الهروب من الحرية

الهروب من الحرية

 

 "الهروب من الحرية" لإريك فروم

أهمية الكتاب

نُشر  (Escape from Freedom) عام 1941 بواسطة عالم النفس الاجتماعي إريك فروم، وهو مفكر ألماني يهودي هرب من النازية إلى الولايات المتحدة. يأتي هذا العمل في سياق تحليلي لصعود الأنظمة الشمولية في أوروبا، خاصة النازية، كظاهرة نفسية-اجتماعية عميقة.
يطرح العمل سؤالاً محورياً: لماذا يختار البشر التخلي عن حريتهم طواعية لصالح أنظمة مستبدة؟.

هو  أحد الأعمال المؤسسة لعلم النفس الاجتماعي النقدي، حيث يدمج بين:

  • التحليل النفسي (تأثيرات فرويد).

  • التحليل الماركسي للبنى الاقتصادية والطبقية.

  • النقد الفلسفي للحداثة والتنوير.
    وقد بيعت منه أكثر من 10 ملايين نسخة، وتُرجم إلى عشرات اللغات، بما فيها العربية.


الحرية كعبء

يبدأ فروم بتحليل المفارقة الأساسية للحرية:

  • الحرية السلبية ("التحرر من"): التحرر من القيود الخارجية (السلطات الدينية، السياسية، الاجتماعية).

  • الحرية الإيجابية ("الحرية من أجل"): القدرة على تحقيق الذات عبر الإبداع والعقلانية والارتباط الإنساني الأصيل.

مع انهيار الأنظمة التقليدية (مثل الإقطاع)، حصل الإنسان على "الحرية من"، لكنه فقد الأمان الوجودي الذي كانت توفره هذه الأنظمة عبر:

  • الانتماء المجتمعي الثابت.

  • الدور الاجتماعي المحدد.

  • المعنى المسبق للحياة.
    هذا الفراغ أدى إلى مشاعر العزلة، العجز، والقلق الوجودي، مما جعل الحرية عبئاً لا يُحتمل.

"الخوف من الحرية لا يكمن في الحرية نفسها، بل في ما تفرضه من مسؤولية على الفرد".


من العصور الوسطى إلى الرأسمالية

أولاً: المجتمع الإقطاعي

  • الخصائص:

    • هرمية ثابتة (الإقطاعي، الكنيسة، الفلاح).

    • غياب الحرية الفردية لكن مع أمان وجودي.

    • الفرد "مدمج" في دوره الاجتماعي دون تساؤل.

ثانياً: الإصلاح البروتستانتي (لوثر وكالفن)

كذا يرى أن البروتستانتية كانت استجابة نفسية لانهيار الإقطاع وصعود الرأسمالية:

  • مارتن لوثر:

    • ركز على الفردية الروحية (علاقة مباشرة مع الله دون وساطة كنسية).

    • لكنه أكد على ضعف الإنسان أمام إله قاهر، مما يعكس شعور العجز في عصر التحول.

  • جون كالفن:

    • قدم عقيدة "القَدَر المسبق" (Predestination).

    • دفعت الأفراد للعمل بجد لإثبات "اختيارهم الإلهي"، مما أنتج "الأخلاق البروتستانتية" التي غذت الرأسمالية.

ثالثاً: الرأسمالية والاغتراب

مع تطور الرأسمالية:

  • تحول الإنسان إلى "ترس في آلة" (Cog in the Machine).

  • ساد مبدأ السوق: تقييم البشر بقيمتهم التبادلية لا الإنسانية.

  • نتج عن ذلك اغتراب عميق:

    • اغتراب عن الذات (تحويل الذات إلى سلعة).

    • اغتراب عن الآخرين (العلاقات تصبح تعاقدية).


 آليات الهروب من الحرية

يوضح فروم أن البشر، لتفادي قلق الحرية، يلجؤون إلى ثلاث آليات هروب رئيسية:

1. التسلط (Authoritarianism)

  • السيكولوجيا: مزيج من السادية (الرغبة في السيطرة) والمازوخية (الرغبة في الخضوع).

  • التجلي:

    • الخضوع لسلطة متعالية (زعيم، أيديولوجيا).

    • أو السعي لاستعباد الآخرين.

  • المثال النازي:

    • هتلر كمثال: خضوعه لـ"القوانين الطبيعية للعرق" (مازوخية)، وسيطرته على الجماهير (سادية).

