"أميرة بابل" لفولتير
ملخص مفصل وتحليلي للحكاية الفلسفية
فولتير وأميرة بابل
قبل الغوص في ملخص القصة، من الضروري فهم سياقها. كتب فولتير (François-Marie Arouet) هذه الحكاية الفلسفية عام 1768، في ذروة عصر التنوير الأوروبي. كان فولتير أحد أبرز أعلام هذا العصر، مناضلاً شرساً ضد التعصب الديني، والاستبداد السياسي، والخرافات، والظلم الاجتماعي. استخدم فولتير الأدب، وخاصة الحكايات الفلسفية مثل "كانديد" و"زاديغ" و"أميرة بابل"، كسلاح هجاء لاذع ووسيلة لنشر أفكار العقل، والتسامح، والعدالة، والبحث عن السعادة. "أميرة بابل" (La Princesse de Babylone) هي رحلة ملحمية مليئة بالمغامرات والغرائب، لكنها في جوهرها نقد لاذع للمجتمعات الأوروبية المعاصرة له (القرن الثامن عشر) ومحاولة لتصوير المجتمع المثالي القائم على قيم التنوير.
الشخصيات الرئيسية:
فورموسانت (Formosante): أميرة بابل، ابنة الملك بيلوس (Belus). تجمع بين الجمال الفائق، والذكاء الحاد، والفضول الفكري، والشجاعة غير المعهودة في أميرة. تمثل الفضيلة والبحث عن الكمال.
أمور (Amazan): أمير من أرض الغانغاريد (Gangarides)، وهي مملكة أسطورية في الشرق (تلميح للهند أو الصين). يتمتع بجمال أخاذ، فضيلة لا تشوبها شائبة، معرفة موسوعية، ومبادئ أخلاقية راسخة. هو تجسيد لفيلسوف التنوير المثالي.
الملك بيلوس (Belus): ملك بابل، والد فورموسانت. شخصية تقليدية مهتمة بتوسيع مملكته وتعزيز قوتها، لكنه يحب ابنته. يمثل الحاكم التقليدي الذي يخضع للتقاليد.
ملك مصر، ملك الهند، ملك السكوثيين: خُطاب فاشلون لفورموسانت، يمثلون حكامًا مستبدين أو متخلفين أو متعصبين.
أوركان (Orcan): أمير سكوثي (سيثي) شرير، قبيح الخُلُق والخَلق، يمثل القوة الغاشمة، الوحشية، والرغبة الجامحة.
الفينيق (Phénix): طائر أسطوري فريد من نوعه، حكيم وخالد، يقدم المشورة للملك بيلوس ولاحقًا يرافق فورموسانت في رحلتها. رمز للحكمة والمعرفة الخالدة.
الثيران المقدسة: كائنات أسطورية أخرى تظهر في بداية القصة، تمثل الخرافات والتقاليد العمياء.
ملخص مفصل للحبكة:
الجزء الأول: بابل والمسابقة الكبرى
تفتتح القصة في بابل الفخمة، حيث يعلن الملك بيلوس عن مسابقة عظيمة لخطبة ابنته الجميلة فورموسانت. الشرط الأساسي: أن يقتل الخطيب أحد الثيران المقدسة التي هاجمت المملكة (والتي يقدسها البابليون بشكل أعمى) ويصطاد طائر الفينيق النادر.
يتقدم ثلاثة أمراء:
ملك مصر: يتباهى بقوته وجيوشه وهرمه وثروته، لكنه يبدو متعجرفًا ومتعصبًا لدينه (عبادة الحيوانات).
ملك الهند: يتباهى بحكمته وفلسفته وتاريخه العريق، لكنه يظهر متعاليًا ومنعزلاً في برجه العاجي.
ملك السكوثيين (أوركان): شخصية همجية، قبيحة، تمثل البربرية والقوة البدنية الصرفة. يتباهى بغزواته الوحشية.
تفشل محاولات الملوك الثلاثة في قتل الثور أو اصطياد الفينيق بشكل مثير للسخرية، مما يكشف عن ضعفهم وعدم استحقاقهم أمام خرافاتهم وقوتهم الزائفة.
فجأة، يظهر أمير غامض وجميل بشكل مذهل: أمور، أمير الغانغاريد. بمهارة وهدوء، يقتل الثور ويصطاد الفينيق دون عنف لا داعي له، مذهلاً الجميع. يقع فورموسانت وأمور في حب بعضهما البعض من النظرة الأولى، حبًا روحيًا وفكريًا قبل أن يكون جسديًا.
