المرأة في خطاب الأزمة

 

المرأة في خطاب الأزمة

 "المرأة في خطاب الأزمة" لنصر حامد أبو زيد: تحليل نقدي للخطاب الديني والاجتماعي

 الكتاب والمؤلف

يعد كتاب  ("المرأة في خطاب الأزمة") من الأعمال الفكرية الجريئة التي حاولت تفكيك الخطاب السائد حول المرأة في الثقافة العربية الإسلامية.

 كُتب هذا الكتاب في سياق تاريخي شهد صعودًا للخطابات الأصولية وتأزمًا في الوضع الاجتماعي والسياسي العربي، خاصة بعد هزيمة 1967 وانهيار الاتحاد السوفيتي وتحول العالم إلى قطب واحد.

نصر حامد أبو زيد (1943-2010) كان أكاديمياً مصرياً متخصصاً في فقه اللغة العربية والدراسات الإسلامية. تعرض لمحنة كبيرة عندما اتهم بالردة والإلحاد بسبب أفكاره، وصدر حكم قضائي بالتفريق بينه وبين زوجته ابتهال يونس، مما دفعهما للهجرة إلى هولندا قبل أن يعودا إلى مصر قبل وفاته بفترة قصيرة.

 الإطار المنهجي: أنسنة الخطاب الديني والقراءة التاريخية

اعتمد أبو زيد في تحليله على منهج نقدي يقوم على عدة أسس:

  • القراءة التاريخية للنصوص: يعتبر أبو زيد أن النصوص الدينية منتج ثقافي يجب فهمه في سياقه التاريخي والاجتماعي، وأن الاجتهاد ضرورة دينية لا بد أن يراعي تطور المعرفة والإنسان.

  • أنسنة الخطاب الديني: يدعو إلى فصل الديني عن الدنيوي معرفيًا، والتمييز بين النص المقدس الثابت وتفاسيره البشرية المتغيرة.

  • نقد أنثروبولوجيا اللغة: يحلل كيف تشكل البنى اللغوية وعي المجتمع وتكريس التمييز ضد المرأة، حيث تصر اللغة العربية على جعل المذكر أصلاً والمؤنث فرعًا.

 المحتوى والأفكار الرئيسية

1. حواء بين الدين والأسطورة: تفكيك أسطورة الخطيئة الأصلية

يبدأ أبو زيد كتابه بمدخل عن قصة حواء كما وردت في تفسير الطبري وغيره من المفسرين، والتي استقوا كثيرًا من مروياتها من الإسرائيليات. يلاحظ أن هذه الروايات تظهر حواء كمشاركة في مؤامرة محبوكة ضد آدم بمساعدة الحية، مما جعل الضمير الإسلامي ينسب للمرأة وحدها مسؤولية الخروج من الجنة.

ينتقد أبو زيد هذه الرواية بأربع ملاحظات أساسية:

  • لا أصل لها في القرآن الكريم، بل تعارض صريح بعض الآيات التي تحمل آدم مسؤولية الغواية.

  • تصور ما حدث كمؤامرة حيكت من وراء ظهر الله، وهو ما لا يتفق مع علم الله المطلق.

  • العقاب الاستبدادي (آلام الولادة والدورة الشهرية) لا يتناسب مع جرم الأكل من الشجرة.

  • هذا التفسير يعكس عقلية مجتمع ذكوري أكثر من كونه تفسيرًا دينيًا.

2. أنثروبولوجيا اللغة وانجراح الهوية: كيف تشكل اللغة وعي المجتمع بالمرأة

يحلل أبو زيد التمييز اللغوي ضد المرأة في اللغة العربية، حيث يظهر التمييز على مستويات متعددة:

  • التمييز الصرفي: الإصرار على التذكير والتأنيث وعدم وجود أسماء محايدة.

  • التمييز النحوي: تغليب المذكر على المؤنث في الجمع، حيث يلغي وجود رجل واحد وجود مجموعة من النساء فيشار إليه بصيغة المذكر.

