علم الأشياء الغريبة - لماذا تختلق عقولنا الظواهر الخارقة

علم الأشياء الغريبة - لماذا تختلق عقولنا الظواهر الخارقة


The Science of Weird Shit: Why Our Minds Conjure the Paranormal

 علم الأشياء الغريبة: لماذا تختلق عقولنا الظواهر الخارقة

(بقلم كريس فرينش، مع مقدمة بقلم ريتشارد وايزمان)

 لماذا ندرس "الأشياء الغريبة"؟

يقدم ريتشارد وايزمان في المقدمة رؤية أساسية: دراسة الظواهر الخارقة (مثل الأشباح، التخاطر، الاختطاف الفضائي) ليست ترفاً فكرياً، بل نافذة لفهم العقل البشري.

 الكتاب يحقق توازناً نادراً بين النزعة العلمية المتشككة والتعاطف مع التجارب الإنسانية، مؤكداً أن هذه الظواهر تكشف عن آليات نفسية وعصبية عميقة.


 الإطار النظري - علم النفس الشاذ (Anomalistic Psychology)

يعرّف فرينش هذا الحقل العلمي بأنه:

"دراسة التفسيرات الطبيعية للظواهر التي تُوصف خطأً بأنها خارقة".

الفرق بينه وبين علم ما وراء النفس (Parapsychology):

  • علم ما وراء النفس يبحث في إثبات وجود قوى خارقة.

  • علم النفس الشاذ يفسرها عبر آليات نفسية/عصبية/اجتماعية دون افتراض وجود خوارق.
    مثال محوري: تجربة "البلورة الشافية" (2001):

  • 80 متطوعاً تلقوا بلورات زائفة (بلاستيكية) قيل لهم إنها حقيقية.

  • الجميع أبلغوا عن إحساس بالطاقة والدفء!

  • النتيجة: التأثيرات ناتجة عن توقعات المشاركين، لا عن خصائص البلورات.


كوابيس اليقظة - شلل النوم وتجارب الأشباح

شلل النوم (Sleep Paralysis):

  • حالة تحدث عند الاستيقاظ أو النوم: العقل واعٍ لكن الجسم مشلول مؤقتاً.

  • التفسير العصبي: فصل بين مرحلة نوم الـREM (حركة العين السريعة) والوعي.

  • التفسيرات الثقافية:

    • في الثقافة الغربية: كائنات شريرة أو أشباح.

    • في الثقافة اليابانية: "كاناشيباري" (روح خارقة تضغط على الصدر).

    • في مصر: "الجاثوم".

تجارب الأشباح في الأماكن "المسكونة":

  • دراسة دور السينما المهجور (2004):

    • مجموعة أُخبرت أن الموقع "مسكون"، وأخرى لم تُخبر.

    • المجموعة الأولى أبلغت عن مشاعر قشعريرة، رؤية ظلال، وسماع همسات أكثر من الثانية.

    • السبب: توقع الظواهر يجعل العقل يفسر الأصوات العادية (صرير الأرضية، هبوب الرياح) كأحداث خارقة.


 ذكريات غير عادية - الاختطاف الفضائي والحياة الماضية

ادعاءات الاختطاف الفضائي:

فرينش يقدم نموذجاً نفسياً من مرحلتين:

  1. التجربة الأساسية: غالباً ما تكون شلل النوم أو الكوابيس.

  2. تضخيم الذاكرة:

    • استخدام التنويم المغناطيسي أو استرجاع الذكريات.

    • تأثير التلقين: المعالجون يطرحون أسئلة إيحائية ("هل رأيت كائنات طويلة؟").

    • الذاكرة الكاذبة: العقل ينسج سرداً متكاملاً من تفاصيل من الأفلام/الثقافة الشعبية.

دراسة 2008 بقيادة فرينش:

  • المشاركون الذين يعتقدون أنهم مُختَطَفون:

    • ليسوا مرضى نفسيين.

    • لديهم ميل عالٍ للتخيل (Fantasy Proneness).

    • تعرضوا لـ صدمات طفولة بنسبة أعلى من المعدل.

