"Ghost Nation: The Story of Taiwan and Its Struggle for Survival" لتشريس هورتون
لماذا هذا الكتاب ضروري الآن؟
في عالم تتركز فيه الأضواء على أوكرانيا والشرق الأوسط، تبرز تايوان كمنطقة قد تشعل الصراع الجيوسياسي القادم.
كتاب "Ghost Nation: The Story of Taiwan and Its Struggle for Survival" للصحفي تشريس هورتون، الذي يعيش في تايوان، يأتي كعمل "جذاب ومهم" في وقت حاسم.
يُعرِّف الكتاب نفسه على أنه قصة شعب تايوان وتاريخه الغني وحاضره المُهدد، مستكشفاً سبب تحول هذه البلاد المعزولة دبلوماسياً إلى لاعب مهم على المسرح العالمي.
يُقدم هورتون، من خلال عقد من العيش والتغطية في تايوان، رؤية بانورامية لهذا البلد الساحر، مستنداً إلى مقابلات مع مواطنين عاديين ورؤساء وشخصيات رئيسية أخرى.
الهدف الأساسي هو ترك القراء بتقدير عميق لنضال تايوان من أجل تقرير المصير ودورها المحوري في مستقبلنا المشترك.
صدر الكتاب في 17 يوليو 2025 ويقع في 336 صفحة من إصدارات "ماكميلان".
تايوان ككيان مستقل بالفعل
يتبنى الكتاب منظوراً يوصف بأنه "ذو منظور أخضر شمولي"، مما يعني أنه يتعاطى مع تاريخ تايوان وسياساتها من زاوية تؤكد على هويتها المميزة ومسارها المنفصل عن الصين.
الفكرة الأساسية للكتاب هي أن تايوان هي بالفعل دولة مستقلة، وهي حيوية لبقاء الديمقراطيات في مواجهة التهديد المتصاعد من السلطوية.
بدلاً من تناول تايوان من خلال عدسة الصين أو التنافس الأمريكي الصيني، يضع الكتاب قصة الشعب التايواني في المقدمة لتفسير هذا العضو الديناميكي ولا غنى عنه في المجتمع العالمي.
يعتمد هورتون في منهجيته على التاريخ الشفوي من خلال المقابلات المكثفة، متوازناً بين وجهات نظر القادة والنشطاء على مستوى القاعدة، مما يروي قصة التحول الديمقراطي في تايوان من منظور "من القاعدة إلى القمة".
هذا يمنح الكتاب مصداقية كبيرة، خاصة أنه يأتي من صحفي متمرّس غطى تايوان بشكل موسع باللغة الإنجليزية لأكثر من عقد، بعيداً عن ظاهرة "الخبراء الغربيين" الذين يقفزون إلى الحديث عن تايوان بمعرفة محدودة.
المنظور التاريخي: يستخدم الكتاب قصة أربعة قرون من التاريخ الاستعماري لتوفير سياق للحاضر المعقد لتايوان.
توازن الرواية: يوازن بين روايات الشخصيات القيادية مثل الرؤساء، ونشطاء الحركات الاحتجاجية الطلابية.
الحياد المدروس: يتجنب الكتاب ما يُسمى بـ "وجهة النظر المحايدة" (both-sidesing) فيما يتعلق بالوضع السياسي لتايوان، متخذاً موقفاً واضحاً.
الهيكل العام والمحتويات الرئيسية
ينقسم الكتاب إلى قسمين رئيسيين: الأول يركز على التاريخ العميق لتايوان ومسارها نحو الديمقراطية، والثاني ينتقل إلى دور تايوان في العصر الحديث وعلاقاتها الجيوسياسية.
الجزء الأول: الجذور التاريخية والتحول الديمقراطي
1. ما قبل التاريخ الحديث والفترات الاستعمارية المتعاقبة
على الرغم من تركيز الكتاب على فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلا أنه يخصص مساحة لفهم تاريخ تايوان الأعمق. يتطرق إلى:
التاريخ السكان الأصليين: تاريخ ومكانة السكان الأصليين في تشكيل هوية الجزيرة.
فترة سلالة تشينغ: كيف شكّلت فترة حكم سلالة تشينغ (المانشو) لتايوان بدايات ارتباطها بالعالم الصيني.
الفترة الاستعمارية اليابانية: يفحص تأثير الحقبة اليابانية (1895-1945) في تحديث تايوان وخلق مسار تاريخي منفصل إلى حد ما عن الصين القارية.
