"التيارات السياسية في إيران" لفاطمة الصمادي
إشكالية الدراسة وأهميتها
يُعد كتاب "التيارات السياسية في إيران: صراع رجال الدين والساسة" للباحثة الأردنية فاطمة الصمادي (الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) مرجعاً أساسياً لفهم التعقيدات السياسية الإيرانية بعد ثورة 1979. تؤكد الصمادي أن دراسة التيارات في إيران هي "مسألة متشعبة... السهل الممتنع"، حيث لا يمكن اختزالها في ث
نائية المحافظين مقابل الإصلاحيين بسبب تعدد العوامل المؤثرة في تشكيلها . استندت الباحثة في تحليلها إلى منهجية تاريخية-تحليلية، معتمدة على مصادر أولية مثل خطابات الزعماء ووثائق الأحزاب، وثانوية تشمل دراسات بالعربية والفارسية.
الفصل الأول: الإطار التاريخي والسياق الثوري
1. تطور النظام السياسي بعد 1979
المرحلة التأسيسية (1979-1989): هيمنة تيار "خط الإمام" بقيادة الخميني، وإقصاء التيارات الليبرالية واليسارية.
حرب العراق-إيران (1980-1988): ظهور "خطاب الدفاع المقدس" كأداة لتعبئة الهوية الوطنية والدينية .
مرحلة إعادة البناء (1990-1997): صعود خطاب البناء الاقتصادي بعد الحرب، تمهيداً لظهور الإصلاحيين.
2. التحولات الفكرية المؤسِّسة
الصراع بين المرجعيات: تنافس التيار الديني التقليدي (المرجعيات الشيعية في قم) مع المؤسسة الثورية (ولي الفقيه) .
الأحزاب المؤسِّسة: تفكك "حزب الجمهورية الإسلامية" لصالح شبكات غير رسمية مثل "مجتمع رجال الدين المقاتلين" .
الفصل الثاني: التيارات الرئيسية وتحولاتها
1. التيار الأصولي: من الهيمنة إلى الأزمة
الأيديولوجيا: التركيز على ولاية الفقيه المطلقة، ومعاداة الغرب، ورفض الديمقراطية الليبرالية.
التحولات: تطوره من تيار ثوري إلى مؤسسة سلطة، وانشقاق جناحه "النيو-أصولي" المؤيد لنجاد .
الأحزاب: تجسده في "جبهة ثبات الثورة" و"تحالف البناة".
2. التيار الإصلاحي: صعود وأفول
الجذور: انبثق من رحم اليسار الإسلامي (مثل "مجاهدو الثورة الإسلامية") .
المشروع: المطالبة بإصلاحات داخل النظام عبر "الشورى" و"المجتمع المدني"، دون مسّ ولاية الفقيه.
الإخفاقات: فشله في إقرار تغييرات جذرية بسبب سيطرة الأصوليين على المؤسسات السيادية .
3. التيار النجادي (تيار العدالة)
التمييز عن الأصولية: رغم تقاطعه معها في معاداة الإصلاحيين، إلا أنه تيار شعوي يعتمد على الخطاب الطبقي وانتقاد الفساد .
الخطاب السياسي:
رفض الديمقراطية كـ"نموذج غربي"، والدعوة لنظام ديني ثيوقراطي.
تبني المهدوية كمرجعية سياسية.
مهاجمة الأصوليين والإصلاحيين معاً .
4. تيار الاعتدال: إشكالية الهوية
السياق: ظهر مع صعود روحاني (2013) كبديل للأصولية والإصلاح.
الإشكالية: وفق الصمادي، يفتقر لـ"نسق معاني متسلسل" ويُعد "شبه خطاب" لعدم تماسكه الأيديولوجي .
المحددات: التركيز على التنمية الاقتصادية و"السياسة الخارجية المعتدلة" دون تغيير جوهري.
5. حركة الخضر (2009): إشكالية التصنيف
الطبيعة: ليست تياراً سياسياً تقليدياً، بل حركة احتجاجية متعددة المشارب .
التأثير: كشفت هشاشة الشرعية الانتخابية للنظام، وأعادت تعريف الصراع بين "الشعب" و"النخبة الحاكمة".
الفصل الثالث: التيارات الهامشية والمنبوذة
1. اليسار العلماني والديني
حزب تودة (الشيوعي): حلَّه النظام في الثمانينيات بعد اتهامه بالتجسس لصالح الاتحاد السوفيتي.