يعلن الملك بيلوس فوز أمور، لكنه يشترط موافقة والدة أمور (التي تحكم الغانغاريد) على الزواج. يغادر أمور على عجل إلى بلاده بعد أن يعد فورموسانت بالعودة سريعًا.
الجزء الثاني: رحلة فورموسانت الملحمية
تمر الأيام ولا يعود أمور. تصل أنباء مزعومة (بتحريض من أوركان الغيور) تفيد بأن أمور خان فورموسانت مع إحدى خادمات البلاط.
ينتاب فورموسانت غضب وحزن شديدين، وتقرر أن تذهب بنفسها للبحث عن أمور ومواجهته. برفقة طائر الفينيق الحكيم (الذي أصبح مرشدها) وعدد قليل من الخدم المخلصين، تبدأ رحلة طويلة ومحفوفة بالمخاطر عبر العالم المعروف آنذاك.
محطات الرحلة وانتقادات فولتير:
مصر: تشهد عبادة الحيوانات (التي يصورها فولتير كخرافة سخيفة). تسمع عن أمور الذي مرّ من هنا وأدان هذه العبادات.
سوريا وفينيقيا: تصادف التعصب الديني والطقوس الدموية (مثل التضحية بالأطفال لإله مولك، الذي ينتقده فولتير بشدة).
آسيا الصغرى: تمر بمناطق شهدت حروبًا طاحنة.
اليونان (أثينا): هنا تلتقي فلاسفة، لكن فولتير يسخر من جدالهم العقيم حول أمور غير جوهرية (تلميح لجدالات الميتافيزيقيا المفرطة). تسمع عن أمور الذي ناقشهم وانتقدهم.
روما: تمثل ذروة الانتقاد. تصف فورموسانت روما كمدينة فقيرة وقذرة (مقارنة ببابل) يسكنها شعب جاهل يتحكم به كهنوت متسلط ومخادع (البابا والكرادلة). تنتقد فورموسانت بشدة الثروة الفاحشة للكنيسة مقابل فقر الشعب، وبيع صكوك الغفران، والتعصب الديني، وقمع العلم (تلميح لمحاكم التفتيش وجاليليو). تسمع أن أمور مرّ من هنا وهاجم هذه المظاهر علانية.
فرنسا (باريس): تمثل نقدًا مريرًا للمجتمع الفرنسي. تصف فورموسانت:
الترف الفاحش والفساد الأخلاقي في بلاط لويس الخامس عشر (الذي يرمز له ببلاط "الملك الذي يهوى الصيد").
غرور وفراغ النبلاء والطبقة الأرستقراطية.
الجشع المالي (التمثيل بالمالكيين والبيروقراطية).
الظلم الاجتماعي والفوارق الطبقية الهائلة.
التعصب الديني (خاصة تجاه البروتستانت بعد إلغاء مرسوم نانت).
فساد القضاء. تسمع قصصًا عن أمور الذي أحدث ضجة في باريس بنقده العلني لكل هذه المفاسد.
إسبانيا: تنتقد محاكم التفتيش بوحشيتها وقمعها للفكر.
إنجلترا (لندن): هنا يقدم فولتير صورة أكثر إيجابية، وإن لم تخلُ من النقد. يمتدح فولتير (على لسان فورموسانت والفينيق):
النظام الملكي الدستوري (مقارنة بالاستبداد الفرنسي).
حرية التعبير والتسامح الديني النسبي.
تقدم العلوم والصناعة والتجارة.
روح القانون واحترام العدالة. ومع ذلك، ينتقد أيضًا بعض جوانب المجتمع الإنجليزي. تسمع أن أمور أعجب بإنجلترا أكثر من غيرها.
هولندا (أمستردام): يمتدح فولتير روح التجارة والتسامح والحرية الفكرية السائدة هناك.
ألمانيا: تمر بمناطق تشهد حروبًا بين الإمارات المتصارعة (تلميح لحرب السنوات السبع).
روسيا (سانت بطرسبرغ): تنتقد الاستبداد القيصري (بطرس الأكبر، كاترين الثانية) رغم الإعجاب ببعض محاولات التحديث. تسمع عن أمور الذي انتقد القيصرية.
الدول الاسكندنافية: تسمع عن أمور الذي أشاد ببعض فضائلهم.
الصين: تمثل نموذجًا آخر إيجابيًا نسبيًا في نظر فولتير. يمتدح:
نظام الامتحانات لاختيار الموظفين (الذي يراه أكثر عدالة من نظام النبالة الوراثي).
احترام الآباء والكبار.
التسامح الديني (الكونفوشيوسية كفلسفة أخلاقية أكثر من كونها دينًا متعصبًا).
