"The End of Alchemy: Money, Banking, and the Future of the Global Economy
نهاية الكيمياء: المال، المصارف، ومستقبل الاقتصاد العالمي" لمرفين كينغ
مقدمة عامة حول الكتاب والمؤلف
يعد كتاب "نهاية الكيمياء: المال، المصارف، ومستقبل الاقتصاد العالمي" (الصادر عام 2016) من أبرز أعمال اللورد مرفين كينغ، الذي شغل منصب حاكم بنك إنجلترا خلال الفترة الحرجة من 2003 إلى 2013، والتي شهدت الأزمة المالية العالمية عام 2008.
كينغ هو اقتصادي بريطاني مرموق، عمل أستاذًا للاقتصاد في كلية لندن للاقتصاد، ويشغل حاليًا منصب أستاذ في الاقتصاد والقانون بجامعة نيويورك.
يمثل هذا الكتاب ثمرة خبرته الطويلة في مجال السياسات النقدية والمالية، ويقدم تحليلًا عميقًا لجذور الأزمات المالية ويقترح حلولًا جذرية لإصلاح النظام المالي العالمي.
يستخدم كينغ مصطلح "الكيمياء" كاستعارة قوية لوصف الممارسات المصرفية التي تخلق النقود من اللا شيء عبر الإقراض الطويل الأجل باستخدام مدخرات قصيرة الأجل، مما يخلق نظامًا هشًا عرضة للأزمات المتكررة.
يناقش أن هذه الكيمياء المالية هي السبب الجذري لعدم الاستقرار في النظام الرأسمالي، مما يؤدي إلى فقاعات اقتصادية وانفجاراتها المدمرة.
الهيكل العام للكتاب وأبرز المحاور
الإطار المفاهيمي
يقدم كينغ في بداية الكتاب الإطار النظري الذي يستند إليه في تحليله، مبرزًا أربعة مفاهيم أساسية تُشكل مرتكزات الرؤية التي يطرحها:
عدم التوازن (Disequilibrium): يرفض كينغ فكرة أن الاقتصادات تعود تلقائيًا إلى التوازن، مشيرًا إلى أن فترات الازدهار والكساد هي نتيجة عدم توازن هيكلي عميق.
عدم اليقين الجذري (Radical Uncertainty): ينتقد النماذج الاقتصادية التي تتجاهل وجود عوامل غير قابلة للقياس أو التنبؤ، مما يجعلها عاجزة عن استشراف المستقبل أو منع الأزمات.
معضلة السجين (Prisoner's Dilemma): يستخدم هذا المفهوم لشرح why تتصرف البنوك والمستثمرون بطرق فردية عقلانية تؤدي في النهاية إلى نتائج كارثية جماعية.
الثقة (Trust): يرى أن الثقة هي العمود الفقري للنظام المالي، وأن انهيارها هو ما يحول الأزمات المالية إلى كوارث اقتصادية شاملة.
التحليل التاريخي والنقدي للنظام المالي
جذور الخيمياء المالية
يتتبع كينغ الأصول التاريخية للممارسات الخيميائية في القطاع المصرفي، بدءًا من ظهور النقود الورقية في الصين في القرن السابع الميلادي، مرورًا بمعيار الذهب، ووصولًا إلى نظام بريتون وودز وما بعده.
يشرح كيف حاولت الحكومات والبنوك المركزية عبر التاريخ "تحويل الورق إلى ذهب" من خلال خلق وهم بأن الأوراق النقدية لها قيمة مطلقة يمكن استبدالها بالذهب عند الطلب، بينما في الواقع، فإن قيمة النقود تعتمد على الثقة في السلطة التي تصدرها.
الأزمة المالية 2008: حالة دراسة
كحاكم لبنك إنجلترا أثناء الأزمة، يقدم كينغ رؤية داخلية فريدة لأحداث 2008.
يلقي باللوم على "بنوك جشعة" أو "متنظمين غير كفء" فحسب، بل على خلل هيكلي في النظام بأكمله.
