الشخصية الناجعة

 

الشخصية الناجعة - سلامة موسي

 "الشخصية الناجعة" لسلامة موسى 

تمهيد

صدر كتاب "الشخصية الناجعة" للمفكر المصري سلامة موسى عام ١٩٤٣ في فترة حرجة من تاريخ مصر والوطن العربي

 حيث كانت المجتمعات العربية تمر بتحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية عميقة تحت تأثير الاستعمار والتصادم مع الحداثة الغربية. 

يهدف الكتاب إلى تشخيص أزمة الشخصية المصرية (والعربية عمومًا) ويقدّم رؤية شاملة لبنائها وفق نموذج "ناجع" قادر على المنافسة في العصر الحديث. 

يعتمد موسى في تحليله على مرجعيات فكرية غربية مثل الداروينية والاشتراكية الفابية والعلمانية، مقارنًا بين المجتمع التقليدي الزراعي والمجتمع الصناعي الحديث، وراصدًا العوائق التي تحول دون تطور الشخصية الفعالة في البيئة المصرية.


 سلامة موسى (١٨٨٧–١٩٥٨)

  • النشأة والتعليم: وُلد في قرية بمحافظة الزقازيق، وتلقى تعليمه في مدارس قبطية وتوفيقية وخديوية بالقاهرة، ثم سافر إلى فرنسا (١٩٠٦–١٩٠٩) حيث اطّلع على أفكار ماركس وفولتير وداروين.

  • التأثر بالفكر الغربي: انضم في إنجلترا إلى الجمعية الفابية الاشتراكية وتأثر بجورج برنارد شو، ودعا إلى تبني قيم الحداثة الغربية مثل الفردية والعقلانية.

  • إنتاجه الفكري: ألّف أكثر من ٤٠ كتابًا، منها "نظرية التطور وأصل الإنسان" و"المرأة ليست لعبة"، وكان من أوائل الداعين للاشتراكية في العالم العربي.

  • رؤيته للمجتمع: آمن بأن التخلف الاجتماعي في مصر يرجع إلى الجمود الفكري وهيمنة التقاليد البعيدة عن العقلانية العلمية.


 ما هي "الشخصية الناجعة"؟

يعرّف موسى الشخصية الناجعة بأنها:

"الشخصية السليمة القادرة على التكيّف النفسي والاجتماعي مع متطلبات المجتمع الصناعي الحديث، والتي تتحرر من قيود التقاليد الرافضة للتطور".

الخصائص الأساسية لهذه الشخصية:

١. الفردية: الاعتماد على الذات في صنع القرار بعيدًا عن وصاية المجتمع القبلي أو الديني.
٢. العلمانية: تبني العقل والمنهج العلمي كمرجعية للحياة بدلًا من الموروث الديني أو الغيبي.
٣. التكيّف مع التحولات الكبرى:

  • الانتقال من القرية إلى المدينة.

  • التحول من الاقتصاد الزراعي إلى الصناعي.

  • استبدال العلاقات التراحمية (العائلية والقبلية) بعلاقات تعاقدية قائمة على الحقوق والواجبات.


أمراض الشخصية المصرية

يحلّل الكتاب العوائق الاجتماعية التي تمنع تكوين الشخصية الناجعة في مصر، ومن أبرزها:

١. العوائق الثقافية:

  • التمسك بالتقاليد الرافضة للتحديث: مثل تفضيل المهن التقليدية (كالتجارة والزراعة) على المهن الصناعية والعلمية الحديثة.

  • الهيمنة الدينية: التي تحدّ من حرية الفكر وتُخضع العقل للسلطة الدينية.

  • الجمود الفكري: نتيجة الاعتماد على المناهج التعليمية النقلية بدلًا من النقدية.

٢. العوائق السلوكية:

  • إهدار الوقت: في أنشطة غير منتجة مثل المقاهي والأحاديث التافهة.

  • الإدمان: خصوصًا على المخدرات (مثل الحشيش) الذي يضعف الإرادة ويقضي على الطموح.

  • الاعتماد على الآخرين: عبر التواكل وانتظار المساعدات بدلًا من المبادرة الفردية.

٣. العوائق الاقتصادية:

  • البطالة المقنّعة: في الوظائف الحكومية التي لا تُنتج ثروة حقيقية.

  • غياب ثقافة العمل الحر: بسبب الخوف من المخاطرة وغياب الدعم المجتمعي.


منهج بناء الشخصية الناجعة: العلاج والتدريبات

يقدّم موسى برنامجًا عمليًّا لتنمية الشخصية، موجهًا بشكل خاص إلى الشباب في المدن (الموظفين والعمال والطلاب)، ويشمل:

أولًا: البناء العقلي

  • تبنّي العلم كمنهج حياة: عبر القراءة المنتظمة في العلوم الطبيعية والاجتماعية.

  • نقد الموروثات: بفحصها عقليًّا دون تقديس.

  • التعرّف على الأفكار العالمية: مثل الاشتراكية والداروينية.

ثانيًا: البناء الجسدي

  • ممارسة الرياضة: لتعزيز الإرادة والانضباط.

