فرانكشتاين في بغداد لأحمد سعداوي

 


 "فرانكشتاين في بغداد" لأحمد سعداوي

تمهيد

رواية "فرانكشتاين في بغداد" للكاتب العراقي أحمد سعداوي، الصادرة عام 2013، هي إحدى أهم الروايات العربية الحديثة التي تدمج بين الواقعية السحرية والنقد الاجتماعي والسياسي. تحكي الرواية قصة كائن غريب يتشكل من بقايا ضحايا العنف في بغداد، ليكون تجسيدًا للفوضى والخراب الذي خلفته الحرب الأمريكية على العراق. تستلهم الرواية فكرة "فرانكشتاين" من رواية ماري شيلي الشهيرة، لكنها تعيد صياغتها في سياق عراقي معاصر، حيث يصبح الكائن المجمع من أشلاء الضحايا رمزًا للعنف الدائر والهوية الممزقة.

حازت الرواية على جائزة البوكر العربية عام 2014، مما أضاف إليها شهرة عالمية، وتم ترجمتها إلى عدة لغات. تقدم الرواية رؤية قاتمة لكنها عميقة لواقع العراق بعد الغزو الأمريكي، حيث تختلط الأسطورة بالواقع، والرعب بالكوميديا السوداء.


السياق التاريخي والاجتماعي للرواية

تدور أحداث الرواية في بغداد خلال الفترة ما بعد الغزو الأمريكي عام 2003، حيث انتشر العنف الطائفي، وتفككت النسيج الاجتماعي، وأصبح الموت جزءًا من الحياة اليومية. يستخدم سعداوي فكرة "الوحش" كاستعارة للعنف الذي يولد المزيد من العنف، حيث يتحول الكائن الذي خُلق من أشلاء الضحايا إلى قاتل ينتقم من القتلة، في حلقة مفرغة من الدماء.

إلهام فرانكشتاين: بين الأسطورة والواقع

في رواية ماري شيلي، يصنع الدكتور فرانكشتاين كائنًا من بقايا الجثث، لكنه يفقد السيطرة عليه، فيتحول إلى وحش. في رواية سعداوي، الكائن ليس من صنع عالم مجنون، بل هو نتاج الفوضى نفسها، حيث تتجمع أجزاء الضحايا لتصبح كيانًا واعيًا بذاته. وهكذا، يصبح "فرانكشتاين بغداد" تجسيدًا للعنف الذي يلتهم الجميع دون تمييز.


الشخصيات الرئيسية 

1. هادي العتاك – بائع الخردة وصانع الوحش

هادِي العتَّاك هو الشخصية المحورية في الرواية، رجل بسيط يعمل بائعًا للخردة في حي البتاوين ببغداد. بعد أن يشهد مقتل صديقه نعمان في تفجير، يجمع بقايا جثث الضحايا ويخيطها معًا ليكوّن جثة كاملة، بهدف دفنها بشكل لائق. لكن هذه الجثة "المجهولة" تتحول إلى كائن حي، يبدأ في الانتقام من الذين تسببوا في موت أصحاب الأعضاء التي يتكون منها.

هادِي يمثل المواطن العراقي العادي الذي يحاول أن يفعل شيئًا "أخلاقيًا" في وسط الفوضى، لكن أفعاله تتحول إلى كارثة. هو ليس شريرًا، بل ضحية لنواياه الحسنة التي تتحول إلى لعنة.

2. الوحش (فرانكشتاين بغداد) – الضحية والجلاد

الكائن الذي صنعه هادي لا يحمل اسمًا محددًا، لكن الصحافة تطلق عليه "المجرم الأكبر" أو "فرانكشتاين". هذا الكائن يمتلك وعيًا غريبًا، فهو يتذكر حياة أصحاب الأعضاء التي يتكون منها، ويشعر بالحاجة إلى الانتقام. لكنه يدرك أيضًا أنه كائن مشوه، غير مرغوب فيه.

الوحش هنا ليس مجرد قاتل، بل هو رمز للضحايا الذين تحولوا إلى قتلة، للدم الذي يولد المزيد من الدم. في أحد المقاطع، يقول الوحش:
"أنا كل هؤلاء الذين قُتلوا، وأنا الذي يقتل الآن."