ادعاءات التقمص (Reincarnation):

  • آلية بارزةتأثير بارنوم (Barnum Effect) (تطبيق أوصاف عامة على الذات):

    • "في حياتك الماضية كنت محارباً شجاعاً" → جملة تنطبق على معظم الناس!

  • مشكلة التنبؤات الغامضة:

    • "ستموت في حادث" → حادث سيارة؟ سقوط؟ حرب؟

    • الغموض يزيد احتمالية "التطابق" مع أحداث الحياة.


تجارب الاقتراب من الموت - الأنوار والأنفاق

السمات المشتركة لتجارب الاقتراب من الموت (NDEs):

  • الخروج من الجسد (OBE).

  • رؤية نفق مع ضوء في نهايته.

  • مشاعر السلام.

  • مقابلة كائنات نورانية.

التفسيرات العلمية:

الظاهرةالتفسير العلميالدراسة الداعمة
رؤية النفق والضوءنقص الأكسجين في القشرة البصرية → تنشيط عشوائي للخلايا (المركزية أكثر من المحيطية)دراسات على طياري المقاتلات عند التعرض لقوى جي عالية
مشاعر السلامإفراز اندورفينات تخفف الألمتجارب محاكاة الحرمان من الأكسجين
الخروج من الجسدخلل في التكامل الحسي في الفص الصدغيتحفيز كهربائي للدماغ (أبحاث أولاف بلانك)

تفنيد خرافة "العمى الذي يبصر خلال الـNDE":

  • حالة شهيرة لامرأة عمياء زعمت رؤية أحداث خلال تجربتها:

    • كشفت التحقيقات أن الباحث اختلق القصة لأغراض توضيحية!


مصائد العقل - التحيزات المعرفية وسوء تفسير الصدف

أبرز الآليات النفسية وراء الإيمان بالخوارق:

  1. تحيز التأكيد (Confirmation Bias):

    • تذكر الأدلة المؤيدة (توقعات الأبراج الصحيحة)، نسيان النبوات الفاشلة.

  2. البحث عن الأنماط (Patternicity):

    • رؤية وجوه في السحب (Pareidolia).

    • تفسير الضوضاء العشوائية ككلمات (EVP - الظواهر الصوتية الإلكترونية).

  3. تأثير التوقع (Expectancy Effect):

    • كما في تجربة "الدور المسكون".

  4. الاستدلال العاطفي (Emotional Reasoning):

    • "أشعر أن هذا حقيقي، لذا فهو حقيقي".

سوء فهم الصدف:

  • مغالطة اللاعب (Gambler’s Fallacy):

    • الاعتقاد أن حدثاً عشوائياً (رمي العملة) "مستحق" بعد سلسلة أحداث (5 ظهور متتالي لصورة → الاعتقاد أن الكتابة "تأخرت").

  • قانون الأعداد الكبيرة (Law of Large Numbers):

    • في عالم به 7 مليارات إنسان، أحداث مستبعدة تصير حتمية:

      • حلم بموت قريب → تحققه بالصدفة.

      • التقاط صورة بها "شبح" (غالباً غبار أو ضوء).


الفصل 6: الدروس الأوسع - لماذا يهم هذا العلم المجتمع؟

فرينش يربط بين دراسة الظواهر الخارقة وتحديات العصر:

  1. مكافحة التضليل العلمي:

    • آليات صناعة الاعتقاد (التحيزات، الذاكرة الكاذبة) نفسها تُستغَل في نظريات المؤامرة والإعلانات المضللة.

  2. تعزيز التفكير النقدي:

    • طرح أسئلة مثل: "ما التفسير الأبسط؟"، "هل هذه الأدلة قابلة للاختبار؟".

  3. فهم الصدمات النفسية:

    • نزعة العقل لنسج سرديات (حتى الخارقة) لتفسير الأحداث المفجعة (مثل ادعاءات الاختطاف بعد الاعتداء الجنسي).

الرسالة الجوهرية:
"رفض الإيمان بالخوارق لا يعني رفض التجارب الإنسانية. الفرق بين الواقعي والتخيلي لا يلغي عمق المشاعر المرتبطة بها" – كريس فرينش.


