القلب الذي تمت إدارته

القلب الذي تمت إدارته

 

 القلب المُدار

 تسليع المشاعر الإنسانية لأرلي راسل هوتششايلد

 عن العمل وأهميته

"القلب المُدار: تسليع المشاعر الإنسانية" (The Managed Heart: Commercialization of Human Feeling) هو العمل المؤسِّس لعالمة الاجتماع أرلي راسل هوتشايلد، نُشر لأول مرة عام 1983 وحصل على جائزة تشارلز كولي من الجمعية الأمريكية لعلم الاجتماع في نفس العام .

 يُعد هذا الكتاب حجر الزاوية في دراسة علم اجتماع العواطف وسيكولوجيا العمل، حيث يطرح فكرة ثورية مفادها أن المشاعر البشرية لم تسلم من عمليات التسليع في الرأسمالية الحديثة.

يدرس الكتاب كيف تتحول المشاعر الإنسانية إلى سلعة تباع وتشترى في سوق العمل، وكيف يُطلب من العاملين في قطاع الخدمات إدارة عواطفهم وفق قواعد محددة لتحقيق أهداف تجارية. اعتمدت هوتششايلد على منهجية بحثية دقيقة تضمنت:

  • مقابلات متعمقة مع مضيفات طيران ومحصلي ديون.

  • ملاحظة ميدانية لتفاعلاتهم مع العملاء.

  • تحليل نقدي للتدريبات المؤسساتية التي يتلقونها.


 الأسس النظرية لإدارة المشاعر

1. العمل العاطفي (Emotional Labor): التعريف والآليات

يُعرِّف الكتاب العمل العاطفي بأنه عملية إدارة المشاعر لتتوافق مع قواعد الشعور (Feeling Rules) التي تفرضها السياقات الاجتماعية. وهو نوع من العمل غير المرئي يتطلب:

  • التعبير السطحي (Surface Acting): تغيير التعبيرات الخارجية دون تغيير المشاعر الداخلية (مثل الابتسام المصطنع).

  • التعبير العميق (Deep Acting): محاولة تغيير المشاعر الداخلية نفسها لتتوافق مع المطلوب.

2. دستور المشاعر الخفي

تشير قواعد الشعور إلى المعايير الاجتماعية التي تحدد:

  • ما ينبغي أن نشعر به في موقف معين (مثل الفرح في حفلات الزفاف).

  • المدة المسموحة لهذا الشعور.

  • الشدة المناسبة للتعبير عنه.
    في الحياة الخاصة، نتبادل الالتزام بهذه القواعد كـهدية عاطفية (Gift Exchange) لبناء الروابط الاجتماعية، لكن المشكلة تبدأ عندما تُستَخدم هذه الآليات لأغراض تجارية.

3. الاغتراب العاطفي: الثمن الخفي

عندما تصبح إدارة المشاعر عملاً مُأجراً، يوظِّف العامل اغتراباً عاطفياً (Emotional Estrangement) كآلية دفاع، لكن هذا يؤدي إلى:

  • انفصال الشخص عن مشاعره الحقيقية ("ابتسامتي ليست ابتسامتي").

  • فقدان الاتصال مع الذات والآخرين.


 العمل العاطفي في المهن

1.  الابتسامة كسلعة

درست هوتششايلد تدريبات مضيفات الطيران في شركة "دلتا إيرلاينز"، حيث يُطلب منهن:

  • تقديم خدمة "ألطف من الطبيعي" (Nicer than Natural).

  • التعامل مع العملاء كـ"ضيوف" في "منزل" المضيفة.

  • استخدام تقنيات مثل "التخيل" (مثل تخيل الراكب المشاكس كطفل صغير).
    الأثر النفسي:

"تصبح المضيفة غير قادرة على تمييز مشاعرها الحقيقية من الادعاء، فتبدأ الشك فيما إذا كانت 'هي' من يبتسم أم 'الابتسامة المُدربة'".

2.  القسوة المُؤسسية

في المقابل، يُطلب من محصلي الديون:

  • التصرف "أقسى من الطبيعي" (Nastier than Natural).

  • تحطيم مكانة المدين عبر التكتيكات مثل:

    • حجب التعاطف.

    • استخدام اللهجة العدوانية.

    • التلاعب النفسي.
      التناقض الأخلاقي:
      يدركون ظروف المدينين الصعبة، لكن قواعد العمل تمنعهم من الاستجابة الإنسانية.

طبيعة العمل العاطفي في الوظيفتين

المعيارمضيفات الطيرانمحصّلو الديون
الهدف التجاريزيادة الطلب على الخدمةاسترداد الأموال
القاعدة العاطفيةتعزيز مكانة العميلتحطيم مكانة العميل
التكتيك الأساسيالود المُفرطالعدوانية المُتحكَّم بها
خطر الاغترابفقدان الصلة بمشاعر الحقيقيةتبلد المشاعر الإنسانية

الأبعاد المجتمعية للعمل العاطفي

1. الجندر: التأنيث العاطفي

يكشف الكتاب أن 53% من النساء الأمريكيات يعملن في وظائف تتطلب جهداً عاطفياً مكثفاً، مقابل 33% من الرجال، بسبب:

  • الربط الثقافي بين العاطفة والأنوثة.

  • توجيه النساء لوظائف "الرعاية" (مضيفات، ممرضات).

2. الرأسمالية: تسليع المشاعر

تحوِّل الشركات المشاعر إلى قيمة مضافة عبر:

  • وضع دقيقتات لقياس "جودة الابتسامة".

  • تدريب العاملين على "نبرات الصوت المناسبة".

  • معاقبة من يخالف قواعد المشاعر.

3. البحث عن الأصالة: معضلة العصر

في فصل "البحث عن الأصالة"، تطرح هوتششايلد إشكالية:

  • كيف نحافظ على مشاعر "حقيقية" في عالم يفرض علينا إدارتها؟

  • هل الابتسامة "الصادقة" هي التي نختارها بحرية، أم التي نصنعها بإتقان؟


التأثير الأكاديمي

1. الجوائز والتقدير

حصل الكتاب على:

  • جائزة تشارلز كولي (1983).

  • ذكر شرفي في جائزة رايت ميلز.

2. التأثير على الحقول المعرفية

أصبح الكتاب مرجعاً أساسياً في:

  • علم اجتماع العواطف.

  • دراسات الاغتراب في الرأسمالية.

  • أبحاث الجندر.

3. نقد النظرية

وجه بعض العلماء انتقادات مثل:

  • تجاهل دور المقاومة لدى العاملين.

  • تعميم نموذج الطيران على جميع القطاعات.


لماذا يظل الكتاب نافعا؟

بعد مرور أكثر من 40 عاماً على صدوره، يزداد الكتاب راهنية بسبب:

  1. تحوّل اقتصاد الخدمات إلى السمة المهيمنة عالمياً.

  2. ظهور أشكال جديدة من العمل العاطفي (مؤثرون السوشيال ميديا، خدمة العملاء عن بُعد).

  3. تزايد الوعي بمخاطر الإرهاق العاطفي في بيئات العمل.

كما كتبت هوتششايلد في إصدار 2012:

"لم نكن نتخيل أن 'الابتسامة المُدارة' ستصبح سلعة كونية تغزو كل قطاعات الحياة.

يظل هذا تحذيراً من تحويل الإنسان إلى "آلة عاطفية"، ودعوة لاستعادة المشاعر كفضاء للمعنى الإنساني الأصيل

إرسال تعليق

0 تعليقات