"تاريخ إيران الحديث" لأروند إبراهيميان

 


"تاريخ إيران الحديث" لأروند إبراهيميان

المؤلف والكتاب

يُعد كتاب "تاريخ إيران الحديث" للمؤرخ أروند إبراهيميان (وُلد في إيران عام 1940، وأستاذ التاريخ بجامعة نيويورك) مرجعاً أساسياً لفهم التحولات الجذرية في إيران خلال ما يسميه "القرن العشرين الطويل"، من الثورة الدستورية (1906) حتى حكم محمود أحمدي نجاد (2005). صدرت الترجمة العربية للكتاب بواسطة مجدي صبحي في سلسلة "عالم المعرفة" الكويتية (العدد 409، 2014) .
يركز الكتاب على أطروحة محورية: تحول إيران من دولة هشة تعتمد على النخب المحلية إلى دولة مركزية قوية، حيث كان التوسع الحكومي هو المحرك الرئيسي للتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .


الفصل التأسيسي: إيران تحت حكم القاجار (1794–1925)

  1. ضعف الدولة والهيمنة الأجنبية:

    • كانت الدولة القاجارية تعتمد على تحالفات مع "الوجهاء المحليين" (شيوخ القبائل، ملاك الأراضي، رجال الدين، تجار البازار)، دون بيروقراطية أو جيش دائم .

    • منح القاجار امتيازات مهينة للأجانب، مثل:

      • امتياز التبغ (1897) لبريطانيا، مما أثار احتجاجات شعبية قادها رجال الدين .

      • امتياز دارسي (1901) للتنقيب عن النفط مقابل 6% من الأرباح فقط .

    • أدت هذه التنازلات إلى إفلاس الدولة وارتفاع الضرائب، مما غذى السخط الشعبي.

  2. الثورة الدستورية (1906–1911):

    • اندلعت بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية وإعدام تاجر سكر من قبل الحكومة (1905) .

    • تحالف رجال الدين مع تجار البازار والمثقفين للمطالبة بدستور ومجلس وطني (المجلس).

    • فشلت الثورة بسبب:

      • انقلاب الشاه محمد علي (1907) والحرب الأهلية.

      • التدخل الروسي-البريطاني أثناء الحرب العالمية الأولى .


عصر البهلوي: بناء الدولة الحديثة (1925–1979)

رضا شاه (1925–1941): التحديث القسري

  1. انقلاب 1921 وتأسيس السلالة:

    • قاد رضا خان (قائد لواء القوزاق) انقلاباً عسكرياً، ثم خلع الشاه أحمد ونصّب نفسه شاهاً عام 1926 .

  2. أسس الدولة المركزية:

    • الجيش والبيروقراطية: حلّ محلّ الوجهاء المحليين، وأنشأ جهازاً أمنياً قوياً.

    • قمع المعارضة: وصفه المثقفون بـ"المستبد الشرقي" لقمعه الحركات الديمقراطية .

    • التحديث المادي: بناء السكك الحديدية، المصانع، ونظام تعليم حديث.

  3. نهاية الحكم:

    • أجبرته بريطانيا وروسيا على التنحي عام 1941 بعد غزو إيران في الحرب العالمية الثانية .

محمد رضا شاه (1941–1979): بين التبعية والثورة البيضاء

  1. صراع القوى وتدخل الخارج:

    • أطاحت المخابرات الأمريكية (CIA) برئيس الوزراء محمد مصدق (1953) بعد تأميمه النفط، وعاد الشاه من المنفى .

  2. الثورة البيضاء (1963):

    • برنامج إصلاحي شمل:

      • الإصلاح الزراعي: تقليص نفوذ ملاك الأراضي.

      • تمكين المرأة ومنحها حق التصويت.

      • تصنيع سريع مدعوم بعائدات النفط .

    • سلبيات الإصلاحات:

      • تهميش الفلاحين وهجرتهم العشوائية للمدن.

      • نمو الطبقة الوسطى مع استمرار القمع السياسي .

  3. التمهيد للثورة:

    • تضخم الفجوات الاجتماعية: 80% من الثروة بيد 20% من السكان.

    • الاستبداد السياسي: حزب "رستاخيز" الوحيد، وقمع السافاك للمعارضة .

جدول: تحول إيران من القاجارية إلى البهلوية

الجانبعهد القاجار (قبل 1925)عهد البهلوي (1925–1979)
هيكل الدولةلا جيش دائم، اعتماد على الوجهاءجيش موحد، بيروقراطية مركزية
الاقتصادزراعي تقليدي، هيمنة أجنبيةتصنيع سريع، رأسمالية دولة
السيطرة على الأقاليمضعيفة، حكم ذاتي قبليسيطرة مركزية مطلقة
دور الدينتحالف رجال الدين مع البازارمحاولات تفكيك النفوذ الديني

الثورة الإسلامية (1979): السياق والتحولات

الأسباب العميقة

  1. التحالف الثلاثي ضد الشاه:

    • رجال الدين: بقيادة الخميني، استغلوا المساجن كقواعد تنظيم.

    • البازار (التجار): موّلوا الاحتجاجات وأغلقوا الأسواق.