  • تجنّب المُضعفات: مثل المخدرات والكحول.

  • الاهتمام بالغذاء الصحي: كأساس للطاقة والإنتاجية.

ثالثًا: البناء الروحي والأخلاقي

(يُقصد هنا "الروحي" بمعنى القيمي لا الديني)

  • تعزيز قيم المسؤولية الفردية: تجاه الذات والمجتمع.

  • الالتزام بأخلاقيات العمل الحديثة: مثل الدقة والشفافية.

  • التحرر من "أخلاق العبيد": كالخضوع للسلطة دون مساءلة.

رابعًا: تدريبات عملية

  • تنظيم الوقت: بتقسيمه بين العمل والتعلم والترفيه.

  • تحديد أهداف واضحة: على المدى القصير والطويل.

  • التدريب على اتخاذ القرار: عبر تحليل التكاليف والمنافع بعقلانية.

  • التواصل الفعّال: لتطوير العلاقات التعاقدية (المهنية) بدلًا من التراحمية (القرابية) فقط.

 منهج بناء الشخصية الناجعة:

الجانبآليات التنميةالهدف
العقليالقراءة العلمية - نقد الموروثاتتكوين عقلية تحليلية غير تقليدية
الجسديالرياضة - تجنب المخدرات - الغذاء الصحيبناء إرادة قوية وقدرة على التحمل
الاجتماعيالتواصل المهني - استبدال العلاقات التراحمية بالتعاقديةتكوين شبكة داعمة للتطور الوظيفي
الزمنيتنظيم الوقت - تحديد الأهدافتحويل الحياة إلى مشروع منتج منظّم

لماذا يتخلف الشباب المصري؟

يقارن موسى بين الشباب المصري ونظيره الأوروبي، ويخلص إلى أن:

  • التخلف ليس عقليًّا: فالقدرات العقلية متساوية بين الجانبين.

  • الجذر الحقيقي للتخلف: هو غياب الشخصية الناجعة بسبب:

    • التربية التقليدية التي تقتل المبادرة.

    • النظام التعليمي الذي يعتمد على الحفظ لا الإبداع.

    • الاقتصاد الريعي الذي لا يقدر الكفاءة.


التأثر بالنموذج الغربي

يُعدّ الكتاب تعبيرًا صريحًا عن تبني قيم الحداثة الأوروبية، حيث يرى موسى أن:

  • التقدم الغربي: نتاج فصل الدين عن الدولة وتبني العلمانية.

  • الدور التاريخي للشخصية الناجعة: هو قيادة التحول من مجتمع "زراعي-تراحمي" إلى "صناعي-تعاقدي".

  • نموذج التطور الخطي: المجتمعات تتطور حتمًا نحو الحداثة، ومقاومة هذا التطور هي سبب التخلف.


انتقادات لرؤية موسى

رغم أهمية الكتاب، إلا أن طرحه واجه انتقادات، منها:
١. تبسيط التحديث: باعتباره نسخًا للنموذج الغربي دون مراعاة الخصوصية الثقافية.
٢. القطيعة مع التراث: بإسقاطه كل الموروث كمعوّق للتطور.
٣. إغفال العوامل الخارجية: مثل الاستعمار الذي حال دون التصنيع الحقيقي في مصر.
٤. النظرة الآلية للإنسان: بمعاملته كآلة إنتاج بمعزل عن أبعاده الروحية العميقة .


أهمية الكتاب وتأثيره في الفكر العربي

  • يُعدّ الكتاب أحد النصوص التأسيسية لتيار التحديث في منتصف القرن العشرين.

  • أثر في أجيال من المثقفين الداعين للعلمانية والاشتراكية.

  • لا يزال النقاش حول "أزمة الشخصية العربية" الذي أطلقه موسى قائمًا حتى اليوم، خاصة بعد ثورات الربيع العربي.

  • يمثل وثيقة تاريخية تكشف تحولات النخبة المصرية في صراعها بين الهوية والحداثة.


هل الحلول المطروحة قابلة للتطبيق اليوم؟

رغم مرور أكثر من ٨٠ عامًا على صدور الكتاب، فإن تحليل موسى لـ "أمراض الشخصية" لا يزال صالحًا لتفسير كثير من إشكاليات المجتمعات العربية، مثل:

  • البطالة والهدر التعليمي والاستهلاكية.
    لكن الحلول التي قدّمها تحتاج إلى إعادة نظر في ضوء تحديات العصر، مثل:

    • ضرورة التوفيق بين الأصالة والحداثة.

    • تبني نموذج تنموي لا يكرر أخطاء التصنيع الغربي (كالتلوث والاستغلال).

    • بناء شخصية ناجعة لا تقطع مع التراث بل تنتقده انتقاءً عقلانيًّا.

يظل كتاب "الشخصية الناجعة" مرجعًا ضروريًا لفهم جذور أزماتنا المعاصرة، وشاهدًا على جرأة جيل آمن بأن التغيير يبدأ من إعادة صياغة الإنسان.


ملحق: معلومات النشر والطبعات

إرسال تعليق

0 تعليقات