أشباح هيروشيما

أشباح هيروشيما

 

 "أشباح هيروشيما" لتشارلز بيلجرينو: شهادات على فجر العصر النووي

 تمهيد

"أشباح هيروشيما" (Ghosts of Hiroshima) للكاتب والعالم تشارلز بيلجرينو هو عمل توثيقي مذهل يصوّر اللحظات المروعة للتفجيرات النووية على هيروشيما وناغاساكي في أغسطس 1945. 

يعتمد الكتاب على سنوات من البحث الجنائي الأثري ومقابلات مع أكثر من مائتي ناجٍ وعائلاتهم، مقدماً رواية شاملة عن أحد أكثر الأحداث تحويلاً في التاريخ البشري

صدر الكتاب في الذكرى الثمانين للتفجيرات، ويحمل رسالةً مفادها أن البشرية دخلت مرحلة "المراهقة النووية" التي يجب أن نتعلم منها كي ننجو كحضارة.

يتميز الكتاب بلغة شعرية مؤثرة تخلط بين الوصف العلمي الدقيق والقصص الإنسانية العميقة، مما يمنح القراء تجربة غامرة وكأنهم عاشوا تلك الأحداث. يحظى الكتاب باهتمام كبير بعد أن حصل المخرج جيمس كاميرون (المخرج الحائز على جائزة الأوسكار) على حقوق تحويله إلى فيلم سينمائي، واصفاً إياه بأنه قوية ومؤثرة وملهمة مثل قصة تايتانيك.

 منهجية البحث ومصادر الكتاب

البحث الجنائي والأثري

اعتمد بيلجرينو على التحليل الجنائي العلمي لإعادة بناء اللحظات الأولى للانفجارات وتأثيراتها. هذا يتضمن دراسة:

  • ظلال النواة (Nuclear shadows): الظلال التي خلفها الضوء الشديد على الجدران والأسطح حيث وقف الضحايا، محفوظة كشهادات صامتة على لحظاتهم الأخيرة.

  • تحولات المواد: مثل تحول دم الضحايا إلى فحم صلب (carbon steel) نظرا للحرارة الشديدة، وذوبان الكرات الزجاجية للأطفال إلى كتل من الزجاج المنصهر.

  • الآثار الإشعاعية: تتبع المواد المشعة التي يت الكالسيوم في العظام النامية، مما تسبب في إصابة الأطفال بأمراض سرطانية لاحقاً.

المقابلات الشفوية

أجرى بيلجرينو مقابلات مع الناجين وعائلاتهم، بما في ذلك:

  • الناجون من التفجيرين: مثل تسوتومو ياماغوتشي (Tsutomu Yamaguchi)، المهندس البحري الذي نجا من التفجير في هيروشيما ثم انتقل إلى ناغاساكي حيث تعرض للتفجير الثاني.

  • ضحايا الإشعاع: الذين عانوا من أمراض مثل السرطان على مدى عقود.

  • طاقم الطائرات الأمريكية: مثل جاكوب بيسر (Jacob Beser)، مهندس مشروع مانهاتن الذي شاهد الأرض "تغلي" تحت القنبلة.

 مجموعات الناجين المذكورة في الكتاب:

المجموعةعدد التقريبيأبرز المعاناة
الناجون من هيروشيما فقط~140,000+حروق، أمراض إشعاعية، صدمات نفسية
الناجون من ناغاساكي فقط~70,000+إصابات انفجارية، تسمم إشعاعي
الناجون من التفجيرين (Double Survivors)~30صدمات مزدوجة، أمراض إشعاعية متراكمة
أطقم الطائرات الأمريكية~50صدمات نفسية، شعور بالذنب

 اللحظات الأولى للتفجير: مشاهد من الجحيم النووي

"الشروق الثاني" في هيروشيما

يصف بيلجرينو صباح 6 أغسطس 1945 في هيروشيما بأنه بدأ بـ هدوء مخيف وجمال طبيعي أخاذ، مع بحيرة هادئة يعكس القلاع المحيطة.الساعة 8:15 صباحاً، كل شيء تغير:

  • الفلاش الأعمى: وصف الناجون ألواناً لم يروها من قبل ولم يستطيعوا تسميتها، متبوعا بموجة صادمة ضربت بلا صوت.

  • التحولات الفيزيائية الفورية: قريبا من نقطة الصفر (hypocenter)، تبخر الناس فوراً، تاركين فقط ظلالهم على الجدران. متناثرة الأسنان على الأرض، وتحولت قطرات الدم إلى فحم صلب  لشدة الحرارة.

  • ظاهرة "الصدمة-الشرنقة" (Shock-cocoon effect): في بعض الحالات النادرة, ظلت بعض الأشياء أو الأشخاص على قيد الحياة بشكل غامض بسبب حماية ظواهر فيزيائية معينة. على بعد ميل من نقطة الصفر, نجا طفلان صغيران بينما دُمّر العالم حولهم.