حدود التشكك وأهمية التواضع العلمي

فرينش يعترف:

  • العلم لا يفسر كل شيء (مثل بعض حالات الإدراك خارج الحواس المزعومة).

  • لكن عدم التفسير الحالي ≠ دليل على الخوارق.

  • دعوة للتريث: انتظار الأدلة القابلة للتكرار قبل استنتاج "قوى خفية".

تحول المؤلف الشخصي:

  • من مؤمن (بعد مشاهدة يوري جيلر على التلفزيون البريطاني).

  • إلى متشكك دوغمائي (بعد قراءة كتاب جيمس الكوك "علم ما وراء النفس: علم أم سحر؟").

  • ثم إلى باحث متوازن يرفض التفسيرين المتطرفين ("كل الخوارق خداع" أو "العلم لا يفهم الغيب").


جداول تلخيصية

تفسيرات علمية لظواهر "خارقة" شائعة

الظاهرةالتفسير العلميمثال من الكتاب
تجارب الأشباحشلل النوم، توقع الظواهر، تأثير الإيحاءدراسة "الدور المسكون" (2004)
الاختطاف الفضائيشلل النوم + ذاكرة كاذبة + تنويم مغناطيسيتنبؤات قوائم الفحص (checklist)
التواصل مع الأمواتتأثير بارنوم، قراءة الباردة (Cold Reading)جملة: "أنت حزين لكن تخفي دموعك"
الصور الظاهرية للأشباحتأثير باريدوليا (Pareidolia)صور "أشباح" في الضباب/الغبار
التخاطرتسريب إشارات لفظية/بصرية (غير واعية)تجارب بطاقات زينر الخماسية

 العوامل النفسية المؤثرة في الإيمان بالظواهر الخارقة

العامل النفسيتعريفهتطبيق في الظواهر الخارقة
الانفتاح على التخيل(Fantasy Proneness)الميل لسرد قصص معقدة عن الاختطاف
التجريدية العالية(Absorption)الانغماس في تجارب الوساطة الروحية
التحيز الإدراكي(Perceptual Bias)تفسير الظلال كأشباح
الحاجة للمعنى(Need for Meaning)تفسير الموت عبر "حياة أخرى"
التهويل الإدراكي(Attentional Amplification)تضخيم الأصوات في الأماكن "المسكونة"

التقييم النقدي للكتاب

إشادات:

  • العمق العلمي: دمج أحدث الأبحاث في علم الأعصاب، علم النفس المعرفي، الإحصاء.

  • التوازن: نقد الظواهر دون سخرية من المؤمنين (فرينش: "معظم الوسطاء مقتنعون بقدراتهم، ليسوا محتالين").

  • الوضوح: شرح مفاهيم معقدة (مثل قوانين الاحتمال) بلغة غير متخصصة.

انتقادات:

  • إهمال الجانب الأنثروبولوجي: كيف تختلف التفسيرات الثقافية للظواهر عبر المجتمعات؟

  • تركيز مفرط على النماذج الغربية: مثل تجارب الاختطاف الفضائي (أقل شيوعاً في الشرق).

  • صعوبة في النسخة الصوتية: بعض الفصول تحتوي على قوائم بيانات طويلة.


لماذا هذا الكتاب ضروري اليوم؟

في عصر الإنكار العلمي وانتشار نظريات المؤامرة، يقدم فرينش أدوات لفهم:

  • كيف تتشكل المعتقدات؟

  • لماذا ننجذب للسرديات البسيطة رغم تعقيد العالم؟

  • كيف نميز بين "الشعور بالحقيقة" و"الحقيقة"؟
    الكتاب ليس مجرد تفنيد للخوارق، بل دفاع عن العقلانية المتعاطفة في مواجهة اللاواقعية.

"الخوارق وهم، لكن الوهم نفسه حقيقي، ودراسته تكشف أعماقاً مذهلة عن العقل البشري" – كريس فرينش 

إرسال تعليق

0 تعليقات