"الحياة الأدبية في جزيرة العرب" لطه حسين
1. الإطار التاريخي والجغرافي للجزيرة العربية
تعدد الأقطار وغياب الوحدة: يرى طه حسين أن جزيرة العرب ليست كتلة واحدة، بل تتكون من أقاليم متباينة (الحجاز، نجد، اليمن، تهامة) تختلف جغرافياً واجتماعياً وسياسياً ودينياً. هذه التجزئة جعلت وصف الحياة الأدبية فيها معقداً مقارنة ببلدان عربية أخرى مثل مصر أو سوريا .
العزلة التاريخية: يشير إلى وجود "عزلتين" رئيسيتين:
العزلة الأولى: قبل الإسلام، حيث كانت الجزيرة منعزلة عن العالم الخارجي.
العزلة الثانية: بعد انتقال مركز الخلافة الإسلامية من دمشق إلى بغداد في العصر العباسي، حيث انقطعت الصلات الأدبية تدريجياً مع مراكز الحضارة الإسلامية، وعادت الجزيرة إلى العزلة الأدبية شبه الكاملة بحلول أواخر القرن الثالث الهجري .
استثناءات التواصل: رغم العزلة، حافظت الجزيرة على اتصال محدود عبر:
الحج: تدفق الحجاج سنوياً إلى مكة والمدينة.
التجارة: خاصة في اليمن، الذي حافظ على أهميته التجارية خلال العصور الوسطى .
2. مظاهر الحياة الأدبية وأنواعها
أ. الأدب الشعبي (أدب العامّة)
السمات: يعتمد على الرواية الشفاهية، ويتوارثه الرواة عبر الأجيال دون تدوين.
المراكز الثقافية: ينتشر في البوادي والصحراء، ويعكس حياة البداوة وتحدياتها.
الشعر النبطي: يُمثل نموذجاً حياً لهذا الأدب، ويُشبه الشعر الجاهلي في:
اللغة: تشابه تلقائي بسبب الظروف البيئية والاجتماعية المشتركة.
الوظيفة: دور سياسي واجتماعي، مثل تمجيد القبيلة أو فضح عيوب الخصوم .
ب. الأدب التقليدي (أدب النخبة)
السمات: يُكتب بلغة القرآن، ويتركز في الحواضر مثل مكة والمدينة.
الانتقادات: يصفه طه حسين بأنه:
مُتكلِّف: يفتقر إلى الإبداع بسبب تقيده بالقديم.
منعزل: لم ينتقل إلى المدارس الأدبية في البصرة أو بغداد، فظل حبيس الذاكرة المحلية .
3. إشكالية الشعر الجاهلي والرواية الشفاهية
نقد طه حسين: يشكك في صحة معظم الشعر المنسوب للعصر الجاهلي، معتبراً أنه "منتحل" وُضع بعد الإسلام لخدمة أغراض سياسية أو قبلية .
دور الشفاهية: ينتقد الباحثون (مثل أحمد راشد ثاني وسعد الصويان) تجاهل طه حسين لدور الرواية الشفاهية في حفظ الأدب، مؤكدين أن:
القصيدة النبطية: ليست تقليداً للشعر الجاهلي، بل امتدادٌ طبيعي له.
الذاكرة الجمعية: حفظت الأدب رغم عدم تدوينه، عبر الرواة والحُفَّاظ .
4. عوامل النهضة الأدبية الحديثة
أ. حركة محمد بن عبد الوهاب (الوهابية)
الدور التاريخي: أيقظت الحركة الوعي الفكري والأدبي في نجد خلال القرن الثامن عشر، ووحَّدت كلمة العرب تحت مبدأ "الإسلام الخالص".
التشبيه بظهور الإسلام: يرى طه حسين أن الظروف المحيطة بالدعوة الوهابية تشبه تلك التي رافقت ظهور الإسلام في الحجاز، خاصةً في مقاومة الشرك وتنقية العقيدة .
ب. التأثير الخارجي والصحوة
الاتصال بالغرب: أدى وصول المطابع وإنشاء المدارس الحديثة (مثل تلك التي على النمط المصري) إلى نقل الأفكار الجديدة.
دور الصحافة: ظهور صحف مثل "أم القرى" في مكة، ومجلات مثل "الإصلاح"، ساهم في نشر الأدب الحديث.
البعثات التعليمية: إرسال الطلاب إلى مصر وأوروبا، مما فتح آفاقاً جديدة للتجديد الأدبي .
5. الثنائيات الفكرية في رؤية طه حسين
المحافظة vs التجديد:
المحافظة: تمثلها النخبة الدينية والعلمية المرتبطة بالتراث التقليدي.
التجديد: يتمثل في تلاميذ الأدباء المهجريين (مثل جبران خليل جبران)، الذين تأثروا بالأدب الغربي.
التنبؤ بالصراع: يتوقع طه حسين صراعاً بين هذين التيارين، لكنه يرى أن "النصر محقق للحياة الجديدة" بسبب اتساع نطاق الاتصال بالعالم .
6. منهج طه حسين وأبرز الانتقادات التي وُجهت له
المنهج التاريخي التحليلي: اعتمد على تتبع التحولات السياسية (مثل سقوط الدولة الأموية وصعود العباسية) لتفسير انحسار الأدب في الجزيرة .
الانتقادات:
تجاهل الشفاهية: اتهمه نقّاد (كعبدالله الغذامي) بتجاهل دور الثقافة الشفاهية في حفظ التراث.
تعميم العزلة: رأى باحثون أن عزلة الجزيرة لم تكن مطلقة، خاصة في اليمن والحجاز .
رؤية طه حسين لمستقبل الأدب في الجزيرة
يختتم طه حسين كتابه بتفاؤل حذر، مؤكداً أن:
التجديد: سيطرق أبواب الجزيرة عبر التعليم الحديث والصحافة.
التحدي الأكبر: يتمثل في التوفيق بين الهوية العربية الإسلامية وضرورات التجديد، معتبراً أن "الحضارة الأوروبية ستسود رغم تحفُّظ البعض" .
يظل الكتاب مرجعاً مهماً لفهم التحولات الأدبية في الجزيرة العربية، رغم ما يُوجه إليه من نقد، خاصة في تحليله لإشكالية الشعر الجاهلي ودور الشفاهية
أقرأ أيضاَ
0 تعليقات