النظام والبيروقراطية الفعالة (من وجهة نظره). تسمع أن أمور زار الصين وأعجب بها.
الجزء الثالث: اللقاء والحقيقة والختام
أخيرًا، بعد رحلة طويلة حول العالم، تصل فورموسانت إلى حدود مملكة الغانغاريد، موطن أمور.
تلتقي بأمور. يشرح لها الحقيقة المرة: لم يخنها أبدًا. الخبر الذي وصلها كان كذبة دبرها أوركان الشرير. السبب الحقيقي لتأخره هو أنه، أثناء عودته السريعة إلى الغانغاريد للحصول على موافقة والدته، مر بنفس الدول التي مرت بها فورموسانت لاحقًا. وفي كل محطة، صُدم من رؤية التعصب، والظلم، والخرافات، والفساد، والقسوة التي شهدها في أوروبا وآسيا. أصابه هذا المنظر بالإحباط الشديد والاشمئزاز، لدرجة أنه قرر العودة إلى الغانغاريد دون إكمال مهمته، معتقدًا أن فورموسانت الجميلة النقية لا يمكن أن تكون ابنة لملك يحكم شعبًا بهذه الصفات الرذيلة (مثل شعوب أوروبا التي رآها). كان يعتقد أن بابل هي الأخرى فاسدة.
تروي فورموسانت لأمور رحلتها الطويلة، وكيف أنها رأت بعينها كل هذه الشرور، وكيف أنها، مثله، أدانتها. تؤكد له أن حبها له نقي، وأنها تشاركه نفس المبادئ السامية.
يتصالح الحبيبان. يدخلان معًا إلى أرض الغانغاريد.
مملكة الغانغاريد: يوتوبيا فولتير:
تصور فولتير الغانغاريد كمملكة فاضلة، مجتمع مثالي قائم على مبادئ العقل والفضيلة:
المساواة: لا توجد طبقات اجتماعية متوارثة أو امتيازات بالنسب. الجميع متساوون في الحقوق الأساسية.
العدالة: قوانين عادلة تطبق على الجميع دون تمييز. لا تعسف ولا ظلم.
التسامح الديني: حرية المعتقد الكاملة. لا دين دولة. الجميع يعبد الإله كما يفهمه بعقله، دون تعصب أو كهنوت متسلط.
الحرية الفكرية: تشجيع العلم والفلسفة والفنون. لا رقابة على الفكر.
العقلانية: تحكيم العقل في كل شؤون الحياة، بدلاً من الخرافات أو التقاليد العمياء.
الأخلاق الفاضلة: الصدق، الإخلاص، احترام الآخر، نبذ العنف والقسوة. (أمور هو تجسيد لهذه الفضائل).
رفاهية عامة: اقتصاد مزدهر، شعب سعيد، لا فقر مدقع ولا ثراء فاحش.
حكم رشيد: حكم يقوم على الحكمة والعدل وخدمة الشعب، وليس الاستبداد أو الطمع. (والدة أمور تمثل الحاكم الفيلسوف).
الطبيعة والانسجام: وصف فولتير الطبيعة هناك بأنها خلابة، تعكس جمال وانسجام المجتمع.
تستقبل والدة أمور فورموسانت بحفاوة وموافقة. يتزوج أمور وفورموسانت في الغانغاريد، في جو من الفضيلة والسعادة والانسجام التام.
يعود أوركان الشرير، الذي طارد فورموسانت طوال الرحلة بنوايا سيئة، إلى بابل. يحاول إقناع الملك بيلوس بغزو الغانغاريد، مدعيًا أن أمور وفورموسانت أسيرا هناك! لكن الملك بيلوس، الذي بدأ يتأثر بفضائل الغانغاريد (بفضل رسائل ابنته والفينيق)، يرفض وينبذ أوركان.
تنتهي القصة بانتصار الحب والفضيلة والعقل في مملكة الغانغاريد المثالية.
التحليل الفلسفي والأدبي والانتقادات الرئيسية:
الهجاء الاجتماعي والسياسي: القصة هي هجاء لاذع للمجتمعات الأوروبية في القرن الثامن عشر:
الاستبداد الملكي: ينتقد فولتير حكم الملوك المستبدين في فرنسا (لويس الخامس عشر) وروسيا وغيرها، الذين يسحقون شعوبهم.
فساد الكنيسة والتعصب الديني: الهجوم الأشد قسوة موجه ضد الكنيسة الكاثوليكية في روما (البابوية، صكوك الغفران، الثروة، محاكم التفتيش) والتعصب الديني بشكل عام (مصر، إسبانيا، فرنسا). يدعو إلى فصل الدين عن الدولة والتسامح.
