ملخص "حمار الحكيم" لتوفيق الحكيم

 


 "حمار الحكيم" لتوفيق الحكيم

المنظور التاريخي والأدبي للرواية

انتجت رواية "حمار الحكيم" عام 1940، في فترة حرجة من تاريخ مصر والعالم، حيث شهدت مصر تحولات اجتماعية وسياسية عميقة. توفيق الحكيم (1898-1987) - أحد رواد الأدب العربي الحديث - مزج في هذه الرواية بين السخرية والفلسفة لانتقاد الواقع الاجتماعي. جاءت الرواية بعد أعمال مسرحية شهيرة له مثل "أهل الكهف" (1933)، وتمثل تحولاً نحو السرد القصصي الذي يجسد رؤيته النقدية للمجتمع المصري، خاصة في الريف، مستخدماً الحمار كرمز للإنسانية المنسية وقناة للتعبير عن أفكاره .

الحبكة الرئيسية والأحداث الجوهرية

تبدأ الرواية بمشهد كوميدي ساخر: يشتري الراوي (تمثيل ذاتي للحكيم) حماراً صغيراً من فلاح بمبلغ ثلاثين قرشاً، بوساطة من بائع صحف، دون تخطيط مسبق. هذه اللحظة العابرة تتحول إلى رحلة فلسفية:

  • يُدخل الراوي الحمار إلى غرفته في فندق بالقاهرة، بمساعدة خادم رشوته بقطعة فضية ليحمله إلى الحمام.

  • يكتشف الراوي أن الحمار (الذي يسميه "الفيلسوف") يقف أمام المرآة منشغلاً بانعكاسه، مهملاً امرأة جميلة بجواره، فيشبهه بـ"الفلاسفة" المنعزلين عن الواقع .

  • يتلقى الراوي عرضاً من مندوب شركة سينمائية فرنسية لكتابة نص فيلم عن قصة حب تشبه "روميو وجولييت" في الريف المصري، فيرفض بحجة أن الظروف الاجتماعية للفلاحين لا تسمح بوجود "حب رفيع" في جو من العبودية والقمع .

  • يزور الراوي الريف برفقة الحمار لتصوير الفيلم، لكنه يصدم بواقع الفقر والقذارة، حيث يصف:

    "أكوام السماد، والكلاب النابحة، وصبية يرتدون أطماراً ويأكل الذباب أهداب عيونهم... ما من صبي في ريف مصر لم تنهش جسمه الأنكلستوما والبلهارسيا" .

  • تنتهي الرواية بموت الحمار رمزياً، كناية عن موت البراءة في عالم يسيطر عليه الجهل والاستغلال.

الرمزية والدلالات الفلسفية

  1. الحمار "الفيلسوف":
    يمثل الحمار في الرواية الضمير النقدي والبديل عن البشر المنغمسين في المادية. من خلال حوارات خيالية معه، يطرح الحكيم أسئلة وجودية:

    • في حوار عن طوفان نوح، يقول الحمار:

      "لم يغرق الطوفان إبليس... فما فائدة الطوفان إن لم يغرق الشر؟"
      فيرد الراوي: "الطوفان حمام يهدئ أعصاب البشرية حين يثور غضبها" .

    • يسخر الحمار من البشر:

      "شعورنا (الحمير) واحد... أما أنتم فكبرياؤكم في دمكم الفاسد!" .

  2. الريف المصري كرمز للتخلف:
    يصور الحكيم الريف كفضاء للمتناقضات: جمال طبيعي مقابل قبح اجتماعي. انتقاده المركز يتجه نحو:

    • تدهور صحي: انتشار أمراض مثل البلهارسيا.

    • استغلال اقتصادي: الفلاحون "أدوات" في فيلم يستغل فقرهم.

    • اضطهاد المرأة: وصفها بأنها "ربيبة الجواري" لا تفهم الحب إلا كعلاقة ملكية .

الأساليب الفنية واللغوية

  • اللغة: تجمع بين الفصحى والعامية في الحوارات، خاصة في مشاهد الريف، مما يضفي واقعية وطرافة .

  • الصور البيانية:

    • تشبيه الحمار بالفلاسفة: "شأنه شأن الفلاسفة يبحثون عن أنفسهم في المرآة" .

    • استعارة "الحب الرفيع" كـ"زهرة لا تنبت في أرض العبودية" .

  • السخرية والتهكم:

    • وصف البشر: "لا يأبى التهام أي شيء... حتى لحم أخيه!" .

    • تصنيف الجهل: "الجاهل البسيط من يعرف أنه جاهل، والجاهل المركب من يجهل أنه جاهل" .

التحليل الاجتماعي والسياسي

تكشف الرواية رؤية الحكيم لـأمراض المجتمع المصري:

  1. النفاق الطبقي:

    • المخرج الفرنسي يرى في فقر الريف "جمالاً فنياً"، بينما الراوي يرى "جرحاً أليماً".

    • منزل الأعيان في الريف يوصف: "غني الجيب، فقير الروح" .

  2. الصراع بين الأصالة والاستعمار:

    • رفض كتابة "روميو وجولييت مصرية" تأكيد على عدم قابليّة النماذج الغربية للاستنساخ في مجتمع ذو خصوصية ثقافية .

  3. المرأة والتحرر:

    • يربط الحكيم بين تخلف الريف وتهميش المرأة، معتبراً أن الحب الرفيع يحتاج حرية روحية .

ردود النقاد والأهمية الأدبية

  • النقاد العرب:

    • رأى سامر موسى أن الحكيم يحمل "صورة سلبية عن الريف" بسبب تجاربه الشخصية .

    • أشاد آخرون بـ"جمال الأسلوب والصور البيانية" .

  • مكانة العمل:
    تُعد الرواية نموذجاً لأدب السخرية الفلسفية، حيث حوّل الحمار من رمز للجهل إلى ناقل للحكمة، متأثراً بأعمال عالمية مثل "الحمار الذهبي" لأبوليوس . كما تمثل انتقاداً سابقاً لعصره لـ"عبادة المادة":

    "حتى المعنويات فقدت قيمتها في سوق الذهب!" .

 رؤية تحويلية للعالم

"حمار الحكيم" ليست مجرد قصة طريفة، بل مانيفستو أدبي ضد الاغتراب الإنساني:

  • الحمار يُظهر أن البساطة والصدق هما جوهر الحكمة، بينما البشر يغطسون في التعقيدات الزائفة.

  • النهاية المأساوية للحمار ترمز لـموت البراءة في عالم يرفض التغيير.

  • عبر هذا العمل، يؤسس الحكيم لـأدب مقاوم يستخدم الرمز والسخرية كسلاحين للتوعية الاجتماعية .

مقتطف  من الرواية:
"الكلمات هي التي شيدت العالم... محمد نشر الإسلام بالكلمات لا بالذهب، وعيسى بنى المسيحية بالكلمات لا بالمال!" — توفيق الحكيم يردّ على حمّار الذي احتقر الأفكار

إرسال تعليق

0 تعليقات