مشاهد لا تُنسى من المعاناة الإنسانية

  • "أناس التماثيل" (Statue people): أشخاص تحولوا إلى فحم (flash-fossilized) في أوضاعهم الطبيعية، مثل رجل شوهد واقفاً "يداه مرفوعتان الي السماء"، أو رجل لا يزال يجر عربة بعجلتين يجلس فيها طفلان من الفحم.

  • معاناة الأطفال: child's marbles ذابت إلى كتل زجاجية. الأطفال الذين غطوا أعينهم تمزق عظام أصابعهم من خلال الجفون، مثل صور الأشعة.

  • الأمطار السوداء: بعد التفجير، هطلت أمطار سوداء لزجة ومشعة، حالة تسمم إشعاعي إضافي للناجين.

 قصص الناجين: شهادات على الصمود الإنساني

تسوتومو ياماغوتشي: الرجل الذي نجا من التفجيرين

تسوتومو ياماغوتشي (Tsutomu Yamaguchi) هو أشهر الناجين من التفجيرين:

  • في 6 أغسطس، كان في هيروشيما في آخر يوم of عمل له. بعد التفجير، عانى من حروق شديدة وطنين في الأذن، لكنه استقل القطار الي ناغاساكي.

  • في 9 أغسطس، بينما كان يروي لمديره ما حدث في هيروشيما (الذي لم يصدقه)، انفجرت القنبلة الثانية. نجا لأن مكتبه كان في طابق معزول وتلال قريبة امتصت جزء من الانفجار.

  • عاش حتى عمر 93, وأصبح ناشطاً من أجل السلام, قائلاً: "كان يمكن أن أموت في أي من هذين اليومين. كل ما يلي هو مكافأة". التقى بيلجرينو وكاميرون قبل وفاه بأيام، و منحهم بركته لرواية القصة.

الناجون الآخرون: قصص منسية

  • توميكو موريموتو (Tomiko Morimoto): فتاة هربت من المنزل بعد صراخ على أمها وإغلاق الباب بعنف. لم تر منزلها أو أمها مجددا، وندمت علي ضياع حياتها، ناصحة الآخرين بعد مغادرة المنزل بكلمات غاضبة.

  • كينشي هيراتا (Kenshi Hirata): newlywed نجا من هيروشيما لكنه فقد زوجته. أحضر رفاتها إلى والديها في ناغاساكي، فقط ليعيش خلال التفجير الثاني.

  • سجناء الحرب Allied: في معسكر السجن 25 north ناغاساكي، نجاة السجناء خلال لمساعدة حارس ياباني اسمة هاياتو (Hyato) الذي كان يهرب لهم الطعام، مخاطراً بحياته.

 الآثار الطويلة الأمد: الإرث الإشعاعي والأمراض

الأمراض والإصابات الفورية

  • الحروق والإصابات الانفجارية: خارجيا منطقة التبخر الفوري، عانى الناجون من حروق شديدة على الجانب المواجه للانفجار، وتمزق الأعضاء الداخلية  لموجة الصدمة.

  • العمى المؤقت أو الدائم: بسبب للفلاش شديد السطوع.

الأمراض المتأخرة والإشعاع

  • المحاكاة الإشعاعية: المواد المشعة الناتجة عن القنابل  الكالسيوم في العظام النامية، مما جعلها تتراكم في الأطفال وتسبب السرطان لاحقاً.

  • السرطانات: على مدى عقود، عانى الناجون (الـ هيباكوشا - Hibakusha) من معدلات مرتفعة من سرطان الغدة الدرقية، الثدي، الرئة، وسرطان الدم (leukemia).

  • الوصمة الاجتماعية: عانى الناجون من العار والتمييز بسبب المخاوف غير العلمية من "عدوي" الإشعاع، وكثيراً ما أخفوا تاريخهم.

 الآثار الصحية الرئيسية للتفجيرات النووية:

الفترة الزمنيةالآثار الصحيةالمدة/الظهور
اللحظات الأولىتبخر فوري، حروق حرارية، إصابات انفجاريةفورية
الأسابيع الأولىمرض الإشعاع الحاد (غثيان، تساقط شعر، نزيف)، حروق مصابة بالعدوىأيام إلى أسابيع
السنوات 1-5إعتام عدسة العين، العقم، تكوين الندباتأشهر إلى سنوات
العقود اللاحقةسرطانات (الغدة الدرقية، الثدي، الدم، إلخ)، أمراض قلبية، آثار نفسيةسنوات إلى عقود

 السياق التاريخي والأخلاقي: جدالات لا تنتهي

مشروع مانهاتن وطاقم الطائرات

يتناول الكتاب أيضاً منظور من قاموا بتطوير وإسقاط القنابل:

  • جاكوب بيسر (Jacob Beser): مهندس مشروع مانهاتن الذي كان على متن الطائرة Enola Gay. وصف ما رآه "أكثر حدثين غرابة ومشهدية في تاريخ وحشية الإنسان". بعد ناغاساكي, رفض النظر إلى الأسفل بسبب ما رآه في هيروشيما.

