التنوير في إسقاط التدبير لابن عطاء الله السكندري
مؤلف الكتاب وحياته
هو أحمد بن محمد بن عبد الكريم السكندري (658-709هـ / 1260-1309م)، فقيه مالكي وصوفي مصري، لقب بـ"قطب العارفين" و"ترجمان الواصلين".
تحول فكري: بدأ منكراً للتصوف، ثم أصبح من أبرز أعلام الطريقة الشاذلية بعد صحبة شيخه أبو العباس المرسي .
مؤلفاته: أشهرها "الحكم العطائية"، و"مفتاح الفلاح"، و"تاج العروس" .
جوهر الكتاب والغاية منه
يدعو الكتاب إلى التوكل الكامل على الله وترك التخطيط المذموم الذي يناقض التسليم لقدرة الله. يُعرِّف ابن عطاء الله "التدبير" بأنه:
"توجيه الهمة لترتيب الأمور المستقبلية بحسب رأي النفس" .
الغاية: تحقيق الإيمان الحقيقي عبر الخروج عن "منازعة المقادير" وبلوغ حالة الرضا .
التمييز بين التدبير المحمود والمذموم
التدبير المحمود | التدبير المذموم |
---|---|
التخطيط لما يقرب إلى الله (كالتوبة وقمع الهوى). | التخطيط لتحصيل المعصية أو حظوظ النفس. |
براءة الذمة من حقوق الآخرين. | التعلق بالرياء والسمعة. |
الأخذ بالأسباب مع التوكل. | الاعتماد على الذات دون إشراق القلب بالتوكل . |
الأسباب العشرة لإسقاط التدبير
علم العبد بسابق تدبير الله له: "كُنْ له كما كُنْتَ له قَبْلَ وُجُودِك، يَكُنْ لك كما كان لك" .
إدراك أن القدر لا يجري بحسب تدبير البشر: "العاقل لا يبني بناءً على غير قرار" .
التسليم كتسليم السماوات والأرض: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} .
معرفة أن الإنسان ملك لله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ} .
التذكير بأن الدنيا ضيافة مؤقتة: "أنت نازل في دار الله عليه" .
اليقين بقوامية الله على الكون: {اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} .
الانشغال بوظائف العبودية بدلاً من الاهتمام بالذات.
الثقة برعاية السيد (الله) لعبده.
جهل الإنسان بعواقب الأمور: "ربما دبرت أمراً ظننته لك فكان عليك" .
كيف يعين الله العبد على حمل الأقدار؟
يذكر ابن عطاء الله عشرة أسباب تُقوّي العبد:
شهود حسن اختيار الله: كما أن الأب يسوق ابنه للحجام رحمةً لا إيذاءً.
تذكُّر عطايا الله السابقة: "كما قضى لك بما تحب، اصبر له على ما يحب".
اليقين بأن الله يراه: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} .
إدراك أن الصبر يُورِث الرضا، وأن البلايا تكشف الحجب عن الأسرار الإلهية .
أمثلة تطبيقية من الكتاب
قصة بني إسرائيل في التيه:
طلبوا الثوم والبصل بعد نزول المنّ والسلوى، فعاتبهم الله: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ؟}، فسرّها ابن عطاء الله: "أتستبدلون مرادكم لأنفسكم بمراد الله لكم؟" .قصة نوح وابنه: حين اعتصم الابن بالجبل دون سفينة التوكل، فقال نوح: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ} .
مكانة الكتاب وتأثيره
نقد مفهوم "إسقاط التدبير": دافع ابن عطاء الله عن فكرته ضد اتهامات الجبرية، مؤكداً أنها لا تنفي الأخذ بالأسباب، بل ترفض التعلق بالذات .
العلاقة بالحكم العطائية: يُعد الكتاب امتداداً لحكمة: "لا يكن تأخرُ المدَدِ مع الإلحاحِ سبَباً لليأس، فهو ضمن لك الإجابةَ فيما يختاره لك لا فيما تختاره لنفسك" .
الطباعات الحديثة: صدر عن دار الكتب العلمية (2006)، والمكتبة الأزهرية (2007) .
التطبيق العملي لإسقاط التدبير
التحول من القلق إلى الطمأنينة: "إذا توجهت همة العبد إلى رعاية عبوديته، شغله ذلك عن التدبير لنفسه" .
التوكل الفعّال: الجمع بين الأخذ بالأسباب (كطلب الرزق) وترك النتائج لله .
المنهج العلاجي للقلق: يُوصَف الكتاب اليوم كمرجع لعلاج الهموم النفسية لو أُعيد صياغته بلغة العصر .
"لن تستطيع أن تكون كما تريد، ولكن تستطيع أن تكون أفضل مما أنت فيه".
— ابن عطاء الله (تلخيصاً لفكرة التسليم) .
يظل "التنوير في إسقاط التدبير" مرشداً روحياً خالِداً، يجمع بين عمق الفقه وشفافية التصوف، ويقدّم طريقاً للتحرر من أسر الذات بالتوكل على مالك الكون
0 تعليقات