الأخير لماريا ريفا

الأخير

 

"إندلينغ" لماريا ريفا

رحلة بين الانقراض والحرب والهوية

  رواية على حافة الهاوية

رواية "إندلينغ" (Endling) للكاتبة الكندية-الأوكرانية ماريا ريفا (صدرت عام 2025) هي عمل أدبي طموح يدمج بين الكوميديا السوداء، والميتافيكشن (ما وراء السرد)، والنقد الاجتماعي الحاد، في رحلة عبر أوكرانيا قبيل الغزو الروسي عام 2022. 

العنوان يشير إلى مصطلح علمي "الإندلينغ" (Endling) الذي يعني آخر فرد حي من نوع ما قبل انقراضه، وهو استعارة مركزية تمتد لتشمل شخصيات الرواية وأوكرانيا نفسها. تستكشف ريفا - من خلال بنية سردية مبتكرة - مواضيع الانقراض البيئي، واستغلال النساء، وأثر الحرب على الهوية والإبداع، متحديةً التوقعات الأدبية التقليدية .


 وجوه المقاومة والهشاشة

  1. يفا (Yevusya Dmytrivna Paliy):

    • عالمة "مالاكولوجي" (متخصصة في الرخويات) تعيش في مختبر متحرك (كارافان) تجوب أوكرانيا لإنقاذ الحلزونات المهددة.

    • تمول أبحاثها بالعمل في "جولات الرومانسية" للعثور على عرائس لأجانب، حيث تقبل الهدايا ثم تبيعها .

    • شخصية كئيبة وساخرة، ترى في الحلزونات كائنين مهملين: "ليست الحلزونات مثل الباندا... تلك المخلوقات الطفولية التي تستنزف ميزانيات الحفاظ على البيئة" .

  2. ناستيا وسولوميا (أناستاسيا وسول):

    • أختان تتظاهران بالعمل في صناعة الزواج (ناستيا كـ"عروس"، وسول كمترجمة) للبحث عن أمهما "يولانتا تشيرنو"، الناشطة النسوية المختفية التي كانت تنتقد هذه الصناعة.

    • تخططان لخطف 100 عريس أجنبي كاحتجاج، قبل أن تقنعهما يفا بتقليل العدد لـ 12 .

  3. باشا (Pasha Gurka):

    • عريس أوكراني-كندي يشارك في الجولات بحثًا عن جذوره و"زوجة تقليدية"، لكنه يكتشف تناقضات توقعاته.

    • يصبح أحد المخطوفين، ثم شاهدًا على فظائع الحرب .

  4. ليفتي (Lefty):

    • حلزون هو "إندلينغ" - آخر فرد من نوعه - مع قوقعة ملتوية.

    • يصبح رمزًا للبقاء وهشاشة الحياة، خاصة عندما تُكتشف أنثى محتملة له في منطقة خطرة .


 من الكوميديا إلى المأساة

الجزء الأول: خطة خطف في زمن السلم

  • تلتقي الشخصيات خلال جولات "روميو ميتس يوليا" للعرائس، حيث تخطط ناستيا لاستعارة كارافان يفا لخطف العرسان.

  • تفاصيل السخرية من صناعة الزواج:

    • النساء (الـ"عروس") لا يتقاضين رواتب، لكنهن يحصلن على هدايا يقدمنها الوكالة مقابل نقد .

    • الرجال الغربيون يبحثون عن نساء "غير ملوثات بالنسوية" .

  • تتحول الرواية إلى "كوميديا سوداء" على طراز أفلام الإخوة كوين، مليئة بالمطاردة والفوضى الأخلاقية .

⏱️ التحول الدراماتيكي: الغزو الروسي

  • بعد 100 صفحة، تغزو روسيا أوكرانيا (فبراير 2022)، مما يحول الرواية من كوميديا إلى وثيقة وجودية عن الحرب.

  • هنا تتدخل ريفا سرديًا: توقف القصة فجأة وتظهر "صفحة شكر" وهمية كأن الرواية انتهت، ثم تستأنف بـ"جزء بديل" .

الجزء الثاني: الحرب وما وراء السرد

  • تظهر شخصية "ماريا ريفا" (الكاتبة نفسها) في فصول ما ورائية، تعيش في كندا وتصارع:

    • ذنب الكتابة عن الحرب من موقع آمن.

    • مخاوفها على جدها في خيرسون (قرب خط المواجهة).

    • انتقادات داخلية"14 قتيلاً، 97 جريحًا. لكن لا تدعنا نُعطلك. بالطبع، استرخِ في شراشفك الفاخرة..." .

