التنمية حرية

التنمية حرية


 "Development as Freedom."


 "التنمية حرية" لأمارتيا سن

الفكرة المركزية للكتاب

يعترض أمارتيا سن في هذا الكتاب النظرة التقليدية للتنمية التي تقيسها بمؤشرات اقتصادية ضيقة مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي أو الدخل الفردي أو التصنيع. 

بدلاً من ذلك، يقدم إطارًا جديدًا يعرّف التنمية على أنها عملية توسيع للحريات الحقيقية التي يتمتع بها البشر.

بعبارة أخرى، الهدف النهائي والوسيلة الرئيسية للتنمية هو الحرية. فالتنمية الحقيقية هي التي تزيد من قدرة الأفراد على عيش الحياة التي يقدرونها ويمنحونها قيمة.

المكونات الرئيسية: الحريات كوسائل وكأهداف

يشرح سن أن الحريات مترابطة وتعمل في اتجاهين:

  1. كأهداف أساسية للتنمية: إنها الغاية النهائية. فرفاهية الإنسان هي معيار التقدم.

  2. كوسائل رئيسية للتنمية: إنها الأدوات التي تحقق التنمية. فالمجتمعات الحرة والمتعلمة والصحية هي التي تكون أكثر قدرة على تحقيق النمو الاقتصادي والرفاه.

الحريات الأساسية (الوسائل)

يحدد سن خمسة أنواع من "الحريات الأداتية" أو الوسائل التي تعزز قدرة الفرد على تحقيق التنمية وتتعزز بها:

  1. الحريات السياسية: الحق في المشاركة السياسية، والتعبير، والاحتجاج، وحرية الصحافة. هذه الحريات لها قيمة في حد ذاتها وأيضًا في إثارة الاستجابة من الحكومة لاحتياجات الناس.

  2. المرافق الاقتصادية: الفرص التي يتمتع بها الأفراد لاستخدام الموارد الاقتصادية لأغراض الاستهلاك أو الإنتاج أو التبادل. يتعلق هذا بالحق في الملكية، والعمل، وإنشاء enterprises.

  3. الفرص الاجتماعية: توفر الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والرعاية الصحية التي تعتبر حيوية لتحسين القدرات البشرية والمشاركة في النشاط الاقتصادي.

  4. ضمانات الشفافية: الحاجة إلى الثقة والصدق في المعاملات. يحمي هذا الحقوق ويمنع الفساد والمحسوبية، وهي عقبات كبرى أمام التنمية.

  5. الأمن الوقائي: شبكة الأمان التي تحمي الأفراد في أوقات الأزمات، مثل البطالة والمجاعات والكوارث الطبيعية. يشمل ذلك أنظمة الرعاية الاجتماعية ومعاشات التقاعد.

هذه الحريات مترابطة وتعزز بعضها البعض. على سبيل المثال، التعليم (فرصة اجتماعية) يحسن القدرة على كسب الدخل (مرافق اقتصادية) والمشاركة السياسية (حريات سياسية).

مفهوم "القدرات" (Capabilities)

هذا هو مفهوم رئيسي في فلسفة سن. القدرات هي مجموعة من "الوظائف" (Beings and Doings) التي يمكن للشخص أن يحققها. إنها تمثل الحريات الحقيقية والخيارات المتاحة أمام الشخص ليعيش نوع الحياة التي يريدها.

  • الوظائف (Functionings): هي حالات وأفعال يُقدرها الإنسان، مثل أن يكون سليمًا جسديًا، وأن يكون متعلمًا، وأن يشارك فيcommunity، وأن يحترم الذات.

  • القدرات (Capabilities): هي مجموعة الوظائف الممكنة والمتاحة للشخص للاختيار منها. إنها حرية تحقيق الوظائف.

الفقر، من هذا المنظور، ليس مجرد انخفاض في الدخل، بل هو حرمان من القدرات الأساسية. قد يكون الشخص فقيرًا لأنه لا يستطيع الحصول على الغذاء أو الرعاية الصحية أو التعليم، حتى لو كان دخله منخفضًا بشكل متواضع.

النقد الموجه للنموذج التقليدي

ينتقد سن النماذج التي تفصل بين النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، مثل:

  • فكرة أن الديكتاتورية ضرورية للنمو الاقتصادي (كما في بعض "النمور الآسيوية"). يجادل سن بأن الحريات السياسية والمشاركة تحفز النمو بدلاً من أن تعيقه.

  • فكرة أنه يجب على الدول الفقيرة تأجيل الاستثمار في الصحة والتعليم حتى تصبح غنية. يوضح سن أن الاستثمار في البشر هو وسيلة لتحقيق الثروة وليس نتيجة لها.

أمثلة وتطبيقات

  • المجاعات: يثبت سن أن المجاعات لا تحدث أبدًا في الديمقراطيات التي تتمتع بحرية الصحافة، بغض النظر عن مستوى فقرها. والسبب هو أن الحكومات في هذه البلدان مضطرة للاستجابة للاحتياجات خوفًا من فقدان السلطة. المجاعات هي فشل سياسي وليست فقط كارثة طبيعية.

  • تمكين المرأة: يعتبر استثمارًا بالغ الأهمية في التنمية. فتعليم المرأة وتمكينها اقتصادياً يؤدي إلى تحسين صحة الأطفال، وخفض معدل الخصوبة، وزيادة الإنتاجية الاقتصادية للأسرة والمجتمع ككل.

الخلاصة والاستنتاج

يخلص أمارتيا سن إلى أن:

  • التنمية هي عملية توسيع للحريات البشرية.

  • يجب أن يكون التركيز على إزالة "الحرمان من الحرية" الذي يعيق حياة الناس، مثل الفقر، والاستبداد، ونقص الفرص، والإهمال الاجتماعي.

  • النمو الاقتصادي مهم فقط بقدر ما يساهم في تحسين حريات وحياة الناس.

  • يجب أن تكون السياسات التنموية موجهة نحو توسيع قدرات الأفراد، مثل ضمان الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والائتمان والحقوق السياسية.

باختصار، يقدم الكتاب تحولًا جذريًا في نموذج : من رؤية التنمية كتراكم للثروة إلى رؤيتها كتحرير للإمكانات البشرية. النجاح لا يُقاس بما نملك، بل بما نستطيع أن نفعله ونكونه بحرية

إرسال تعليق

0 تعليقات