    • المثقفون الليبراليون واليسار: قدموا الغطاء الأيديولوجي .

  2. الدور الحاسم للمظالم الاجتماعية:

    • الفقر في الأحياء العشوائية (مثل "جور آباد" في طهران).

    • بطالة الخريجين رغم التوسع التعليمي .

تأسيس الجمهورية الإسلامية

  1. مرحلة التعددية المؤقتة (1979–1981):

    • شاركت قوى غير دينية (مثل مهدي بازركان، أبو الحسن بني صدر) في الحكومة.

    • أزمة الرهائن الأمريكيين (1979): استُخدمت لتصفية الليبراليين بتهمة "التبعية للغرب" .

  2. سيطرة رجال الدين:

    • ولاية الفقيه: أُدرجت في الدستور كسلطة عليا للمرشد (الخميني ثم خامنئي).

    • إقصاء الخصوم: حلّ الحرس الثوري "منظمة مجاهدي خلق" اليسارية (1981) .

  3. حرب العراق–إيران (1980–1988):

    • وحّدت الصف الداخلي، وعززت نفوذ المؤسسات العسكرية (الحرس الثوري) .


تحولات المجتمع الإيراني في القرن العشرين

من المخاوف التقليدية إلى الحديثة

بداية القرن (1900)نهاية القرن (2000)
السرقات على الطرق، الحيوانات البريةالبطالة، نقص السكن
المجاعات، الأوبئة (كوليرا، طاعون)معاشات التقاعد، التضخم
"عين الحسود"، القطط السوداءالتنافس على الجامعات، الشيخوخة
تغير البنى الطبقية
  • انهيار الإقطاع: بعد الإصلاح الزراعي في عهد الشاه.

  • صعود البروليتاريا الحضرية: عمال المصانع، سائقو التاكسي، وباعة المتاجر الصغيرة.

  • الطبقة الوسطى الجديدة: موظفو الدولة، المهندسون، والأطباء الذين قادوا الاحتجاجات ضد أحمدي نجاد (2009) .


الجمهورية الإسلامية: التحديات والتناقضات (1979–2005)

  1. أزمات العقد الأول:

    • اقتصادياً: تدمير البنية التحتية في الحرب، عقوبات دولية.

    • سياسياً: صراع بين "اليمين" (المحافظين) و"اليسار" (الإصلاحيين) داخل النظام .

  2. عصر الإصلاحات (1997–2005):

    • محمد خاتمي: دعا إلى "حوار الحضارات"، وحرية الصحافة، لكن المحافظين قيدوا إصلاحاته.

    • حركة الطلاب (1999): قُمعت عند احتجاجها على إغلاق صحيفة إصلاحية .

  3. صعود التيار الشعبوي:

    • أحمدي نجاد (2005): استغل غضب الفقراء من الفساد، ووعد بـ"نفط على موائد الفقراء"، لكنه زاد التضخم .


الاستمرارية والانقطاع في التاريخ الإيراني

مفارقات الثورة الإسلامية

  • استمرارية بيروقراطية الدولة: احتفظ النظام الجديد بموظفي عهد الشاه لضمان استمرارية مؤسسات الدولة .

  • إحياء الإرث الإمبراطوري: بروز "تيار الانحراف" القومي الذي يعظّم فارسية إيران رغم الخطاب الإسلامي .

دور العامل الخارجي

  • التدخل كعامل ثابت:

    • روسيا وبريطانيا (قبل 1945).

    • الولايات المتحدة (1953–1979).

    • العزلة الدولية (بعد 1979) .


إيران في القرن الحادي والعشرين

يخلص إبراهيميان إلى أن إيران دخلت القرن العشرين كدولة زراعية هامشية، وخرجت منه كقوة إقليمية ذات برنامج نووي وجيش مؤثر، لكنها تواجه تناقضات عميقة:

  • التناقض السياسي: بين الخطاب الثوري والممارسات المحافظة.

  • التناقض الاجتماعي: بين نمو التعليم وتقلص الفرص الاقتصادية.

  • التناقض الخارجي: بين العزلة الثورية والرغبة في الهيمنة الإقليمية .


نقد الكتاب وأهميته

  • القوة: تحليل متكامل يربط السياسة بالاقتصاد والمجتمع، مع تجنب التبسيط الأيديولوجي.

  • الضعف: تركيز مفرط على الدولة يهمل دور الفاعلين غير الرسميين (مثل الحركات النسوية).

  • الأهمية: يقدم مفتاحاً لفهم إيران المعاصرة، خاصة دور "البازار" و"الحرس الثوري" في صنع القرار .

"دخلت إيران القرن العشرين بالثور والمحراث الخشبي، وخرجت منه بمعامل للصلب، وبأعلى معدلات حوادث السيارات في العالم، وبرنامج نووي يثير ذعر الكثيرين" .

للحصول على رؤية أوسع، يُوصى باستكمال هذا الكتاب بـ:

  1. "مدافع آية الله" لهيكل (تحليل صحفي للثورة).

  2. "التيارات السياسية في إيران" لفاطمة الصمادي (تطور الأيديولوجيات بعد 1979)

إرسال تعليق

0 تعليقات