياتها.

 تهدف الرواية إلى استكشاف مفهوم "العشق الإلهي" وتجاوز الحدود الدينية والثقافية .


 جسور بين الزمنين

  1. شمس التبريزي:

    • درويش صوفي متجول، يمثل "المعلم الروحي" الذي يبحث عن التلميذ الأنسب (الرومي). شخصيته ثورية ترفض التقاليد، تؤمن بأن "الله موجود في قلب العاشق" .

    • يُصاغ كشخصية غامضة قادرة على معرفة الغيب (كتنبؤه بميلاد ابنة الرومي)، مما أثار انتقادات دينية لتعارضه مع مفاهيم الإسلام التقليدية .

  2. جلال الدين الرومي:

    • فقيه وعالم دين يتحول إلى صوفي تحت تأثير شمس. تمثل رحلته الصراع بين "العقل" (تمثله الشريعة) و"القلب" (تمثله الصوفية).

    • قواعد العشق الأربعون المذكورة في الرواية تُنسب فلسفيًّا إليه، رغم أن شافاق هي صاحبة صياغتها الأدبية .

  3. إيلا روبنشتاين:

    • أم أربعينية تعيش حياة رتيبة في ماساتشوستس، تكشف رسائل المخطوطة التي تقرأها عن توازيات بين حياتها وقصة الرومي وشمس.

    • تمثل تحول الإنسان المعاصر من الفراغ الروحي إلى اكتشاف الذات عبر الحكمة القديمة .


 خطان زمنيان متداخلان

الخط التاريخي (1244-1248): رحلة التلمذة الروحية

  • يصل شمس إلى قونية (تركيا) بحثًا عن الرومي، ويسعى لكسر جموده الفقهي عبر تحدّيه:

    • يدخله إلى حانة ليشرب الخمر (رمز كسر المحظورات).

    • يجعله يرقص في السوق (رمز تحرير الجسد).

  • تتسبب علاقتهما بغضب المجتمع:

    • اتهام شمس بالهرطقة وقتله في النهاية على يد متشددين .

الخط المعاصر (2008): صحوة إيلا

  • تعمل إيلا محررة لرواية عن الرومي كتبها عزيز زهار (كاتب صوفي).

    • تتواصل مع عزيز عبر الرسائل، فيكشف لها عن القواعد الصوفية.

    • تكتشف خيانة زوجها فتقرر الرحيل إلى تركيا للقاء عزيز.

  • النهاية تُلمح إلى أن عزيز هو التجسد المعاصر لشمس، وإيلا هي "الرومي الجديدة" .


 جوهر الرواية الفلسفي

تقدم الرواية 40 قاعدة للعشق، تستند إلى أفكار الرومي الصوفية، منها:

  1. القاعدة 1:

    "رؤيتك لله مرآة لرؤيتك نفسك" – إذا رأيت الله قاسيًا، فأنت قاسٍ 11.

  2. القاعدة 38:

    "لا تقسّم الحب إلى روحاني ومادي؛ فالتقسيمات تولد انقسامات" – نقد للثنائيات الدينية .

  3. القاعدة 3:

    "الله لا يُرى إلا في قلب العاشق" – رفض حصر القداسة في الأماكن الدينية .

  4. القاعدة 2:

    "طريق الحقيقة يمر عبر القلب لا العقل" – تفضيل الحدس على المنطق .


الجدل الديني: انتقادات وأسئلة

وجهت انتقادات حادة للرواية من منظور إسلامي، أبرزها:

  • رفض الشريعة: تقديم الصوفية كبديل للإسلام التقليدي، حيث "الكفر الحلو" (رفض الشعائر) مقبول إذا قُصد به العشق .

  • ادعاءات الألوهية: اقتباس أفكار مثل "البشر صورة الله" و"وصول الإنسان إلى الكمال"، مما يتعارض مع القرآن:

    ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ .

  • تحريف المفاهيم: نسب أحاديث غير صحيحة للرسول، كالقول: "ثلاثة أشفق عليهم..." .


السمات الفنية: بين الماضي والحاضر

  1. بنية سردية مزدوجة:

    • فصول متناوبة بين "إيلا" و"شمس"، تُظهر تشابه المسار الروحي رغم تباعد القرون.

  2. الرمزية الدقيقة:

    • الماء: رمز التطهير في تحول الرومي من فقيه إلى درويش.

    • الرسائل: جسر بين الزمنين، تمثل التواصل الأزلي بين المعلم والمريد.

  3. اللغة الشعرية:

    • استخدام الأمثال والحكم (كقول الرومي: "ارفع كلماتك لا صوتك، فالمطر ينمي الزهور لا الرعد") .


الموضوعات المركزية: رسائل إنسانية

  • وحدة الوجود: توحيد الأديان تحت مظلة "العشق الإلهي" (المسيحية، اليهودية، الإسلام = "فروق اسمية") .

  • التحرر الجندري: شخصية كيميا (المرأة التي أحبها شمس) تمثل المرأة المقموعة في التراث الصوفي.

  • النقد الاجتماعي: إيلا رمز للمرأة الغربية المحبوسة في قيود الزواج التقليدي.

  • الاغتراب الروحي: الإنسان المعاصر الذي يبحث عن المعنى في المادية (تمثله شخصية زوج إيلا).


التأثير والاستقبال النقدي

  • الإشادة: وُصفت بأنها "رحلة تغير الحياة" (الغارديان)، وفازت بجائزة "أفضل رواية" في مهرجان إسطنبول.

  • الانتقادات:

    • اتهامها بتشويه الصوفية التاريخية لخدمة أجندة ليبرالية .

    • ضعف التطور الدرامي لشخصيات الخط التاريخي مقارنة بالمعاصر.

  • ظاهرة ثقافية: تحولت القواعد الأربعون إلى منشورات واسعة على وسائل التواصل، خاصة بين الشباب العربي .


ملخصا

"قواعد العشق الأربعون" ليست مجرد رواية، بل بيان فلسفي يدعو لإعادة تعريف الإيمان عبر الحب. رغم الجدل، تنجح شافاق في توظيف التاريخ الصوفي لمعالجة أزمات الإنسان الحديث: العزلة، فقدان الهوية، والجوع الروحي. كما قال أحد القراء:

"الرواية غلفت السم بالعسل"  – فهي تقدم نقدًا دينيًا جريئًا في قالب ساحر، لكن قوتها الحقيقية تكمن في تساؤلها الخالد: أيمكن للحب أن يكون دينًا كونيًّا؟

إرسال تعليق

0 تعليقات