فكرة المسار المنفصل: يؤكد الكتاب على أن تايوان كان لها مسار تاريخي منفصل عن ذلك الذي سلكته الصين.
2. فترة الإرهاب الأبيض (White Terror) وصعود الهوية التايوانية
هذا الجزء هو أحد أركان الكتاب الأساسية، حيث يغوص في:
طبيعة الإرهاب الأبيض: فترة الحكم الاستبدادي التي أعقبت نقل حكومة الكومينتانغ (الحزب الوطني الصيني) سلطتها إلى تايوان في عام 1949، والتي تميزت بالقمع السياسي والخوف.
تشكيل الهوية: كيف ساهمت سياسات القمع في تشكيل هوية تايوانية متميزة، وخلقت شعوراً بالانفصال عن النموذج الصيني الذي كانت تمثله الكومينتانغ في ذلك الوقت.
شهيد حرية التعبير: يسلط الضوء على قصة تشنغ نان-جونغ، شهيد حرية التعبير، وزوجته ييه تشو-لان، التي كانت ناشطة بارزة في حد ذاتها.
3. المسيرة نحو الديمقراطية: الاحتجاجات والزعامات
يروي هذا القصة الملهمة لكيفية تحول تايوان إلى ديمقراطية مزدهرة:
حركة الزنبق البري (Wild Lily): احتجاجات الطلاب في عام 1990 التي طالبت بالإصلاح الديمقراطي وكانت نقطة فاصلة في تاريخ تايوان.
دور الشخصيات المحورية: يستعرض الكتاب مقابلات مع شخصيات قيادية مثل لي تينغ-هوي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً لتايوان، والذي قاد عملية التحول الديمقراطي. كما يتضمن مقابلات مع تساي إنغ-ون، الرئيسة السابقة لتايوان.
المفكرون الثوريون: يضم الكتاب أيضاً مقابلات مع شخصيات مثيرة للاهتمام مثل سو بينغ، الثوري الماركسي، الذي مثّل تيارات فكرية ساهمت في تشكيل الوعي السياسي التايواني.
الجزء الثاني: تايوان المعاصرة والتحديات الجيوسياسية
1. تايوان كعملاق تكنولوجي وديمقراطية نابضة بالحياة
ينتقل الكتاب لاستعراض تايوان الحديثة، مركزاً على:
الأهمية الاستراتيجية: كيف أصبحت تايوان "عملاقاً تكنولوجياً" و"عضوًا ديناميكياً لا غنى عنه في المجتمع العالمي"، لا سيما في صناعة أشباه الموصلات التي تعتمد عليها الاقتصادات العالمية.
النموذج الديمقراطي: تايوان كواحدة من "أكثر الديمقراطيات إثارة للاهتمام في العالم"، والتي يمثل بقاؤها كديمقراطية حيوية اختباراً لصمود الديمقراطية في مواجهة السلطوية.
2. العلاقات مع الصين: من الوفاق إلى التصعيد
يحلل الكتاب العلاقة المعقدة مع الصين، مع الإشارة إلى بعض الفجوات:
فترة الوفاق تحت إدارة ما: يذكر الكتاب، وإن كان بإيجاز، فترة التقارب بين تايوان والصين خلال فترة حكم الرئيس ما يينغ-جيو (Ma Ying-jeou).
حركة عباد الشمس (Sunflower Movement): الاحتجاجات الطلابية في عام 2014 التي احتلت البرلمان احتجاجاً على اتفاقية تجارية مع الصين، مما شكل نقطة تحول في الرأي العام التايواني تجاه التقارب مع الصين.
يلاحظ المراجع أن الكتاب لا يقدم سرداً تفصيلياً للصراع الانتخابي بين الكومينتانغ (KMT) والحزب الديمقراطي التقدمي (DPP) في أعقاب هذه الحركة.التصعيد العسكري: يسلط الكتاب الضوء على التهديد العسكري الصيني المتصاعد. ومع ذلك، يُشار إلى أن هناك "مناقشة أقل" لأحداث التصعيد الأخيرة مثل زيارة نانسي بيلوسي إلى تايوان في عام 2022 والزيادة الحادة في التهديدات العسكرية الصينية التي أعقبت ذلك، وكذلك تجربة تايوان خلال جائحة كوفيد-19. هذا يشير إلى أن الكتاب قد يركز أكثر على الجذور التاريخية للصراع بدلاً من التطورات الحديثة جداً.