3. الصحفي محمود السوادي – الراوي والشاهد

محمود السوادي هو صحفي يتابع قصة الوحش، ويكتب تقارير عنه. من خلاله، نرى كيف تتعامل السلطات والإعلام مع الظاهرة، حيث يحاولون استغلال القصة لتحقيق مكاسب سياسية أو إعلامية. محمود يمثل صوت العقل في الرواية، لكنه عاجز عن تغيير الواقع.

4. برهان الحاج سليم – الضحية الأولى

أول ضحايا الوحش، وهو تاجر عقارات فاسد كان متورطًا في عمليات نصب واحتيال أدت إلى مقتل العديد من الأشخاص. مقتله يظهر أن الوحش يقتل "المذنبين"، لكنه سرعان ما يتحول إلى قاتل عشوائي.

5. عزاوي وجماعته – المليشيات الطائفية

عزاوي هو زعيم مليشيا طائفية، وعدوه اللدود هو الوحش. يمثل عزاوي دور المليشيات في تأجيج العنف، حيث يتحول الصراع إلى حرب لا نهاية لها بين الوحش والمليشيات.


الأحداث الرئيسية 

تبدأ الرواية بجمع هادي لأعضاء الضحايا، ثم يكتشف أن الجثة التي صنعها قد اختفت. بعد أيام، تنتشر أخبار عن جرائم قتل غامضة، حيث يُقتل أشخاص بطريقة وحشية. تدريجيًا، يربط الناس بين الجرائم والجثة المجمعة.

الوحش يقتل أولاً المجرمين، لكنه سرعان ما يفقد السيطرة، فيبدأ بقتل أبرياء. هادي يحاول تدميره، لكنه يفشل. الصحفي محمود يحقق في القضية، ويكتشف أن الوحش يمتلك قوة خارقة، لكنه أيضًا يعاني من آلام الضمير.

في النهاية، تتدخل السلطات، وتحاول القبض على الوحش، لكنه يختفي في الظلام، تاركًا وراءه سؤالًا كبيرًا: هل انتهى الأمر، أم أن العنف سيستمر في إنتاج وحوش جديدة؟


المواضيع الرئيسية في الرواية

1. العنف الذي يولد العنف

الرواية تطرح فكرة أن القتل يخلق قتلة، وأن الضحايا قد يتحولون إلى جلادين. الوحش هو نتاج العنف، لكنه أيضًا يصبح مصدرًا جديدًا له.

2. الهوية الممزقة

الوحش مكون من أشلاء أناس مختلفين، مما يجعله بلا هوية واضحة. هذا يعكس حالة العراق بعد الحرب، حيث اختلطت الهويات والولاءات، وصار من الصعب تمييز الصديق من العدو.

3. الفساد واللاأخلاقية

الرواية تنتقد الفساد السياسي والاجتماعي، حيث يستغل الجميع الحرب لتحقيق مصالحهم، من السياسيين إلى رجال المليشيات، وحتى الصحفيين.

4. الأسطورة والواقع

سعداوي يدمج بين الواقعي والخيالي، ليرسم صورة لبغداد كمدينة أشباح، حيث الموتى يعودون، والأحياء يعيشون في جحيم.


الرمزية 

الوحش = العراق نفسه، الممزق بين عناصر متصارعة.

  • هادِي = الإنسان البسيط الذي يحاول إصلاح ما لا يمكن إصلاحه.

  • بغداد = مدينة تحولت إلى جثة كبيرة، حيث كل شيء ملوث بالدم.


 هل هناك أمل؟

الرواية لا تقدم حلولًا، بل تترك القارئ في حيرة: هل يمكن كسر دائرة العنف؟ أم أن الوحش سيظل يتجدد دائمًا؟ النهاية المفتوحة تترك السؤال معلقًا، في إشارة إلى أن الحرب لا تنتصر، بل تدمر الجميع.

"فرانكشتاين في بغداد" ليست مجرد رواية رعب، بل هي مرآة لواقع دموي، حيث يصبح القاتل ضحية، والضحية قاتلًا. أحمد سعداوي يصوّر ببراعة العبثية الكاملة للحرب، ويجعلنا نرى أن الوحش الحقيقي ليس الكائن المشوه، بل النظام الذي يخلق الوحوش




إرسال تعليق

0 تعليقات