في حوار نقد ومكاشفة للتجربة الإيرانية"
الإطار التاريخي والمرجعي للكتاب
أصل الكتاب: هو حوار بين آية الله حسين علي منتظري ونجله سعيد منتظري عام 2006-2007، يتضمن إجابات على 14 سؤالًا تمسّ جوهر الثورة الإيرانية ومآلاتها .
السياق الزمني: صدر بعد سنوات من عزل منتظري (1989) ووفاته (2009)، ويعد وثيقة نادرة من داخل مؤسس نظام الجمهورية الإسلامية .
الترجمة والتعليقات: نقلته للعربية الدكتورة فاطمة الصمادي، مع هوامش توضيحية لسياقات الأحداث والشخصيات، مما يجعله مرجعًا لفهم التعقيدات السياسية الإيرانية .
المحور الأول: ولاية الفقيه بين التأسيس والنقد
1. التطور النظري لمفهوم الولاية
التمييز بين الولاية العامة والولاية السياسية:
الولاية العامة (تشريعية وتكوينية): حصرية بالأئمة المعصومين بتنصيب إلهي.
الولاية السياسية للفقيه: تستمد شرعيتها من انتخاب الناس وبيعة لهم، ولهم حق تقييد صلاحيات الولي .
اعتراف بالتحول الفكري: كان منتظري مؤيدًا لنظرية "التعيين الإلهي" للفقيه أثناء صياغة الدستور (1979)، لكنه تراجع لاحقًا ورفض الصلاحيات المطلقة التي أُضيفت في التعديل الدستوري 1989، واصفًا إياها بـ"التلفيق السياسي" .
2. نقد التطبيق العملي
الخلل في عهد الخميني: يعترف أن الدستور فُصِّل على مقاس الخميني، مما أدى لتركيز السلطة بيد المرشد دون رقابة شعبية فعالة .
رفض شرعية خامنئي: يوضح أن خامنئي لا يستوفي شرط الاجتهاد المطلق، وأن ولايته "انقلاب على الدستور" .
المقارنة بين المرشدين:
الخميني: تمتعت ولايته بشرعية استثنائية بسبب دوره الثوري، رغم انتقاد ممارساته.
خامنئي: افتقد الشرعية الدينية والسياسية، وحوَّل النظام إلى "دكتاتورية مقنَّعة" .
المحور الثاني: الأحداث المحورية والصراعات الداخلية
1. قضية إيران-كونترا (1985-1986)
الخلفية: صفقة سرية لبيع أسلحة أمريكية لإيران عبر إسرائيل، بوساطة رفسنجاني وخامنئي، لتمويل حرب إيران ضد العراق .
دور منتظري في كشف الفضيحة:
اعترف بتسريبه الخبر لمجلة "الشراع" اللبنانية، رافضًا السرية التي حاكتها النخبة الحاكمة.
وصف الصفقة بأنها "خيانة للثورة"، مؤكدًا أن هدف أمريكا كان إطالة الحرب لإنهاك البلدين .
الاتهامات المتبادلة: اتهم رفسنجاني بالكذب حين نسب له الموافقة على المفاوضات، وكشف أن الفضيحة كانت ذريعة لعزله .
2. إعدام مهدي هاشمي والتصفية السياسية
الخلفية: مهدي هاشمي (شقيق صهر منتظري) كان مسؤولًا عن دعم حركات التحرر في الحرس الثوري، وأُعدم عام 1987 بتهمة "الكفر والإرهاب" .
تحليل منتظري للقضية:
الاتهامات ملفَّقة: هاشمي ضحية صراع بين الحرس الثوري وحزب الجمهورية الإسلامي.
الدور المشبوه لخامنئي ورفسنجاني: تورطا في اختلاق التهم لتدمير خصومهم .
الاعتراف بالتدخل: حاول الضغط لوقف الإعدام لكن أحمد الخميني (ابن الخميني) عطَّل جهوده .
3. الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988)
الخلاف مع الخميني: دعا منتظري لإنهاء الحرب بعد تحرير خرمشهر (1982)، معتبرًا إطالتها "جريمة ضد الشعب"، بينما أصر الخميني على الاستمرار حتى "تدمير صدام" .