3. الدور الدولي ومستقبل تايوان
يختتم هذا الجزء بتأمل مستقبل تايوان:
مصير تايوان: يؤكد الكتاب أن مصير هذه الديمقراطية النابضة بالحياة سيشكل مستقبل آسيا - إما أن يحتوي أهداف التوسع الصينية أو يسهلها.
البعد العالمي: يضع الكتاب تايوان في إطار الصراع العالمي الأوسع بين الديمقراطية والسلطوية، القول بأن تايوان حيوية لبقاء الديمقراطيات.
تحليل وجهات نظر الشخصيات الرئيسية
يعتمد الكتاب بشكل كبير على المقابلات مع صناع التاريخ التايواني، مما يمنحه عمقاً واستثنائية:
الرئيس لي تينغ-هوي (Lee Teng-hui): كأول رئيس منتخب ديمقراطياً، تقدم مقابلة هورتون معه رؤية مباشرة من داخل عملية التحول الديمقراطي. آراء لي حول "الدولة الخاصة" لتايوان وفلسفته في الحكم كانت ستشكل جزءاً رئيسياً من الكتاب، مما يسلط الضوء على التحول من حكم الحزب الواحد إلى التعددية.
الرئيسة تساي إنغ-ون (Tsai Ing-wen): تمثل تساي، كأول رئيسة لتايوان وقائدة للحزب الديمقراطي التقدمي، وجهة نظر الجيل الأحدث من القادة الذين يكيفون سياسة تايوان في عصر التحدي الصيني المتصاعد. مقابلة هورتون معها كانت ستوفر منظوراً مباشراً حول إدارتها للضغوط العسكرية والدبلوماسية من بكين.
الناشطون والقيادات الشعبية: من خلال إعطاء مساحة لأصوات مثل ييه تشو-لان (Yeh Chu-lan) وقادة حركات مثل "الزنبق البري" و"عباد الشمس"، ينجح الكتاب في تقديم قصة "من القاعدة إلى القمة". هذه الأصوات تذكر القراء بأن التحول الديمقراطي كان نتاج شجاعة المواطنين العاديين وليس السياسيين فقط.
الاستقبال النقدي وأهمية الكتاب
حظي الكتاب بترحيب نقدي كبير، حيث وُصف بأنه:
"مقنع ومهم" (رانا ميتر، The Observer).
"قليل من الكتب تؤهل كقراءة أساسية، لكن Ghost Nation هو أحدها" (كلايف هاميلتون، مؤلف مشارك في The Hidden Hand).
"لا غنى عنه وفي الوقت المناسب" (ميليسا تشان، المراسلة الدولية للحائزين على ترشيحات إيمي).
"حساب لا يمكن تفويته... يمكن الوصول إليه، مسلي ومدروس بدقة" (الدكتور جوناثان سوليفان، مدير معهد سياسة الصين سابقاً).
تأتي أهمية "Ghost Nation" من كونه عملاً صحفيا رصيناً يملأ فراغاً في الفهم الغربي لتايوان.
في وقت تتصاعد فيه المخاوف من غزو صيني محتمل، يقدم الكتاب تاريخاً وسياقاً بدلاً من مجرد تحليل جيوسياسي مجرد. إنه يذكر العالم بأن تايوان ليست مجرد "رقعة على خريطة" في صراع القوى العظمى، ولكنها مجتمع حيوي من الأشخاص الذين بنوا ديمقراطية نابضة بالحياة وطريقة حياة خاصة بهم.
تايوان بين الماضي والمستقبل
"Ghost Nation" ليس مجرد سرد تاريخي، بل هو دعوة للانتباه. الكتاب، من خلال الجمع بين العمق التاريخي والمقابلات الشخصية الحميمة، يبني حجة قوية مفادها أن تايوان هي بالفعل أمة مستقلة، وأن نضالها من أجل البقاء هو جزء من المعركة العالمية الأوسع للدفاع عن القيم الديمقراطية ضد التوسع الاستبدادي.
بينما يحذر هورتون من أن مصير تايوان "لم يكن أكثر خطورة مما هو عليه الآن"، فإن كتابه لا ينتهي بنبرة تشاؤم، ولكن بتقدير للقوة والقدرة على التكيف التي أظهرها الشعب التايواني عبر تاريخه الطويل والمضطرب.
"Ghost Nation" هو دليل لا غنى عنه لأي شخص يتطلع إلى فهم لماذا أصبحت هذه الجزيرة رينالصغيرة نقطة محورية في تشكيل مستقبل النظام العالمي في القرن الحادي والعش
0 تعليقات