إرادة المعرفة



  "إرادة المعرفة" لميشيل فوكو

"إرادة المعرفة" هو الجزء الأول من مشروع "تاريخ الجنسانية" الذي بدأه الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، ونُشر عام 1976 بالفرنسية، ثم تُرجم إلى العربية عام 1991، وأُعيد نشره عام 2023 عبر مؤسسة هنداوي . يُعتبر الكتاب تحليلاً نقدياً للعلاقة بين المعرفة والسلطة في تشكيل الخطابات حول الجنسانية في المجتمع الغربي، مع تركيز على الفترة ما بعد العصر الفيكتوري .


أبرز أفكار الكتاب

  1. نقد "الفرضية القمعية"
    يدحض فوكو الفكرة الشائعة بأن المجتمعات الحديثة (خاصة في العصر الفيكتوري) قمعت الحديث عن الجنس، بل يرى العكس: لقد أنتجت أنظمة خطابية معقدة لمراقبة الجنس وتحليله. فبدلاً من الصمت، ظهرت خطابات علمية وقانونية ودينية تهدف إلى تنظيم الجنس وربطه بالهوية الفردية والاجتماعية .

    • مثال: تحول الجنس إلى موضوع للدراسة الطبية والنفسانية، مما جعله أداةً للسيطرة عبر "إرادة المعرفة" .

  2. السلطة المنتِجة للخطابات
    يرفض فوكو فكرة أن السلطة تُمارَس من أعلى (كالحكومات) فقط، بل يرى أنها تتخلل المجتمع عبر شبكات من الممارسات تُنتج المعرفة وتُشرعنها. فـ"الجنسانية" ليست ظاهرة طبيعية، بل بناءً تاريخياً مرتبطاً بآليات السلطة التي تتحكم في الأجساد والحقائق .

    • يُعرِّف فوكو "الجنسانية" بأنها "جهاز" (Dispositif) يدمج الخطابات والمؤسسات لإدارة الحياة الجنسية .

  3. الربط بين المعرفة والسلطة
    يوضح الكتاب أن المعرفة ليست محايدة، بل تُستخدم كأداة لفرض السيطرة. فـ"إرادة المعرفة" تعني السعي إلى إخضاع الجنس لمنطق العلم والتصنيف، مما يخلق هياكل للرقابة الذاتية (مثل الاعترافات الدينية أو الجلسات النفسية) .

    • يشير فوكو إلى أن الحديث عن الجنس أصبح وسيلةً لـبناء الذات وفق معايير أخلاقية واجتماعية .

  4. الجنس والسياسة الحيوية
    يربط الكتاب بين إدارة الجنسانية ومفهوم "السياسة الحيوية" (Biopolitics)، حيث تحولت السلطة من التحكم في الموت (عبر العقاب) إلى إدارة الحياة (عبر تنظيم الصحة والجنس). هذا التحول يُظهر كيف أصبح الجسانسية جزءاً من استراتيجيات الحكم الحديثة .

  5. الانتقادات والتأثير
    أحدث الكتاب نقاشاً واسعاً حول دور المؤسسات (كالطب والقانون) في تشكيل الهويات الجنسية. كما أثر في الدراسات النقدية للعلوم الإنسانية، خاصة في تحليل خطابات السلطة والتحرر .


السياق التاريخي والمشروع الأوسع

  • كان فوكو يخطط لإصدار ستة مجلدات في "تاريخ الجنسانية"، لكنه توفي قبل إكمالها. نُشر الجزء الأول عام 1976، ثم ظهرت أجزاء أخرى بعد وفاته، مثل "استعمال المتعة" و"الانهمام بالذات" .

  • يرتبط الكتاب بأعمال فوكو السابقة، مثل "المراقبة والعقاب"، حيث يتابع تحليله لأنظمة السيطرة الاجتماعية عبر التاريخ .


أهمية الكتاب

يُعد "إرادة المعرفة" عملاً تأسيسياً في فلسفة ما بعد الحداثة، حيث يقدّم أدوات لفهم تشابك المعرفة مع آليات الهيمنة. وهو يُظهر كيف تُستخدم "الحقيقة" كسلاحٍ لفرض الأنماط السلوكية، مما يفتح الباب لمساءلة المفاهيم المُسَلّم بها في الثقافة الغربية 

إرسال تعليق

0 تعليقات