  • أطقم Enola Gay وBockscar: ناقش الطيارون الأخلاقيات أثناء عودتهم. قال أحدهم: "علينا إيجاد طريقة للتعايش، لأننا الأن لدينا الوسائل لتدمير كل شيء".

الوحشية من الجانب الياباني

لا يتجنب بيلجرينو مناقشة فظائع الجيش الياباني، يتضمن:

  • معسكرات السجن: مثل معسكر 25 حيث كان السجناء يعملون كعبيد في مناجم الفحم تحت ظروف قاسية.

  • تجارب على السجناء: مثل "الدكتور الموت" في تايلاند الذي كان يقطع رؤوس السجناء for التسلية.

  • أمر الإعدام: أصدر القصر امبراطوري أمراً بإعدام جميع سجناء الحرب إذا غزا الحلفاء اليابان.

الجدال الأخلاقي: هل كان التفجير مرضيا ؟

يمتنع بيلجرينو وكاميرون عن إصدار أحكام أخلاقية صريحة حول بحسب كان يجب إسقاط القنبلتين. بدلاً من ذلك، يركزان على:

  • إظهار الآثار الإنسانية المروعة لتذكير العالم بـ ما تفعله هذه الأسلحة.

  • دعوة للتعلم من الماضي علي الأقل تتكرر هذه الأحداث علي نطاق أوسع.

 التحويل إلى فيلم ورسالة إلى الإنسانية

فيلم جيمس كاميرون القادم

جيمس كاميرون، المخرج الحائز علي جائزة الأوسكار (Titanic, Avatar)، يكتسب حقوق تحويل الكتاب إلى فيلم:

  • وعد على فراش الموت: يعطي كاميرون وعداً لـ تسوتومو ياماغوتشي على فراش الموت بأن سوف يحول قصته إلى فيلم.

  • النهج المتوقع: قال كاميرون أنه سيركز على يوم التفجيرين والعواقب المباشرة، وسيتجنب التعليقات السياسية أو الأخلاقية المباشرة. يريد أن يظهر ما حدث "كشاهد محايد".

  • التحديات: كيف سيصور الرعب الذري دون إرباك الجمهور؟ يوازن بين الدقة التاريخية و القصة الجذابة?

رسالة الكتاب إلى العالم

الكتاب هو تحذير قوي للإنسانية:

  • إزالة التكتم: بعد التفجيرات، خفضت الحكومة الأمريكية من الآثار الإشعاعية و قمعت اللقطات والصور. هذا الكتاب يكسر ذلك الصمت.

  • السلام يبدأ بالتسامح: كما قال ياماغوتشي: "أستطيع أن أسامح الناس الذي أسقطوا هذه القنابل. إذا أستطيع التسامح مع هذا, يمكنك التسامح مع اي شيء. السلام يبدأ بالتسامح".

  • خطر الأسلحة النووية اليوم: في عالم مع التهديدات النووية المستمرة (مثل إيران، وكوريا الشمالية، روسيا)، يذكرنا الكتاب بأن حرباً نووية هي غير مقبولة بشكل مطلق.

  تأملات في "أشباح هيروشيما"

"أشباح هيروشيما" هو أكثر من مجرد حدث تاريخي؛ هو نصب تذكاري أدبي للضحايا والناجين. يخلق بيلجرينو نسيجاً غنياً من القصص الشخصية، التحليل العلمي، والتأمل الفلسفي حول الذي غيرت هذه الأحداث مسار الحضارة البشرية إلى الأبد.

الكتاب ليس قراءة سهلة؛ فهو صورة ومزعج عمداً. لكنه، كما كتب بيلجرينو, مخصص "للأمل في أن لا أحد سيشهد هذا، أو يموت بهذه الطريقة, مرة أخرى". في عالم لا يزال مليئاً بالصراعات والنزاعات, تظل رسالة الكتاب: التذكر، التعلم، والتسامح ضرورية لبقائنا الجماعي.

بينما تستعد البشرية للاحتفال بذكرى مئويةهؤلاء الأحداث، يخدم "أشباح هيروشيما" كمنارة قوية تذكرنا بالخيار الذي نواجه: إما أن ننضج لما بعد مراهقتنا النووية أو نخاطر بالفشل في النجاة كحضارة

إرسال تعليق

0 تعليقات