لقد حفزت الحوافز الخاطئة البنوك على الاستدانة بشكل مفرط والمخاطرة بأموال المودعين، مع علمها بأنها "أكبر من أن تفشل" وأن البنوك المركزية ستنقذها في النهاية (مشكلة المخاطر الأخلاقية).
أهم انتقادات كينغ للنظام المالي التقليدي:
المشكلة/النقد | الوصف | الآثار المترتبة |
---|---|---|
التحويل الآجال (Maturity Transformation) | إقراض البنوك لأموال طويلة الأجل باستخدام ودائع قصيرة الأجل. | يؤدي إلى أزمة سيولة إذا طالب جميع المودعين بأموالهم في وقت واحد. |
الدعم الضمني (Implicit Subsidy) | اعتقاد البنوك بأنها ستُنقذ في الأزمات (Too Big to Fail). | يشجع على المخاطرة المفرطة وعدم الكفاءة (Moral Hazard). |
تعقيد المشتقات المالية | انتشار أدوات مالية معقدة مثل CDO و CDS. | يصعب تقييمها ويزيد من الترابط والهشاشة النظامية. |
فشل النماذج الاقتصادية | اعتماد نماذج تتجاهل عدم اليقين الجذري وافتراض التوازن الدائم. | عجز عن توقع الأزمات أو تفسيرها. |
الحلول والمقترحات الإصلاحية
البنك المركزي كـ"مرابح لكل الفصول" (Pawnbroker for All Seasons - PFAS)
هذا هو الحل الرئيسي الذي يطرحه كينغ لاستبدال دور البنك المركزي التقليدي كـ "مقرض الملاذ الأخير" (Lender of Last Resort - LOLR).
يقترح أن تقوم البنوك مسبقًا بترهين أصولها لدى البنك المركزي بخصم ("هير-cut") محدد مسبقًا يعكس قيمتها السوقية في أوقات الأزمات.
بهذه الطريقة، يكون لكل بنك خط ائتمان مسبق التحديد يمكنه استخدامه في الأزمات لتحويل أصوله غير السائلة إلى سيولة فورية، دون الحاجة إلى انتظار قرار من البنك المركزي أو التعرض لوصمة العار المرتبطة بالاقتراض في أوقات الشدة.
الهدف من هذا النظام هو:
تقليل المخاطر الأخلاقية: البنوك تدفع ثمن المخاطرة مقدمًا عبر "الهير-cut".
حماية دافعي الضرائب: تقليل الحاجة إلى إنقاذ البنوك بأموال عامة.
ضمان الاستقرار: توفير سيولة فورية ومضمونة في أوقات الذعر.
إصلاحات هيكلية أخرى
زيادة متطلبات رأس المال: خلاله يدعم كينغ زيادة احتياطيات رأس المال للبنوك، ذلك ليس كافيًا لوحده ويجب أن يكون مصحوبًا بإصلاحات مثل نظام PFAS.
إلغاء الديون (Debt Cancellation): باستخدام مثال ألمانيا بعد الحربين العالميتين، ي argues أن إلغاء الديون المفرطة في بعض الأحيان (مثل حالة اليونان) ضروري لاستعادة النمو، حيث أن الاستمرار في خدمة ديون لا يمكن سدادها يعيق التعافي الاقتصادي بأكمله.
إصلاح النظام النقدي الدولي: يدعو إلى تعاون دولي أكبر لمعالجة الاختلالات العالمية مثل "وفرة المدخرات" (Savings Glut) في آسيا والتي ساهمت في تخفيض أسعار الفائدة وخلق فقاعة الائتمان.
النقد والتقييم
آراء النقاد في الكتاب
على الرغم من ثناء الكثيرين على تحليل كينغ العميق للأزمة، إلا أن بعض المراجعين والنقاد شككوا في فعالية وجدوى حلوله المقترحة:
الطبيعة النظرية: يرى البعض أن مقترح PFAS "ساذج" أو غير كافٍ، ويتساءلون عما إذا كان البنك المركزي سيتمكن بالفعل من التعامل مع حالة ذعر شامل حيث تحتاج جميع البنوك لسحب خطوط الائتمان في وقت واحد.
