"Against Progress" لسلافوي جيجيك
نقد جذري لفكرة التقدم في الرأسمالية المعاصرة
الفكرة الأساسية
إن كتاب "Against Progress" (2024) للفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجيك جزء من سلسلة "Žižek's Essays" التي تركز على القضايا الملحة في العالم المعاصر.
في هذا العمل، يتحدى جيجيك الفكرة السائدة عن "التقدم" كمسار خطي حتمي، مُجادلاً بأنها أصبحت أداة إيديولوجية تُستخدم لتبرير استمرار العلاقات الاستغلالية في الرأسمالية الحديثة.
يرى جيجيك أن مفهوم التقدم تحول إلى "فانتازيا" تخفي "العنف الهيكلي" وتدمير البيئة وقمع البدائل السياسية الجذرية .
يتكون الكتاب من 13 مقالة مترابطة، تتنقل بين مواضيع متنوعة: من التحليل "النفسي اللاكاني" إلى الاقتصاد السياسي الماركسي، ومن نقض نظريات "نهاية التاريخ" إلى تحليل الربيع العربي والأزمة البيئية.
يجمع جيجيك بين العمق الفلسفي والجرأة السياسية لتفكيك الأسس الإيديولوجية التي ترسخ فكرة التقدم الزائفة .
تشريح إيديولوجيا التقدم
1. جذور المفهوم وتحوُّله إلى أداة هيمنة
يعود جيجيك بجذور مفهوم التقدم إلى عصر التنوير، حيث كان مرتبطاً بتحرير الإنسان من الخرافة. لكنه يوضح كيف تحول في الرأسمالية المعاصرة إلى أداة لـ"تسليع الزمن" وتبرير الهيمنة عبر آليات مثل:
المراقبة الرقمية (أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تعمق الفجوة الطبقية).
الاستلاب الجديد الذي يفصل الإنسان عن سيطرته على أدوات إنتاجه .
2. النماذج الزائفة للتقدم في العصر الحديث
التقدم التكنولوجي: يُقدم كدليل على تطور البشرية، لكنه في الواقع يخدم تراكم رأس المال ويخلق أشكالاً جديدة من الاستغلال.
التقدم السياسي: يهاجم جيجيك نظريتي "نهاية التاريخ" (فوكوياما) و"صراع الحضارات" (هنتنغتون) كأقصى تعبيرات الإيديولوجيا الزائفة:
الأولى: تختزل التاريخ في انتصار الرأسمالية الليبرالية.
الثانية: تحوّل الصراعات الاقتصادية إلى حتميات ثقافية .
3. آليات الإخفاء الإيديولوجي
يكشف جيجيك عن "الطيور الميتة المُسحَقة" (سِجِلّ التضحيات البشرية والبيئية) التي تُخفيها خطابات التقدم:
الحروب مثل غزو العراق التي قُدِّمت كـ"تقدم ديمقراطي".
الكوارث البيئية الناتجة عن استغلال الموارد باسم "التنمية" .
الرأسمالية كآلة لتدمير التقدم الحقيقي
1. تفكيك الروابط الاجتماعية
تحوِّل الرأسمالية العالمية التقدم إلى آلة لـتدمير النسيج المجتمعي:
عبر تحويل البشر إلى مستهلكين منعزلين.
عبر تفكيك الدول الوطنية لصالح الشركات عابرة القارات .
2. النقد المزدوج للتيارات السياسية
يرفض جيجيك كلاً من:
الليبرالية الجديدة: لتحويلها التقدم إلى مسألة اقتصادية صرفة.
الاشتراكية التاريخية (خاصة الستالينية): التي ارتكبت جرائم باسم "تقدم الطبقة العاملة"، واصفاً إياها بأنها "أسوأ من النازية" في بعض تجلياتها .
3. أزمة البيئة: النموذج الأبرز للفشل
يرفض جيجيك كلاً من الانهزامية البيئية (التي تتوقع نهاية العالم) ووهم النمو المستدام:
يدعو إلى "تجريد الطبيعة من طبيعتها" (denaturalization of nature)، أي الاعتراف بأن الطبيعة ليست نظاماً متوازناً بل مجالاً للفوضى والصراع.
يُصر على أن الحل لا يكمن في العودة إلى الماضي بل في اختراع علاقة جذرية جديدة مع البيئة .
تحليل نماذج تاريخية ومعاصرة
1. الربيع العربي: احتجاج على المزيف
يحلل جيجيك انتفاضات الربيع العربي كـرد فعل على الوهم:
كشفت زيف شعارات الديمقراطية والتنمية في النظام العالمي.
لكنها فشلت بسبب غياب "الرؤية الراديكالية" القادرة على تغيير البنى الاجتماعية الاقتصادية.
يرفض تفسير صعود الإسلام السياسي كـ"رد فعل تقليدي"، بل يراه نتاجاً للرأسمالية العالمية التي خلقت فراغاً روحياً وسياسياً .
2. البوذية الاقتصادية وصناعة التطوير الذاتي
يهاجم جيجيك "اقتصاديات السعادة" البوذية وصناعة التطوير الذاتي:
يرى أنها أدوات لتحويل الفشل الهيكلي للرأسمالية إلى مشكلة فردية.
مثال: ثقافة "المرونة" (resilience) التي تدفع الأفراد للتكيف مع الظلم بدلاً من تغييره .