الظلم الاجتماعي والفوارق الطبقية: يصور بؤس الشعب مقابل ترف النبلاء والملوك ورجال الدين في فرنسا وأوروبا.
فساد النظام القضائي: يشير إلى ظلم المحاكم.
الجهل والخرافات: يسخر من الخرافات الدينية (عبادة الحيوانات في مصر) والفلسفات العقيمة (اليونان) ورفض العلم (روما).
الفساد الأخلاقي: يصور انحلال الأخلاق في بلاطات الملوك (خاصة فرنسا) وغرور الطبقة الأرستقراطية.
نموذج المجتمع المثالي (اليوتوبيا): الغانغاريد هي تصور فولتير لمجتمع التنوير المثالي:
حكم العقل: الأساس هو العقلانية في كل شيء.
التسامح: حرية الفكر والمعتقد هي حجر الزاوية.
العدالة والمساواة: قوانين عادلة تطبق على الجميع، لا امتيازات بالولادة.
الفضيلة الأخلاقية: الأخلاق الفردية والاجتماعية القائمة على العقل والخير.
الرفاهية: نتيجة طبيعية للعدل والعقل والعمل.
فكرة التقدم والفضيلة:
الرحلة كاستعارة: رحلة فورموسانت هي استعارة لرحلة المعرفة. رؤية شرور العالم تزيد من وعيها وتقوي إيمانها بالفضيلة التي يمثلها أمور والغانغاريد.
تفوق الفضيلة والعقل: أمور وفورموسانت هما البطلان لأنهما يجسدان الفضيلة، العقل، الإخلاص، والشجاعة. انتصارهما في النهاية هو انتصار لهذه القيم.
نسبية الحضارات: تظهر القصة أن "التقدم" ليس حكرًا على أوروبا. فبابل والصين والغانغاريد (الشرق) تمتلك حضارات عظيمة، بينما أوروبا مليئة بالرذائل. هذا تحدٍ للأورومركزية.
النقد من خلال المقارنة: فولتير يستخدم المقارنة باستمرار:
بين شرور أوروبا وفضائل الغانغاريد (وإلى حد ما إنجلترا وهولندا والصين).
بين الخرافات (ثيران بابل، عبادة الحيوانات) والعقلانية (أمور، الفينيق).
بين الحكام المستبدين (فرنسا، روسيا) والحكم الرشيد (الغانغاريد، إنجلترا الدستورية).
بين التعصب (روما، إسبانيا) والتسامح (الغانغاريد، إنجلترا، هولندا).
أسلوب فولتير الأدبي:
الحكاية الفلسفية: مزج المغامرة والغرابة (الثيران، الفينيق، الغانغاريد الأسطورية) مع النقد الفلسفي والاجتماعي الحاد.
السخرية والتهكم: سلاح فولتير الأساسي. يسخر من الخرافات (فشل الملوك في المهمة)، ومن غرور الحكام، ومن فساد الكنيسة (وصف روما)، ومن تفاهة المجتمع (باريس).
المبالغة والكاريكاتير: يبالغ في تصوير قبح ورذيلة أوركان، أو غرور ملك مصر، أو فساد روما، لجعل النقد أكثر وضوحًا وإثارة.
الرمزية: الثيران (الخرافات العمياء)، الفينيق (الحكمة الخالدة)، رحلة فورموسانت (رحلة المعرفة والاختبار)، الغانغاريد (المجتمع المثالي).
الوصف الحي: وصف مشاهد البذخ في بابل، أو قذارة روما، أو فساد باريس، أو جمال الغانغاريد، لجعل النقد ملموسًا.
الرسائل الأساسية:
ضرورة تحكيم العقل في كل مجالات الحياة.
الدعوة الصارخة للتسامح الديني وحرية الفكر.
نقد الاستبداد السياسي والدعوة لنظم أكثر عدالة (مثل الملكية الدستورية).
رفض الظلم الاجتماعي والفوارق الطبقية الصارخة.
تفوق الأخلاق القائمة على العقل والفضيلة الطبيعية.
فكرة أن السعادة والعدالة ممكنة فقط في مجتمع قائم على هذه المبادئ (اليوتوبيا).
أن الرذائل (الاستبداد، التعصب، الجهل، الظلم) ليست حكرًا على شعب دون آخر، بل هي موجودة في كل مكان، والفضيلة تحتاج إلى بحث وجهد.
أهمية "أميرة بابل"
0 تعليقات