إغفال القطاع المصرفي الظل (Shadow Banking): لم يتناول كينغ بشكل كافٍ مشكلة الأنشطة المالية خارج الميزانية العمومية للبنوك (مثل المشتقات وإعادة الرهون)، والتي تشكل تهديدًا ديناميكيًا كبيرًا.
غياب الغضب: لاحظ بعض النقاد أن نبرة كينغ كانت "مهذبة للغاية" وافتقرت إلى الغضب الذي قد يتوقعه المرء من شخص شهد عن قرب العواقب الوخيمة لإخفاقات النظام.
دور البنك المركزي التقليدي ومقترح كينغ (PFAS):
المعيار | مقرض الملاذ الأخير (LOLR) التقليدي | مقترح "مرابح لكل الفصول" (PFAS) |
---|---|---|
التوقيت | يتدخل بعد وقوع الأزمة. | يتم التحضير له مسبقًا (قبل الأزمة). |
شروط الاقتراض | يُقرر في لحظة الأزمة، وقد يكون discretionary. | مُحدد مسبقًا وواضح للجميع (قواعد ثابتة). |
الضمانات | يقبل ضمانات "جيدة" (مثل سندات حكومية). | يقبل نطاقًا أوسع من الأصول بخصم (هير-cut) مسبق. |
الوصمة | الاقتراض من LOLR carries وصمة عار. | لا وصمة حيث أن الخط الائتماني مُعد مسبقًا. |
السيولة المقدمة | قد لا تكون كافية لتغطية الالتزامات due to الهير-cut على الضمانات. | مصمم لتغطية الالتزامات لمدة 12 شهرًا قادمة. |
الدروس المستفادة ورؤية المستقبل
يختتم كينغ كتابه بنبرة من "جرأة التشاؤم"، معربًا عن قلقه من أن العالم لم يتعلم بعد الدروس الحقيقية من أزمة 2008، وأن الأزمة القادمة هي مجرد مسألة وقت إذا لم يتم تنفيذ إصلاحات جذرية.
الاستجابة للأزمة عبر خفض أسعار الفائدة إلى الصفر والتيسير الكمي قد أنقذت الاقتصاد من كساد عظيم، لكنها فشلت في معالجة الجذور الهيكلية للمشكلة بل وربما خلقَت فقاعات جديدة ومخاطر نظاميكية مستقبلية.
رؤية كينغ للمستقبل تتطلب "ثورة فكرية" حقيقية في الاقتصاد والتمويل.
يجب التخلي عن النماذج التي تفترض اليقين والعقلانية الكاملة، واعتماد إطار جديد يعترف بـ عدم اليقين الجذري ويدمج دروسًا من العلوم الأخرى مثل علم النفس والتاريخ.
كما يدعو إلى إصلاح النظام المصرفي لإنهاء الخيمياء التي تخلق النقود من الديون، وتعزيز التعاون العالمي لمعالجة الاختلالات وإدارة الديون.
في النهاية، يعترف كينغ بأن تنفيذ هذه الإصلاحات يواجه "معضلة السجين" سياسيًا: فكل دولة تفضل الانتظار لترى ما ستفعله أولاً، مما يؤدي إلى الجمود ويزيد من خطر الأزمة التالية. يتطلب كسر هذه الحلقة المفرغة قيادة وشجاعة سياسية نادرة.
المصادر
للقراء المهتمين بتعميق فهمهم لأفكار مرفين كينغ، يمكن الرجوع إلى الكتب التالية:
"عدم اليقين الجذري: صنع القرار خلف الأرقام" (2020) - كتاب أحدث لكينغ يوسع فيه مناقشة مفهوم عدم اليقين.
"بين الديون والشيطان" لأدير تيرنر - يناقش قضايا مشابهة متعلقة بالمال والائتمان.
"عواقب السلام الاقتصادية" لجون مينارد كينز - الذي يشير إليه كينغ كمصدر إلهام
0 تعليقات