السائرون نيامًا لآرثر كوستلر


 

السائرون نيامًا

 تاريخ متغير للإنسان عن الكون

 لآرثر كوستلر

الفكرة المحورية 

يقدم كوستلر في كتابه تاريخًا نقديًا لتطور الرؤية الكونية من الحضارات القديمة حتى نيوتن، مع تركيز خاص على الثورة العلمية في القرن السابع عشر.

عنوان الكتاب "السائرون نيامًا" يشير إلى فكرته الأساسية بأن العلماء العظام لم يكونوا واعين تمامًا بآثار اكتشافاتهم، بل ساروا في رحلة الاكتشاف كما يسير النائم - مدفوعين بحدسٍ وغاياتٍ لم تُدرك بالكامل.

يرفض الصورة النمطية للتقدم العلمي كمسار خطي عقلاني، ويرى بدلاً من ذلك أن تاريخ علم الكون "بدون مبالغة... تاريخ لهوس جماعي وانفصام مسيطر عليه".

الهيكل العام للكتاب

  1. الجزء الأول: الأسس القديمة (من البابليين إلى بطليموس)

  2. الجزء الثاني: العصور الوسطى (تراجع وتجميد الأفكار)

  3. الجزء الثالث: كوبرنيكوس (القانوني الخجول)

  4. الجزء الرابع: كيبلر (محور الكتاب الرئيسي)

  5. الجزء الخامس: غاليليو ونيوتن (الاصطدام بالكنيسة والتركيب النهائي)


اليونان وروما

  • الفيثاغوريون: يمتدح كوستلر إنجازاتهم كـ المؤسسين الحقيقيين للعلم، خاصة اكتشافهم كروية الأرض، وحسابهم دقيق لمحيطها، ونظرية مركزية الشمس. لقد جمعوا بين الروح الدينية والاستقصاء العلمي بشكل فريد.

  • أرسطرخس الساموسي (القرن 3 ق.م): يصفه كوستلر بـ "كوبرنيكوس العصور القديمة" الذي صاغ نموذجًا شمسيًا متطورًا، لكنه لقي تجاهلاً مؤسفًا.

  • أفلاطون وأرسطو: يوجه لهما نقدًا لاذعًا لـ تسببهما في انحدار العلم. فلسفة أفلاطون المجردة (عالم المُثُل) وأرسطو (التمييز الصارم بين الأرض السماوي) قيدت العقل العلمي وأسست لـ انفصال الرياضيات عن الواقع.

  • بطليموس: نظامه المعقد (50 دائرة تدور فوق دوائر!) يمثل ذروة الجمود الفكري رغم دقته الوصفية. كوستلر يرى أن "المجسطي" كان "إنجازًا فنيًا لا علميًا".

 علم الكونيات القديم

الشخصية/المدرسةالإسهام الرئيسيتقييم كوستلر
الفيثاغوريونمركزية الشمس، كروية الأرضالأبطال الحقيقيون للفكر العلمي
أرسطرخس الساموسيالنموذج الهليوسنتري المتكاملعبقري تم تجاهله بظلم
أفلاطونعالم المُثُل، دوائر كاملةسبب الانفصال بين الرياضيات والواقع
أرسطوثنائية الأرض/السماءأسس للجمود العلمي لقرون
بطليموسنظام الدوائر المركبةفنان رياضي لكنه غير علمي

 العصور الوسطى - الجمود والانحدار

  • الانهيار المعرفي: بعد سقوط روما، فُقدت حتى الإنجازات البطليموسية، وعاد الاعتقاد بسطحية الأرض في أوروبا. كوستلر يستشهد بـلاكتانتيوس وكوزماس إنديكوبليوستس كأمثلة على "الظلامية".

  • الكنيسة والعلم: رغم إشارته إلى أدوار إيجابية (مثل بيديه المعرفي)، يرى أن اللاهوت المسيحي قيّد البحث الحر، خاصة مع هيمنة النزعة الأفلاطونية المحدثة المناهضة للتجريب.

  • العالم الإسلامي: ينتقد كوستلر تقليل دور العلماء العرب، زاعمًا أنهم حافظوا على المعرفة فقط دون إضافة جوهرية - وهي نظرة يعتبرها المؤرخون المعاصرون قاصرة.


الثوري غير الراغب في الثورة

  • الشخصية المتناقضة: يصوره كوستلر كـ "قانوني خجول" (The Timid Canon) وليس البطل الثوري. كان دافعه جمالي رياضي (رفضه لنقطة الاعتدال البطليموسية) لا كسر الدوغمائية.