  • الشخصيات الأصلية تواجه الحرب:

    • يفا تتخذ قرارًا مصيريًا: إنقاذ المخطوفين أم الذهاب إلى خيرسون لإنقاذ أنثى حلزون "ليفتي" .

    • باشا يشهد مجزرة عند نهر دنيبرو، ويرى كيف تتحول الأوهام السلمية إلى كابوس"أنتم في العالم الحر تهدرون حريتكم على أمور لا تهم، كالمجاملة والعشب المثالي" .



 

  طبقات المعنى

  1. "الإندلينغ" كاستعارة شاملة:

    • الحلزونات المهددة تمثل هشاشة أوكرانيا أمام الغزو.

    • الشخصيات نفسها تشعر بأنها "آخر ناجٍ": يفا في علمها، ناستيا في بحثها عن الأم، أوكرانيا في صمودها .

  2. التربة السوداء (تشيرنوزيم):

    • تربة أوكرانيا الخصبة (68% من أراضيها) ترمز لجذور الهوية والصلابة رغم الدمار .

  3. النقد الاجتماعي:

    • استغلال النساء: صناعة "الجولات الرومانسية" كوجه آخر للاستعمار الجنسي.

    • سخرية من "المنقذ الغربي": الرجال الذين يبحثون عن نساء "تقليديات" بينما أوكرانيا تقاتل من أجل مستقبلها .

  4. أخلاقيات الكتابة عن الحرب:

    • الصراع المركزي للرواية: هل يجوز تحويل المأساة إلى فن؟ تجيب ريفا بـ"نعم" من خلال جرأتها في كسر التابوهات .


 الأسلوب والابتكار السردي

  • بنية غير تقليدية: تقسم الرواية إلى قسمين: "ما قبل الغزو" (سرد تقليدي) و"ما بعده" (ميتافيكشن وفواصل وثائقية).

  • تدخلات الكاتبة: تضمين رسائل حقيقية بين ريفا ومحررين، مثل جدالها حول "الكوميديا السوداء الأوكرانية" التي يرفضون نشرها لـ"عدم ملاءمتها" .

  • تنوع الأصوات السردية: كل شخصية تحمل نبرة مختلفة (يئس يفا، حلم باشا، تمرد ناستيا) .

  • اللغةسخرية لاذعة تتحول إلى شعرية مظلمة أثناء الحرب، مثل وصف القصف: "رائحة الدخان تتسلل من خلف الستائر" .


  أوكرانيا كشخصية أساسية

  • الرواية وثيقة تاريخية عن اللحظات الأولى للغزو، حيث تختلط التكهنات بالصدمة.

  • الكوميديا السوداء: تبرز ريفا كيف أن النكتة الأوكرانية أداة مقاومة موروثة من الحقبة السوفيتية .

  • الشتات الأوكراني: تمثل عبر باشا (المغترب) وماريا (الكاتبة)، وتساؤلهما عن الهوية والانتماء .


  لماذا أثارت الرواية ضجة؟

  • توصيف نقدي"رواية مذهلة... ضرورية ولا تُنسى" (Los Angeles Times) .

  • ثناء من كتاب كبار:

    • آن باتشيت: "هذا قراءة أساسية".

    • بيرسيفال إيفريت: "أحب الأعمال الأذكى مني، وهذا أحدها" .

  • الجوائز: رشحها النقاد كواحدة من أهم روايات 2025 لجمعها بين:

    • الجرأة الشكلية (كسر الحائط الرابع).

    • العمق الإنساني (توازن بين البطولة والعجز).

    • الآنية السياسية (أول رواية كبرى عن الغزو من داخله) .


 هل يمكن للفن أن ينقذ ؟

"إندلينغ" ليست مجرد رواية عن الحرب، بل هي تجربة أدبية غامرة تتحدى القارئ أخلاقيًا وجماليًا. من خلال ربط مصير الحلزونات الأخيرة بمصير وطن، تقدم ريفا إجابة عن سؤالها المركزي: نعم، يمكن للفن أن يخلق معنى في مواجهة الفناء، ليس بإنقاذ الأجساد، بل بحفظ الذاكرة وتفكيك أوهام "السلام" الزائف.

 كما يقول أحد الشخصيات: "نحن مثل الإندلينغ... آخر من نوعنا"، لكن الرواية نفسها دليل على أن القصص يمكن أن تكون أداة بقاء .

 من الرواية:
"في أوكرانيا، تعود الفكاهة السوداء إلى أيام السوفيت، مما يمنح الناس الذين يعيشون في ظروف لا يمكن السيطرة عليها إحساسًا بالسلطة. إذا كان بإمكانك أن تضحك على واقع مظلم، فأنت ترتفع فوقه

إرسال تعليق

0 تعليقات