واحد من بين الكثير- الاقتصاد العالمي منذ عام 1850

 
واحد من بين الكثير- الاقتصاد العالمي منذ عام 1850

 واحد من بين الكثير- الاقتصاد العالمي منذ عام 1850

🔍 نظرة عامة على الكتاب

يقدم كتاب "One From the Many: The Global Economy Since 1850" للبروفيسور كريستوفر م. مايسنر (أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا ديفيس) تحليلاً شاملاً للتطور التاريخي للاقتصاد العالمي وعملية العولمة منذ منتصف القرن التاسع عشر. 

يستكشف الكتاب العوامل الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية التي شكلت التكامل العالمي، ويقدم رؤى قيّمة حول ديناميكيات العولمة في الماضي والحاضر والمستقبل. 

يعتمد الكتاب على بيانات تاريخية ونظريات اقتصادية لاستخلاص استنتاجات حول استمرارية العولمة وقدرتها على الصمود في وجه التحديات المعاصرة.

 الكتاب والمواضيع الرئيسية

  الموجة الأولى للعولمة (1850-1914)

يشير الكتاب إلى أن الفترة من 1850 إلى 1914 شهدت موجة عولمة غير مسبوقة، حيث ارتفعت جميع المؤشرات الرئيسية للعولمة، بما في ذلك التجارة الدولية، وتدفقات رأس المال، والهجرة.

أدى التقدم التكنولوجي (مثل السكك الحديدية والبواخر) إلى تقليل تكاليف النقل والاتصالات، مما سهل التبادل الاقتصادي عبر الحدود. 

بالإضافة إلى ذلك، ساعد اعتماد معيار الذهب على استقرار أسعار الصرف وتعزيز الثقة في المعاملات الدولية. 

خلال هذه الفترة، نمت التجارة العالمية بمعدلات غير مسبوقة، وساهمت الهجرة الجماعية (خاصة من أوروبا إلى الأمريكتين) في إعادة توزيع القوى العاملة وتحسين مستويات المعيشة في العديد من المناطق.

 يوضح مايسنر أن هذه الموجة من العولمة عززت التخصص الاقتصادي ورفعت الإنتاجية العالمية، مما أدى إلى تحسن ملحوظ في الرفاهية الاقتصادية للعديد من البلدان.

  فترة الانهيار والركود (1918-1939)

يصف الكتاب الفترة بين الحربين العالميتين على أنها حقبة من التدهور الاقتصادي والانعزالية. أدت الحرب العالمية الأولى إلى تعطيل الشبكات الاقتصادية العالمية، واتبعت العديد من البلدان سياسات حمائية بهدف حماية صناعاتها المحلية. 

ساهمت هذه السياسات، مثل تعريفات سموت-هاولي في الولايات المتحدة، في تفاقم الكساد الكبير في الثلاثينيات. يتناول مايسنر أيضًا كيف أدى انهيار معيار الذهب وتبادل أسعار الصرف المرنة إلى زيادة عدم الاستقرار في الأسواق المالية. 

عانت التجارة الدولية وتدفقات رأس المال من انخفاض حاد، وتراجعت الثقة في النظام الاقتصادي العالمي. يسلط الكتاب الضوء على الدروس المستفادة من هذه الفترة، مشيرًا إلى أن الانعزالية الاقتصادية والسياسات القومية الأزمات الاقتصادية وأخرت التعافي .

  إعادة البناء والموجة الثانية للعولمة (ما بعد 1945)

بعد الحرب العالمية الثانية، ظهر الاقتصاد العالمي من جديد وتعمق التكامل. يؤكد الكتاب على دور اتفاقية بريتون وودز في إنشاء نظام نقدي دولي مستقر، من خلال إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

 بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (GATT) في تحرير التجارة وتقليل الحواجز الجمركية. شهدت هذه الفترة نموًا غير مسبوق في التجارة الدولية، مدعومًا بالتقدم التكنولوجي (مثل الحاويات والشحن الفائق) وزيادة تدفقات رأس المال.

 يذكر مايسنر أن هذه الموجة الثانية من العولمة كانت أكثر شمولاً واستدامة من سابقتها، حيث شملت ليس فقط البضائع والخدمات، ولكن أيضًا سلاسل التوريد العالمية المعقدة.

  العولمة المعاصرة والتحولات الهيكلية

يركز هذا القسم على التطورات منذ أواخر القرن العشرين، بما في ذلك صعود الاقتصادات الناشئة (مثل الصين والهند) وتغيير طبيعة التجارة الدولية. 

يشير الكتاب إلى أن العولمة المعاصرة تتميز بـ شبكات التوريد العالمية المعقدة، حيث لم تعد المنتجات تُصنع في بلد واحد، ولكنها تجمع مدخلات من عدة بلدان. يستخدم مايسنر مصطلح "صنع على الأرض" لوصف هذه الظاهرة، مؤكدًا أن الاقتصاد العالمي أصبح شبكة واحدة ضخمة (شبكة توريد) وليس مجرد سلاسل توريد منفصلة.

 هذا التكامل العميق يعني أن الاقتصادات الوطنية أصبحت أكثر ترابطًا، وأي صدمة في أحد الأجزاء يمكن أن تنتشر عبر الشبكة بأكملها. يتضمن هذا القسم أيضًا مناقشة حول الدورة الاقتصادية العالمية وأثر الأزمات المالية (مثل أزمة 2008) على استقرار النظام العالمي.

  التحديات والانتقادات الموجهة للعولمة

يعترف الكتاب بأن العولمة ليست بدون مشاكل. يناقش مايسنر الآثار التوزيعية غير المتكافئة، حيث تستفيد بعض المناطق والقطاعات أكثر من غيرها.