  • التأخير والنشر: أرجأ نشر "حول دوران الأفلاك السماوية" 30 عامًا خوفًا من السخرية، ونُشر فقط قبل موته بفضل إلحاح تلميذه ريتيكوس.

  • المفارقة: نظامه لم يكن أبسط من البطليموسي (استخدم 34 دائرة بدلاً من 40)، بل كان أقل دقة في التنبؤ! أهميته كانت في كسر التابو الجيوسنتري لا في تفوقه التقني.

نقطة خلافية: وصف كوستلر الكتاب بأنه "الكتاب الذي لم يقرأه أحد" أثار غضب المؤرخ أوين جينجيريتش الذي أثبت - عبر تتبع نسخ الكتاب - أنه قُرئ بتعمق، خاصة الأجزاء الرياضية.


العبقري الذي حفر في الظلام

(يحتل هذا القسم ثلث الكتاب تقريبًا، ويعكس انبهار كوستلر به)

الحياة المضطربة

  • معاناة شخصية: عاش حياة مليئة بالمآسي - وفاة أطفال، أم متهمة بالسحر، زوجة مريضة، فقر مدقع.

  • علاقته بتيخو براهه: التحق بعالم الدنماركي الغني للحصول على بياناته الدقيقة. العلاقة كانت مزيجًا من الاحترام والصراع، وانتهت بموت براهه الغامض (يحتمل بالتسمم بالزئبق) وتسليم كيبلر بياناته.

المنهجية: الحدس والعناد

  1. البداية الخاطئة: كتابه "اللغز الكوني" (1596) قدم نظامًا خياليًا مبنيًا على الأجسام الأفلاطونية الخمسة، وهو نموذج رغم خطئه أظهر براعته الرياضية.

  2. الكفاح مع المريخ: قضى 8 سنوات في حساب مدار المريخ مستخدمًا بيانات براهه. رفض التوفيق السهل عندما اكتشف تناقضًا قدره 8 دقائق قوسية (أقل من ربع القمر!)، قائلاً: "بإمكاننا بناء نظرية جديدة على هذه الـ8 دقائق".

  3. العبقرية والخطأ: اكتشف قانوني المدارات الإهليليجية (الأول) والمساحات المتساوية (الثاني) عبر سلسلة أخطاء متبادلة الإلغاء وحسابات معقدة. كوستلر يؤكد: "لو كان كيبلر كمالًا لا بشرًا لضل الطريق!".

رؤية كيبلر الفلسفية

  • الفيزياء السماوية: أول من سعى لـ تفسير ميكانيكي لحركة الكواكب (نظرية "القوى الدافعة" الشمسية)، رغم عدم اكتمالها.

  • التوفيق بين العلم والدين: رأى الفلك كـ "عبادة الرب"، وكتب: "نحن كهنة الله فيما يخص كتاب الطبيعة".

قوانين كيبلر الثلاثة 

القانونالمضمونالأهمية التاريخية
الأول (المدارات)الكواكب تدور في قطع ناقص، الشمس في بؤرةكسر دوغمائية الدائرة المثالية
الثاني (المساحات)الخط الواصل بين الكوكب والشمس يمسح مساحات متساوية في أزمنة متساويةإثبات الحركة غير المنتظمة
الثالث (الزمن)مربع زمن الدورة يتناسب مع مكعب نصف المحور الرئيسيأساس قانون الجذب العام

 غاليليو ونيوتن 

غاليليو: العبقري المتهور

  • الإنجازات الحقيقية:

    • تحسين التلسكوب ورصد أقمار المشتري (دليل على وجود مراكز حركة غير الأرض).

    • اكتشاف أطوار الزهرة (تدحض فلك بطليموس).

    • صياغة مبادىء القصور الذاتي.

  • الأخطاء الفادحة:

    • رفض نظام كيبلر الإهليليجي، وتمسك بـ دوائر كوبرنيكوس المعقدة.

    • نظرية المد والجزر الخاطئة (نسبها لدوران الأرض لا لجاذبية القمر).

    • الموقف المتعنت مع الكنيسة: وصف كوستلر موقفه بأنه "انتحار أكاديمي".

  • الصدام مع الكنيسة: يرفض كوستلر الرواية البطولية التقليدية. الكنيسة (خاصة اليسوعيين) كانت منفتحة نسبيًا، لكن غاليليو:

    • ادعى أحقية مطلقة في كل الاكتشافات التلسكوبية.

    • قدم حججًا غير مقنعة (المد والجزر) كـ"برهان" على حركة الأرض.

    • وضع حجج البابا أوربان الثامن في فم "سمبليسيو" (البسيط) في حواراته، مما أشعل غضب البابا.