2. التدمير (Destructiveness)

  • الدافع: تدمير المصدر الذي يهدد الذات ويُشعرها بالعجز.

  • الأشكال:

    • العنف المادي (الحروب، الإبادة).

    • التدمير الرمزي (تقويض الثقافات، القيم).

3. الامتثال الآلي (Automaton Conformity)

  • الأكثر انتشاراً في المجتمعات الديمقراطية الحديثة.

  • آليته: تبني أفكار المجتمع وقيمه كأنها ذاتية، عبر:

    • وسائل الإعلام.

    • الإعلانات التجارية.

    • التعليم المؤدلج.

  • النتيجة:

    "يتوقف الفرد عن كونه نفسه... ويصبح مطابقاً تماماً لما يتوقعه الآخرون".

    • فقدان الذات الحقيقية لصالح "الذات الزائفة".

 آليات الهروب من الحرية:

آلية الهروبالسمات النفسيةأمثلة تاريخيةأمثلة معاصرة
التسلطسادية/مازوخيةالنازية، الفاشيةالشعبوية، الديكتاتوريات
التدميرعدوانية، تشييؤ الآخرالحرب العالمية الثانيةالإرهاب، العنف المجتمعي
الامتثال الآليانصهار في القطيع-ثقافة الاستهلاك، وسائل التواصل

نموذج لهروب جماعي

يحلل بأن صعود النازية كدراسة حالة:

  • السياق:

    • هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى.

    • الأزمة الاقتصادية (التضخم، البطالة).

    • انهيار القيم التقليدية.

  • استغلال هتلر:

    • قدم "بديلاً للأمان" عبر خطاب قائم على:

      • تفوق العرق الآري.

      • كبش فداء (اليهود، الشيوعيين).

      • عبادة الزعيم (الفهرر).

    • استهدف المجموعات الأكثر شعوراً بالعجز (الطبقة الوسطى المفلسة).

"عندما صعد الفاشية، كان معظم الناس غير مستعدين نظرياً وعملياً... قلة فقط أدركوا دوي البركان قبل انفجاره".


الحرية الزائفة

يرى أن المجتمعات الديمقراطية الرأسمالية لم تحقق الحرية الإيجابية:

  • أشكال الهيمنة الجديدة:

    • الاستهلاكية: السعي وراء السعادة عبر الشراء.

    • الثقافة الجماهيرية: وسائل الإعلام تُنتج وعياً زائفاً.

    • العمل الروتيني: تحويل الإنسان إلى آلة إنتاجية.

  • النتيجة:

    • امتثال آلي يُفقد الإنسان أصالته.

    • حرية شكلية (تصويت، اختيار سلع) دون تحرر حقيقي.


 نحو حرية إيجابية

يقترح فروم بديلاً للهروب من الحرية عبر:

  1. العفوية (Spontaneity):

    • التعبير التلقائي عن المشاعر والأفكار الأصيلة.

    • تحقيقها عبر الإبداع، الحب، العمل المنتج.

  2. التواصل الأصيل:

    • علاقات قائمة على التعاضد لا السيطرة أو الخضوع.

  3. مجتمع عقلاني:

    • يُعلي شأن الإنسان كغاية لا كوسيلة.

    • يقاوم اغتراب العمل عبر مشاركة العمال في الإدارة.

    • يُعزز التعليم النقدي لا التلقين.

"الحرية الإيجابية تعني تحقق الذات المتكاملة عبر النشاط التلقائي للشخصية".
"هناك معنى واحد فقط للحياة: أن تعيشها!".


 في عالمنا المعاصر

رغم أن الكتاب كُتب خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أن تحليله ما يزال راهناً:

  • صعود الشعبوية: كآلية تسلطية في عصر العولمة.

  • الاغتراب الرقمي: وسائل التواصل تعزز الامتثال الآلي والذات الزائفة.

  • الأزمات الوجودية: تفكك الروابط المجتمعية يزيد العزلة.

تظل رسالته التحذيرية: الحرية ليست هبة، بل مسؤولية. بدون وعي ذاتي ومشروع إنساني جماعي، سنظل نهرب من حرية تخيفنا إلى عبوديات مريحة!

"النصر الحقيقي للحرية لا يتحقق إلا عندما تصبح الديمقراطية مجتمعاً يكون فيه الفرد ونموه وسعادته غاية الثقافة وهدفها" .


مصادر :


إقرأ ايضا لأريك فروم


فن الحب لأريك فرومفن الوجود

إرسال تعليق

0 تعليقات