التبعات: أدت الحرب لـ:
خسائر بشرية هائلة (مليون قتيل وجريح).
تدمير البنية الاقتصادية.
تمكين المؤسسات العسكرية (الحرس الثوري) على حساب المدنية .
المحور الثالث: القمع السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان
1. محاكم الثورة وسجن إيفين
انتقاد أسد الله لاجوردي: رئيس سجن إيفين ومدعي الثورة، وصفه بأنه "ديكتاتور صغير" حوَّل السجن إلى دولة مستقلة:
مارس التعذيب الوحشي.
تجاهل أوامر القضاء وقرارات العفو.
كان يتلقى أوامره مباشرة من أحمد الخميني .
محاولات الإصلاح الفاشلة: كلف الخميني مرتضى فهيم كرماني بتقصي الحقائق، لكن أحمد الخميني منع تقديم التقرير .
2. الإعدامات الجماعية
الرقابة على المحاكم: أسس منتظري "المحكمة العليا للثورة" لمراجعة أحكام الإعدام، وأنقذ حياة 6,000 سجين .
المسؤولية المزدوجة: انتقد تقصير القضاة، لكنه أكد أن الخميني كان يملك سلطة وقف الإعدامات ولم يفعل .
المحور الرابع: النقد الذاتي والمسؤولية التاريخية
1. الاعتراف بالأخطاء الشخصية
إدارة مكتب نائب القائد: وصفه بأنه كان "ضعيفًا ومفككًا"، مما سمح للمتطرفين بالسيطرة على القرار .
العلاقة مع الخميني: اعترف بأن تباعده عنه أتاح للمغرضين التلاعب بمواقفهما .
دور في تأسيس المؤسسات القمعية: ساهم في إنشاء أجهزة مثل الحرس الثوري ولجان الثورة، نادمًا على تحولها لأدوات قمع .
2. تحليل أسباب العزل (1989)
الخلفية: اتهمته رسالة العزل الرسمية بالتخطيط "تسليم إيران لليبراليين والمنافقين" .
التفنيد: كشف أن العزل نتيجة مؤامرة دبرها خامنئي ورفسنجاني:
اختلاق أكاذيب عن علاقته بمنظمة مجاهدي خلق.
استخدام أجهزة الاستخبارات لتشويه صورته .
التبعات: فرض إقامة جبرية عليه 20 عامًا، ومنع منعًا كاملًا من الإعلام .
المحور الخامس: رؤية للإصلاح ومستقبل إيران
1. الإصلاح السياسي والدستوري
نموذج ولاية الفقيه المقترح:
انتخاب المرشد من قبل الشعب.
تقييد صلاحياته بالدستور.
فصل السلطات ورقابة برلمانية حقيقية .
موقف من الديمقراطية: دعا لتبني قيم الدولة الحديثة (كحرية التعبير والتعددية) دون وصمها بـ"الغربية" .
2. إرث منتظري وتأثيره
الحركة الخضراء (2009): أصبح مرجعًا فكريًّا للمعارضة، وظهرت شعارات مناهضة لولاية الفقيه مستوحاة من أفكاره بعد وفاته .
القيمة التوثيقية للكتاب: يكشف تناقض النظام بين شعارات الثورة وممارساتها، ويقدم أدلة على انحرافها عن أهدافها .
الكتاب كمرآة لتجربة الثورة الإيرانية
ثورة تأكل أبنائها: تحوّل منتظري من "مهندس نظام ولاية الفقيه" إلى أبرز ضحاياه، يعكس إخفاق الثورة في تحقيق العدالة .
أهمية النقد الذاتي في الفكر الإسلامي: يقدم نموذجًا لمراجعة التراث السياسي الشيعي بعيدًا عن القداسة .
الرسالة الختامية: "لو توليت القيادة بعد الخميني، لكنت أنهيت الحرب مبكرًا، وأطلقت الحريات، وحولت إيران إلى دولة نموذجية لا سجنًا كبيرًا" .
"نقد الذات ليس ترفًا فكريًّا، بل مسؤولية تاريخية أمام الله والتاريخ" — حسين منتظري
0 تعليقات