مجاهدو خلق: تحول من منظمة مسلحة إلى حزب منفي، يتبنى نسخة إسلامية من الماركسية .
2. التيارات الليبرالية والوطنية
جبهة تحرير إيران: أهملها النظام رغم مشاركتها في الثورة، بسبب علمانيتها.
خُضر إيران: تيار بيئوي واجه اتهامات بالتغريب وتم تهميشه .
الفصل الرابع: التحليل النقدي للخطابات السياسية
1. خطاب ولاية الفقيه
الأصوليون: مقدس وغير قابل للتعديل.
الإصلاحيون: قابل للتطوير عبر زيادة صلاحيات الرئيس والبرلمان.
النجاديون: يربطونه بقدوم المهدي كـ"ولي للعصر" .
2. الخطاب الاقتصادي
الأصوليون: اقتصاد مقاومة يعتمد على العدالة الاجتماعية.
الإصلاحيون: انفتاح تدريجي على الاستثمار الغربي.
النجاديون: شعبوية تقوم على دعم الفقراء عبر "الصندوق الخيري محبى الأيتام" .
3. العلاقة مع أمريكا
الأصوليون: "الشيطان الأكبر" وعدو دائم.
الإصلاحيون: ضرورة الحوار لتخفيف العقوبات.
التيار المعتدل: فصل السياسي عن الاقتصادي في التعامل .
الفصل الخامس: تحديات التيارات السياسية
1. إشكالية الديمقراطية
غياب الديمقراطية التمثيلية الحقيقية بسبب سيطرة مجلس صيانة الدستور على ترشيح المرشحين.
تحول الانتخابات إلى صراع بين نخب موالية للنظام .
2. بنية النظام المزدوجة
الدولة العميقة: مؤسسات غير منتخبة (الحرس الثوري، مجلس تشخيص مصلحة النظام) تهيمن على القرار.
الدولة الظاهرة: مؤسسات منتخبة (الرئاسة، البرلمان) محدودة الصلاحيات .
3. الصراع بين الديني والسياسي
رجال الدين التقليديون: يرفضون توظيف الدين لخدمة السلطة.
الساسة الأصوليون: يستخدمون الدين لتبرير الهيمنة السياسية .
الخلاصة والاستنتاجات
استحالة الاختزال الثنائي: الخريطة السياسية الإيرانية لا تنحصر في "محافظين وإصلاحيين"، بل تضم تيارات هجينة كالنجادية والاعتدال .
أزمة المشروعية: كل التيارات تواجه أزمة شرعية بسبب الفجوة بين الخطاب والممارسة.
دور العامل الخارجي: العقوبات والصراع مع الغرب يحددان أولويات السياسة الداخلية.
تفكك الخطاب الإصلاحي: تحوله من مشروع تغييري إلى "إدارة الأزمة" ضمن النظام.
تحديثات الطبعة الثانية (2019)
أضافت الصمادي تحليلاً لـ:
تحول "الحركة الخضراء" إلى حركة صامتة.
صعود تيار روحاني كوجه "معتدل" للأصولية.
استمرار إشكالية التيار النجادي رغم تراجع نجاد .
تقييم الكتاب وأهميته
يتميز الكتاب بـ:
الشمولية: تغطية تيارات غالباً ما تُهمَل مثل الخُضر والنجاديين.
العمق التاريخي: رصد التحولات منذ 1979 حتى 2019.
الجرأة النقدية: تفكيك خطاب "الاعتدال" وفضح محدوديته.
لكنه يُنتَقَد لـ:
إهمال تحليل دور العرقيات (الأذريين، الأكراد).
التركيز على النخب دون الحركات الاجتماعية العابرة للأحزاب.
إيران في مفترق الطرق
تخلص الصمادي إلى أن مستقبل التيارات السياسية الإيرانية مرهون بقدرتها على تجاوز:
الانقسام الأيديولوجي بين "الثورة الدائمة" و"الدولة الوظيفية".
الأزمة الاقتصادية التي تغذي الاحتجاجات الشعبية.
التحديات الإقليمية المتمثلة في الصراع مع السعودية وإسرائيل.
"إيران ليست دولة بأحزاب، بل أحزاباً بدولة... التناقض هنا هو أصل الصراع" .
يبقى هذا الكتاب دليلاً لا غنى عنه لفك شيفرة النظام السياسي الإيراني، الذي يجمع بين الثيوقراطية والجمهورية، والثورة والدولة، في بوتقة واحدة لا تزال تنفجر بين الحين والآخر
0 تعليقات