على سبيل المثال، أدت العولمة إلى خسائر في الوظائف في الصناعات التقليدية في البلدان المتقدمة، بينما شهدت الاقتصادات الناشئة نموًا سريعًا.

 بالإضافة إلى ذلك، يسلط الكتاب الضوء على مخاطر الاختلالات العالمية (مثل عجز الحساب الجاري في الولايات المتحدة) والأزمات المالية المرتبطة بتدفقات رأس المال غير المنظمة. 

يتناول مايسنر أيضًا انتقادات مثل "فرط العولمة" (hyperglobalization) التي يروج لها بعض الاقتصاديين مثل داني رودريك، والتي  أن العولمة المفرطة يمكن أن تقوض السيادة الوطنية وتزيد من عدم الاستقرار الاجتماعي.

 ومع ذلك، يجادل مايسنر بأن هذه التحديات يمكن التخفيف من حدتها من خلال الحوكمة العالمية والسياسات المحلية الفعالة .

 الفصل السادس: مستقبل العولمة والدروس المستفادة

يختتم الكتاب بالنظر إلى المستقبل، حيث يؤكد مايسنر أن العولمة لن تنتهي بسهولة. بناءً على الدروس التاريخية، يستنتج أن الرغبة في التجارة وتحسين جودة الحياة هي قوى أساسية في الطبيعة البشرية، وسوف تستمر في دفع التكامل العالمي. 

ومع ذلك، يجب على البلدان أن تعترف بالمصالح المشتركة وتعمل معًا لمعالجة التحديات العالمية مثل التغير المناخي والجائحات وعدم المساواة.

 يشدد الكتاب على أن العولمة يمكن أن تنجو فقط إذا تم الاعتراف بإمكاناتها غير المستغلة وتخفيف آثارها السلبية. في النهاية، يقدم مايسنر رؤية متفائلة،  أن العولمة لديها القدرة على البقاء كقوة تكاملية، شريطة أن تستمر البشرية في التعاون وتبني السياسات المناسبة .

 تحليل ونقد الكتاب

 الإسهامات الرئيسية

  1.  المنظور التاريخي الشامل: يقدم الكتاب تحليلًا زمنيًا طويل الأمد للعولمة، مما يسمح للقراء بفهم الاتجاهات والدورات الاقتصادية في سياقها التاريخي. هذا يساعد في تحديد العوامل المشتركة التي ساهمت في فترات الازدهار والانحدار.

  2.  التركيز على التكامل الهيكلي: يؤكد مايسنر على التحول من سلاسل التوريد إلى شبكات التوريد العالمية، وهو مفهوم مهم لفهم تعقيد الاقتصاد المعاصر. هذا يسلط الضوء على مدى ترابط الاقتصادات الحديثة وأهمية التعاون العالمي.

  3.  النهج المتوازن: يعترف الكتاب بفوائد العولمة (مثل تحسين مستويات المعيشة والنمو الاقتصادي) دون تجاهل عيوبها (مثل عدم المساواة والضعف أمام الأزمات). هذا يتجنب الإفراط في التفاؤل أو التشاؤم ويقدم رؤية واقعية.

 الانتقادات والقيود

  1. 🔍 عدم وضوح الجمهور المستهدف: كما أشار الناقد دونالد بودرو، يبدو أن الكتاب في بعض الأحيان موجه للجمهور العام، ولكن في أقسام أخرى يتحول إلى محادثة مع متخصصي الاقتصاد. هذا يمكن أن يجعل القراءة غير متسقة ويصعب على غير الخبراء متابعة بعض المفاهيم التقنية .

  2.  مناقشة مثيرة للجدل حول "الفشل السوقي": في مناقشة الأزمة المالية اليونانية، يصف مايسنر المخاطر الأخلاقية (moral hazard) في القطاع المصرفي الأوروبي على أنها "فشل سوقي"
    ، يجادل النقاد أن هذا ليس فشل سوقي بل نتيجة للتدخل الحكومي وتوقعات الإنقاذ، مما يشير إلى سوء فهم للمفاهيم الاقتصادية.

  3.  استخدام مصطلحات مثيرة للعاطفة: يستخدم مايسنر مصطلحات مثل "فرط العولمة" (hyperglobalization) و"العولميون" (globalists) دون نقد كافٍ، على الرغم من أن هذه المصطلحات غالبًا ما تستخدم بشكل سلبي من قبل الحمائيين لوصم مؤيدي التجارة الحرة. هذا قد يضعف من حجج الكتاب ويعزز الروايات المضادة للعولمة.

 رؤية الكتاب في سياق المشهد المعاصر

يقدم كتاب "One From the Many" رؤية ثاقبة لتاريخ العولمة ويؤكد على مرونتها وقدرتها على الصمود في وجه التحديات. 

في عالم اليوم، حيث تهدد القوى مثل الحروب التجارية وجائحة كوفيد-19 والصراعات الجيوسياسية بالتجزئة، يذكرنا الكتاب بأن العولمة كانت دائمًا عملية دورية ذات فترات من المد والجزر. 

ومع ذلك، كما يستنتج مايسنر، فإن الرغبة الإنسانية في التبادل والتعاون ستستمر في دفع التكامل العالمي. للاستفادة من إمكانات العولمة، يجب على البلدان أن تتبنى سياسات شاملة تعالج عدم المساواة وتعزز الحوكمة العالمية. 

في النهاية، الكتاب دعوة للتفاؤل والحذر، مشددًا على أن مستقبل الاقتصاد العالمي يعتمد على خياراتنا وقدرتنا على التعاون عبر الحدود.

 مصادر

إرسال تعليق

0 تعليقات