مستوى الروح

The Spirit Level: Why More Equal Societies Almost Always Do Better

مستوى الروح: لماذا المجتمعات الأكثر مساواةً تحقق نتائج أفضل دائمًا تقريبًا

نظرة عامة على الكتاب

يدحض هذا الكتاب، الصادر عام 2009، الفكرة السائدة بأن الثروة والمستوى المادي هما المقياس الوحيد لرفاهية المجتمعات. بدلاً من ذلك، يقدم المؤلفان أدلة دامغة على أن عدم المساواة في الدخل هو العامل الأكثر أهمية في تحديد صحة ورفاهية المجتمع بأسره، وليس فقط أفقر أفراده.

المجتمعات الأكثر مساواة (حيث يكون الفرق بين دخول الأغنياء والفقراء أصغر) تؤدي أداءً أفضل بشكل شبه دائم في مجموعة هائلة من المؤشرات الاجتماعية والصحية مقارنة بالمجتمعات الأكثر .

الفرضية الأساسية والأدلة

قام ويلكنسون وبيكيت بجمع بيانات من 23 دولة متقدمة (مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان والدول الاسكندنافية) ومن جميع ولايات الولايات المتحدة الأمريكية. وقارنوا بين مستويات عدم المساواة (مقاسة بفجوة الدخل بين أغنى 20% وأفقر 20%) ومجموعة من المؤشرات، فوجدوا ارتباطاً قوياً ومتسقاً.

المجتمعات الأكثر (مثل: الولايات المتحدة، البرتغال، المملكة المتحدة) تعاني من مشاكل أكثر حدة في:

الصحة الجسدية والعقلية: معدلات أعلى من الأمراض المزمنة، السمنة، الأمراض النفسية (القلق والاكتئاب)، وانخفاض متوسط العمر المتوقع.
المشاكل الاجتماعية: معدلات جريمة أعلى، جرائم العنف، وسجون مزدحمة.
انخفاض الثقة والتماسك الاجتماعي: الناس يثقون ببعضهم البعض وبمؤسسات الحكومة بشكل أقل.
ضعف الأداء التعليمي: نتائج أكاديمية أسوأ، وتزايد ظاهرة التنمر في المدارس.
مشاكل خاصة بالمراهقين: معدلات أعلى للحمل في سن المراهقة، وإدمان للمخدرات والكحول.
انخفاض الحراك الاجتماعي: حيث يصبح مصير الفرد محددا بمستوى دخل أسرته (مبدأ "المكان الذي ولدت فيه يحدد مكانك في المستقبل").

المفاجأة أن هذه المشاكل لا تصيب فقط الفقراء في المجتمعات غير المتكافئة، بل تصيب جميع شرائح المجتمع، الأغنياء، وإن كان بمستويات أقل من الفقراء. بمعنى آخر، يعيش الغني في مجتمع غير متكافئ حياة أسوأ من نظيره في مجتمع متكافئ.

لماذا عدم المساواة ضار جداً؟ التفسير

يقدم المؤلفان تفسيرين رئيسيين لهذه الظاهرة:

الضغط النفسي الناتج عن المكانة والتفاوت الاجتماعي (Status Anxiety):
في المجتمعات غير المتكافئة، يكون السلم الاجتماعي شديد الانحدار. يخلق هذا مجتمعاً قائماً على التفوق والاستياء، حيث يصبح الناس مهووسين بمكانتهم الاجتماعية وبكيفية نظر الآخرين لهم. هذا الهوس يولد ضغوطاً نفسية هائلة ومزمنة (Chronic Stress) بسبب:
- الخوف من الأحكام السلبية والتقييم الاجتماعي.
- الخوف من الفشل وعدم القدرة على المنافسة.
- الشعور بالدونية أو بالتفاخر والاستعلاء.
هذا الضغط النفسي المستمر هو ما يؤدي إلى مجموعة من النتائج الصحية السيئة (مthrough هرمون الكورتيزول) وإلى سلوكيات غير صحية (كالإفراط في الأكل أو تعاطي المخدرات).
تآكل الثقة والتماسك الاجتماعي:
عدم المساواة الواسع يزيد من الاستقطاب الاجتماعي. يفقد الناس الشعور بأنهم "في نفس المركب"، مما يؤدي إلى:
- انخفاض الثقة بين أفراد المجتمع.
- انخفاض الروح المجتمعية والتعاون.
- زيادة الخوف من الجريمة والعنف.
- تراجع الرغبة في الاستثمار في الخدمات العامة (مlike الصحة والتعليم) لأن الأغنياء يعزلون أنفسهم في عالمهم الخاص.

استنتاجات وحلول مقترحة

يخلص الكتاب إلى أن النمو الاقتصادي وحده لم يعد حلاً لمشاكل الدول المتقدمة. بعد بلوغ حد معين من الثراء، تصبح مسألة توزيع الثروة أهم من حجم الثروة نفسه.

الحلول التي يقترحها المؤلفان لا تتمحور حول جعل الجميع أغنياء، بل حول جعل المجتمعات أكثر مساواة من خلال:

جعل الأجور أكثر عدالة: تقليل الفجوة بين دخول التنفيذيين وأدنى الموظفين أجراً.
تعزيز دور النقابات العمالية.
اعتماد ضرائب تصاعدية على الدخل والثروة.
الاستثمار في الخدمات العامة ذات الجودة العالية والتي يستفيد منها الجميع (صحة، تعليم، مواصلات).
إنشاء "دخل أساسي" لضمان حد أدنى من العيش الكريم للجميع.
تعزيز الملكية المشتركة والتعاونية للشركات.

نقد للكتاب

الإفراط في التبسيط: ينتقد البعض الكتاب لتركيزه الشديد على عدم المساواة كعامل وحيد مسؤول عن جميع المشاكل، متجاهلاً عوامل ثقافية وتاريخية أخرى.
قضية السببية والارتباط: هل عدم المساواة هو سبب المشاكل، أم أن المجتمعات التي تعاني من مشاكل هي بالأصل مجتمعات غير متكافئة؟ يحاول المؤلفان إثبات السببية لكن النقاش ما زال قائماً.
اختيار البيانات: اُنتقد اختيار الدول التي تم تحليلها (دول متقدمة فقط)، حيث أن النتائج قد لا تنطبق على الدول النامية.

الخلاصة

"The Spirit Level" كتاب مؤثر وغني بالبيانات يقدم حجة قوية ومقنعة مفادها أن عدم المساواة هو مرض اجتماعي يضر بالجميع.

يشجع الكتاب على إعادة التفكير في قيمنا وأهدافنا كمجتمعات، والتحول من السعي اللامحدود للنمو إلى السعي لبناء مجتمعات أكثر عدالة وتماسكاً، وهو ما سيعود بالفائدة على كل فرد فيها، غنياً كان أم فقيراً