نيوتن: التركيب النهائي

  • الجاذبية كحل سحري: جمع بين قوانين كيبلر (سماء) وديناميكيات غاليليو (أرض) في نظرية واحدة.

  • كسر حاجز الخوف: فكرة "التأثير عن بعد" بدون وسط مادي كانت ثورية، ومهدت لها أعمال ويليام جيلبرت حول المغناطيسية.

  • تقييم كوستلر: نيوتن يمثل نقطة التحول النهائية من الكون الأرسطي إلى الكون الميكانيكي، لكنه أيضًا عمّق الانفصال بين العلم والقيم الروحية.


الأطروحات الفلسفية الكبرى 

1. "السير أثناء النوم"

يؤكد أن الاكتشافات العظيمة لا تأتي عبر العقلانية الصارمة وحدها. أمثلة:

  • كوبرنيكوس: هدفه إحياء الماضي لا الثورة.

  • كيبلر: قاده هوسه بـ"الانسجام" الرياضي لا المنهج التجريبي البحت.

  • نيوتن: استلهم من الخيمياء واللاهوت بقدر ما استلهم من العلم.

2. الانفصال بين العلم والدين

  • الانقسام المؤسف: في الماضي (عند كيبلر مثلًا) كان التوازن ممكنًا، أما اليوم فأصبحت العلمانية عقيدة جديدة عقيمة تشبه "الاسكولائية الجديدة".

  • تحذير كوستلر: العلم الحديث أنتج "بلادة روحية" وجعل الإنسان يشعر بالاغتراب الكوني، رغم نجاحاته المادية.

3. العقبات الخمسة أمام تقدم الكونيات

يحدد خمس معوقات رئيسية استمرت لقرون:

  1. ثنائية الأرض/السماء (أرسطو).

  2. مركزية الأرض كمسلمة.

  3. هوس الدوائر الكاملة.

  4. فصل العلم عن الرياضيات.

  5. عدم فهم القصور الذاتي.

العقبات الخمس أمام التقدم العلمي

العقبةالمصدر التاريخيكيف تجاوزها العلم
ثنائية الأرض/السماءأرسطوغاليليو (سقوط الأجسام)
مركزية الأرضبطليموس/الكنيسةكوبرنيكوس/كيبلر
دوائر كاملة كحركة مثاليةأفلاطونكيبلر (قطع ناقص)
فصل الرياضيات عن العلم الوصفيفلسفة أفلاطونغاليليو ("الكتابة بالرياضيات")
عدم فهم القصور الذاتيالفيزياء الأرسطويةنيوتن (القانون الأول للحركة)

4. نقد المادية الحديثة

في خاتمة الكتاب، يهاجم كوستلر الاتجاه الاختزالي المادي في العلم المعاصر، داعيًا إلى:

  • إعادة الاعتبار للحدس والظواهر "اللامادية" كالتخاطر.

  • توليف جديد بين العقل والروح، مستشهدًا بميكانيكا الكم التي أعادت أهمية "المراقب".


الانتقادات

  • الإيجابيات:

    • سرد روائي جذاب يجمع بين العمق والدراما.

    • كسر هالة القداسة عن كوبرنيكوس وغاليليو، وعرضهم كبشر بأخطائهم.

    • التأكيد على دور كيبلر المحوري والمهمش.

  • الانتقادات:

    • النظرة للعصور الوسطى: متحيزة وقديمة ("عصور ظلامية")، وتجاهل إسهامات العلماء المسلمين واللاتين.

    • تجاهل السياقات الاجتماعية: ركز على "العباقرة" وأهمل المؤسسات ودور الحرفيين.

    • المبالغة في "اللاعقلانية": بعض المؤرخين يرون أنه بالغ في تصوير الاكتشافات كحظوظ غير عقلانية.

  • التأثير:

    • ألهم أجيالًا (مثل جون بانفيل وجروتينديك).

    • فتح النقاش حول طبيعة الإبداع العلمي وعلاقة العلم بالروحانية.

ملخصا

رغم بعض ثغراته التاريخية، يظل تحفة فكرية متعددة الأبعاد:

  1. كشف الجهد البشري وراء الثورة العلمية بكل تعقيداته.

  2. تذكير بأن العلم ليس منزهًا عن الأهواء والصراعات.

  3. دعوة للتكامل بين مناهج العلم وأسئلة الروح التي لا تموت.
    كما يلخص كوستلر: "التقدم ليس قطارًا يسير على سكة مستقيمة، بل رقصة عمياء على أرض وعرة... وفقط بالنظر إلى الوراء نرى المسار

إرسال تعليق

0 تعليقات