  • التمييز الدلالي: جعل المذكر أصلاً والمؤنث فرعًا، وربط المؤنث بالأعجمي من حيث القيمة التصنيفية (منع التنوين في الاسم المؤنث كما يمنع في الأعجمي).

هذه البنى اللغوية تنعكس على بنية الوعي المجتمعي، حيث تُصوَّر المرأة ككائن تابع يجب أن يدور في فلك الرجل.

3. خطاب الأزمة: تأثير الهزائم السياسية على وضع المرأة

يربط أبو زيد بين أزمة المرأة والأزمات السياسية والهزائم التي مر بها العالم العربي، خاصة هزيمة 1967. هذه الهزيمة أصابت "الكرامة الرجولية في مقتل"، مما أدى إلى:

  • انجراح الهوية والهروب إلى الماضي والتمسك بهوية أصلية متخيلة.

  • صعود الخطاب الطائفي بديلاً عن القومية، وتحول الإسلام إلى هوية بديلة عن الوطن.

  • تراجع وضع المرأة كمحاولة لتعويض الهزيمة الخارجية بالانتصار على المرأة داخليًا.

أدت هذه العوامل إلى بروز خطاب ديني متشدد يسعى إلى حبس المرأة داخل المنزل وخلف الحجاب، بنفس القدر الذي يسعى فيه إلى إلغاء وجود الأقليات الدينية.

4. الخطاب النهضوي والخطاب الطائفي: صراع المشاريع

يقارن أبو زيد بين خطابين متعارضين حول المرأة:

  • خطاب النهضة: ممثلاً في مفكرين مثل محمد عبده والطاهر الحداد، الذي يرى أن تدني وضع المرأة لا يعود إلى الإسلام بل إلى حالة التخلف في المجتمعات العربية. هذا الخطاب أدرك ضرورة فصل الديني عن الدنيوي ومعرفة السياق التاريخي للأحكام.

  • خطاب الطائفية: خطاب عنصري يتحدث عن مطلق المرأة/الأنثى ويضعها في علاقة مقارنة مع مطلق الرجل/الذكر، مما يكرس دونيتها ويجعل دورها هامشيًا حتى في الخطاب الذي يبحث عن حقوقها.

5. الواقع الاجتماعي بعد مفقود في الخطاب الديني

ينتقد أبو زيد تجاهل البعد الاجتماعي والاقتصادي في مناقشة قضايا المرأة، حيث يتم تحليل المشكلات من منظور الدين والأخلاق فقط، مما يؤدي إلى:

  • توهين جوانب المشكلة الحقيقية وإخفاء الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية.

  • تعامل مجتزأ مع قضية المرأة يركز على القشور (مثل الحجاب) ويتجاهل الجذور.

  • استدعاء selective للنصوص وتأويلات تخدم مصالح فئات معينة على حساب حقوق المرأة.

 الخلاصة والاستنتاجات

يخلص نصر حامد أبو زيد إلى أن خطاب المرأة في العالم العربي هو خطاب أزمة يعكس أزمات المجتمع ككل. وهو يدعو إلى :

  • اعتماد العقل والاجتهاد في فهم النصوص الدينية، دون خوف أو محظورات.

  • فصل الثابت عن المتغير في التراث الإسلامي، والتمييز بين النص المقدس وتفاسيره البشرية.

  • قراءة تاريخية للنصوص تضعها في سياقها الاجتماعي والثقافي.

  • نقد اللغة والبنى الثقافية التي تكرس التمييز ضد المرأة.

  • استعادة الدور الحقيقي للمرأة كشريك كامل للرجل، وليس ككائن تابع أو هامشي.

يظل كتاب "المرأة في خطاب الأزمة" عملًا مهمًا ومثيرًا للجدل، يقدم أدوات تحليلية قوية لفهم كيفية تشكل صورة المرأة في الخطاب العربي المعاصر، والعلاقة بين الأزمات السياسية والاجتماعية وتدهور وضع المرأة.

 وهو يشكل إضافة نوعية لمشروع أبو زيد الفكري في "أنسنة الخطاب الديني" ونقد الخطابات المسيطرة

إرسال تعليق

0 تعليقات