الطنطورية لرضوى عاشور

 



الطنطورية لرضوى عاشور


رواية "الطنطورية" للأديبة المصرية رضوى عاشور (1946–2014) هي عمل روائي عميق يتناول قضية الشتات الفلسطيني من خلال سيرة عائلة فلسطينية تُجبر على مغادرة قريتها "الطنطورة" بعد النكبة عام 1948. تندمج الرواية بين التاريخي والروائي، حيث تروي حكاية مريم، الفتاة الفلسطينية التي تشهد تهجير عائلتها وتتحول حياتها إلى رحلة من المعاناة والذاكرة المقاومة.

تتميز الرواية بأسلوب عاشور السردي المميز، الذي يجمع بين الواقعية التاريخية والرمزية الأدبية، مما يجعلها نصًا إبداعيًا يحمل أبعادًا سياسية واجتماعية ونفسية.


ملخص مختصر

تدور أحداث الرواية حول مريم الطنطورية، الفتاة الفلسطينية التي تعيش في قرية الطنطورة، وهي قرية ساحلية تقع جنوب حيفا. تبدأ القصة بوصف حياة القرية الهادئة قبل النكبة، حيث تعيش مريم مع عائلتها في جوٍّ من البساطة والترابط الاجتماعي.

النكبة والتهجير

مع اقتراب النكبة عام 1948، تتعرض القرية لمجزرة على يد العصابات الصهيونية، مما يُجبر أهلها على الفرار. تصف الرواية لحظة التهجير بألم:

"خرجنا من بيوتنا كما نحن، لم نحمل سوى الذكريات والخوف. الأرض التي مشينا عليها طوال حياتنا صارت فجأة ليست لنا."

تصل مريم وعائلتها إلى لبنان، حيث يعيشون في مخيم للاجئين، وتتحول حياتهم إلى سلسلة من المعاناة والفقد.

الحياة في المنفى

في المخيم، تواجه مريم وأسرتها ظروفًا قاسية من الفقر والحرمان، لكنها تظل متمسكة بهويتها الفلسطينية. تزوج مريم من أبو يوسف، وهو لاجئ فلسطيني آخر، وينجبان أطفالًا في المنفى. ومع ذلك، تظل ذاكرة القرية حية في وجدانها:

"الطنطورة ليست مكانًا نسيناه، بل هي جرح نحمله في قلوبنا كل يوم."

العودة المستحيلة

تحاول مريم العودة إلى فلسطين عبر الحدود، لكنها تفشل وتواجه الاعتقال والتعذيب. ومع تقدم العمر، تنتقل العائلة إلى مصر، حيث تحاول مريم الحفاظ على حكايتها وتوريثها لأحفادها.

الموت والذاكرة

تموت مريم في المنفى، لكن قصتها تبقى خالدة في ذاكرة أبنائها وأحفادها، الذين يحملون راية المقاومة بالكلمة والذاكرة:

"لم نعد نملك الأرض، لكننا نملك الحكاية. والحكاية قد تعيد لنا الأرض يومًا ما."


التحليل النقدي للرواية

1. البعد التاريخي والذاكرة الجمعية

تعتبر "الطنطورية" رواية توثيقية للذاكرة الفلسطينية، حيث تقدم رضوى عاشور سردًا إنسانيًا للنكبة بعيدًا عن الخطاب السياسي المباشر. الرواية تطرح أسئلة جوهرية حول الهوية، الانتماء، والشتات، وتكشف كيف تحولت حياة الفلسطينيين إلى رحلة بحث عن وطن مفقود.

"لم نكن لاجئين فحسب، كنا أشباحًا تبحث عن جسد."

2. المرأة كرمز للمقاومة

مريم ليست مجرد شخصية روائية، بل هي رمز للمرأة الفلسطينية التي تحمل عبء الذاكرة والمقاومة. فهي تحفظ حكاية القرية وتنقلها لأبنائها، مما يجعلها حارسة الهوية في زمن التهجير.

3. اللغة والأسلوب السردي

تمتاز لغة عاشور بالتكثيف والشفافية، حيث تخلط بين الواقعي والرمزي. تستخدم أسلوب "التداعي الذهني" لربط الماضي بالحاضر، مما يعكس حالة التشتت التي يعيشها الفلسطينيون.

"الذاكرة مثل البحر، كلما حاولت إمساك موجته، زادت عناقيد الرمل تتسرب من بين أصابعك."

4. النقد السياسي والاجتماعي

تنتقد الرواية الصمت العربي تجاه القضية الفلسطينية، كما تكشف عن معاناة اللاجئين في المخيمات، حيث يُعاملون كأرقام في ملفات المنظمات الدولية.

"في المخيم، كنا أرقامًا في سجلات الأونروا، لكن في قلوبنا، كنا بشرًا يحلمون بالعودة."

5. العائلة كمجاز للوطن

العائلة في الرواية تمثل الوطن المفقود، حيث يظل التمسك بها تعبيرًا عن التمسك بالهوية. رغم تشتت العائلة بين لبنان ومصر، تظل الطنطورة حاضرة في حكاياتهم.


 الرواية كأداة للمقاومة

"الطنطورية" ليست مجرد رواية، بل هي صرخة ضد النسيان. رضوى عاشور تقدم من خلالها نموذجًا أدبيًا يجمع بين الفن والالتزام السياسي، حيث تصبح الكتابة فعل مقاومة.

"ربما لن نعود، لكن حكايتنا ستبقى. والحكاية أحيانًا أقوى من السلاح."

بهذا، تظل الرواية شاهدة على معاناة شعب وأملهم الأبدي في العودة

إرسال تعليق

0 تعليقات