3. الثقافة الشعبية كمرآة للإيديولوجيا
يحلل أفلام هوليوود مثل "ماري بوبينز" و"نهاية العالم":
يكشف كيف تُقدّم هذه الأعمال حلولاً وهمية تُعيد إنتاج الوضع القائم.
يوضح آليات "الإنكار" و"التنصل" (disavowal) التي تسمح للناس بقبول التناقضات .
أدوات جيجيك التحليلية لتفكيك الايديولوجيا
المفاهيم الأساسية في نقد جيجيك
المفهوم | المصدر الفلسفي | دوره في النقد |
---|---|---|
الذات المتسامية | اللاكانية | كشف كيف تُخضع الإيديولوجيا الأفراد عبر "الرغبة" |
الديالكتيك السلبي | الهيغيلية | تفكيك فكرة التقدم كحركة خطية |
الواقعي المُطلق | الماركسية | فضح التناقضات الهيكلية في الرأسمالية |
التكرار الجذري | كيركغور/بنيامين | تقديم بديل للتقدم عبر "البدء من الصفر" |
1. الديالكتيك السلبي والتحرر من الوهم
يستعير جيجيك من والتر بنيامين فكرة "كسر التاريخ":
التقدم الحقيقي ليس تراكماً مستمراً بل قفزة ثورية تقطع مع الماضي.
يستشهد بمفهوم "التكرار" عند كيركغور كحركة جذرية للبدء من جديد .
2. الواقعي المُطلق والمواجهة مع الحقيقة
في مقال "نهاية العالم"، يجادل بأن الخيال الثقافي عن الكوارث (أفلام نهاية العالم) يعكس رغبة لاواعية في تدمير النظام القائم:
"نحن نحلم بنهاية العالم لأننا غير قادرين على تصور نهاية الرأسمالية".
الحل يكمن في مواجهة "الواقعي" (the Real) بمعناه اللاكاني: التناقضات التي تُنكرها الإيديولوجيا .
3. السلطة والأبوية المُبتذلة
في مقال "السلطة"، يحلل عودة "الأب القوي" (ترامب، بوتين، لوبان):
يرى أن صعودهم نتيجة الذعر من انهيار التقدم.
يصفهم بأنهم "أشباه آباء" (obscene paternal figures) يستمدون قوتهم من أزمة النظام .
نحو إعادة اختراع نظرتنا
1. التسارع مقابل الانحدار: نقد البدائل السائدة
يرفض جيجيك كلاً من:
الانحدارية (Degrowth): يصفها بأنها "تقشف جديد" يفتقر للرؤية الثورية.
التسارعية (Accelerationism): تحاول تعجيل انهيار الرأسمالية لكنها تنسى أن الانهيار قد يؤدي إلى بربرية جديدة .
2. التخطيط كبديل جذري
يدعو إلى إحياء فكرة "التخطيط" لكن بشكل مُعاد تصوره:
ليس تخطيطاً بيروقراطياً بل تنسيقاً ديمقراطياً للموارد.
مثال: إلغاء الديون كخطوة نحو تحرير المجتمعات من الاستغلال .
3. الجماليات والسياسة: دور الفن الثوري
في مقال "نحن الكتلة الحيوية"، يربط بين الجماليات والتحرر السياسي:
الفن الحقيقي ليس تسلية بل مواجهة مع "الواقعي" المُطلق.
يستشهد بأعمال فان غوخ كمثال على الفن الذي يكشف القبح الرأسمالي .
4. الأمل الجذري: البدء من بين الأنقاض
يختتم جيجيك برؤية "أمل من دون تفاؤل":
"التقدم الحقيقي هو قدرتنا على البدء من الصفر حتى في أسوأ الكوارث".
يستلهم من ثورات الماضي إمكانية الانقطاع التاريخي .
ليس ضد التقدم... من أجله !
"Against Progress" ليس دفاعاً عن الركود بل دعوة لإعادة اختراع التقدم. جيجيك يرفض الاستسلام لليأس أو الانخراط في الأحلام الوهمية، مُقدماً بديلاً: ثورة تفكيكية تهدم مفاهيم التقدم السائدة لتبني أخرى تعترف بالتناقضات وتواجه "الواقعي" بجرأة. الكتاب يتحدى القارئ ليس فقط لفهم العالم بل لتغييره من جذوره، مستخدماً أدوات من هيغل ولاكان وماركس لكن بطريقة مبتكرة تناسب القرن الحادي والعشرين.
كما يلخص جيجيك في مقال "التقدم ومتاعبه":
"التقدم ليس حركة نحو الأمام، بل هو قدرة على كسر الحلقة المفرغة للتاريخ. أن نبدأ من جديد، ليس من نقطة الصفر، بل من تحت الصفر، من بين الأنقاض التي خلفتها أوهامنا
مراجعة الكتاب علي جود ريدز

My rating: 4 of 5 stars
In Against Progress, Žižek doesn't merely criticize the idea of linear advancement—he dismantles it.
This slim but dense volume traverses Lacanian psychoanalysis, Marxist critique, and Hollywood blockbusters to expose how “progress” has become a fantasy that conceals ecological collapse, political stagnation, and capitalist exploitation.
Žižek dares to imagine a world that begins again—not from zero, but from below zero, from within the ruins of false hope.
A searing, provocative read. Possibly his most urgent intervention since Living in the End Times.
View all my reviews
0 تعليقات