التفكير في زمن التكفير



  "التفكير في زمن التكفير" لنصر حامد أبو زيد

يُعد كتاب "التفكير في زمن التكفير" وثيقةً فكريةً ودفاعًا شخصيًا للمفكر المصري نصر حامد أبو زيد ضد الاتهامات بالردة والكفر التي وُجهت إليه في تسعينيات القرن الماضي، والتي انتهت بفصله قضائيًا عن زوجته وهجرته إلى هولندا. يطرح الكتاب قضيةَ الصراع بين التفكير النقدي والتكفير كأداة لقمع الحريات الفكرية في المجتمعات العربية، مستندًا إلى تجربة أبو زيد الشخصية وتحليله للخطاب الديني السائد.


المحاور الرئيسية للكتاب:

  1. الرد على الاتهامات والتقرير المشبوه :

    • يركز الفصلان الأول والثاني على تفنيد تقرير عبد الصبور شاهين الذي اتهم أبو زيد بالكفر، واصفًا إياه بأنه "مشبوه" يعتمد على لغة خطابية سطحية ومبتذلة.

    • ينتقد أبو زيد منهجية التكفير التي تستخدمها المؤسسات الدينية والأكاديمية لقمع الآراء المخالفة، مشيرًا إلى أن التقرير استُخدم كأداة سياسية لحرمانه من الترقية إلى درجة "أستاذ" في جامعة القاهرة.

  2. قراءة التراث ومفهوم التاريخية :

    • يناقش أبو زيد ضرورة قراءة التراث الإسلامي بمنهج نقدي، معتبرًا أن النصوص الدينية — بما فيها القرآن — هي منتجات ثقافية تعكس سياقاتها التاريخية والاجتماعية.

    • يرفض الفهم الحرفي للنصوص، ويدعو إلى تأويلها عبر منظور علمي يدمج بين العقل والنقل، مشيرًا إلى أن معظم الأحاديث النبوية نقلت بمعانيها وليست حرفية، مما يفتح الباب للتأويل.

  3. الصراع بين الخطابين: التكفيري والنقدي :

    • يحلل الكتاب الصراع بين نمطين من التفكير:

      • نمط الثبات: يدافع عن الماضي ويستخدم الدين كأداة سياسية لحماية مصالح فئوية.

      • نمط التطور: يركز على فهم الدين والتراث عبر النقد والاجتهاد، مع إسقاط القداسة عن التراث البشري.

    • يرى أبو زيد أن التكفير ليس سوى تعبير عن "جهل مستعصٍ" يُستخدم لشيطنة المختلف فكريًا، سواء بالقتل الرمزي (التشهير) أو الجسدي.

  4. قضية العلمانية والخطاب الديني :

    • ينتقد أبو زيد تحويل الإسلام إلى "يافطة سياسية" تستخدم لتحشيد الجماهير، مُشيرًا إلى أن الخطاب الديني المعاصر يخلط بين الدين كقيم روحية والفكر الديني كاجتهادات بشرية قابلة للنقد.

    • يُعارض فكرة أن العلمانية تعادي الدين، بل يرى أنها حركة فكرية تهدف إلى فصل الهيمنة الدينية عن الدولة، كما حدث في السياق الأوروبي.

  5. الملحق الوثائقي والدعاوى القضائية :

    • يختتم الكتاب بملحقٍ يوثق تفاصيل الدعوى القضائية التي رُفعت ضد أبو زيد، بدءًا من صحيفة الاتهام وحتى حكم المحكمة برفض الدعوى، مما يعكس تناقضَ الاتهامات مع المنطق القانوني والعلمي.


أهم الأفكار المثيرة للجدل:

  • القرآن كمنتج ثقافي: رأي أبو زيد أن القرآن نشأ في سياق ثقافي محدد، ثم أصبح مهيمنًا على الثقافة لاحقًا، أثار غضب التيارات المحافظة التي اعتبرته مساسًا بقدسية النص.

  • نقد الإجماع والسنة: شكك في حجية الإجماع الفقهي وقدم قراءات نقدية للسنة النبوية، مما اعتُبر خروجًا عن المألوف.

  • الدعوة إلى تحرير العقل: حث على التحرر من سلطة النصوص الحرفية، معتبرًا أن هذا التحرر شرطٌ لتقدم المجتمعات العربية.


الخلاصة:

الكتاب ليس مجرد سيرة ذاتية لأبو زيد، بل هو مانيفستو يدعو إلى تحرير العقل العربي من قيود التكفير والجهل. يعكس الصراعَ التاريخي بين الفكر النقدي والخطاب الديني المُسيَّس، ويبقى مرجعًا أساسيًا لفهم أزمات الحرية الفكرية في العالم العربي المعاصر.

إرسال تعليق

0 تعليقات