كتاب "الإرهاب" للكاتب المصري الراحل فرج فودة يُعد تحليلًا عميقًا لظاهرة العنف السياسي والديني في مصر خلال فترة الثمانينات، مع تركيز على كيفية استغلال الدين لتبرير الأعمال الإرهابية. يعرض فودة رؤية نقدية للسياق الاجتماعي والسياسي الذي سمح بانتشار هذه الظاهرة، مستشهدًا بأحداث تاريخية وحالات محددة. فيما يلي أبرز أفكار الكتاب:
1. تحليل ظاهرة الإرهاب وأساليب التنفيذ
أسلوب "قصعة الثريد": يصف فودة عمليات الجماعات الإرهابية بأنها غير مُخطَّطة بدقة، إذ تعتمد على الفوضى والتنافس العشوائي، مثل عملية اغتيال حسن أبو باشا (وزير الداخلية 1982-1984)، التي نُفِّذت أمام منزله رغم وجود حراسة مشددة، ما يدل على غياب التخطيط.
الإرهاب "حسب الطلب": ينتقد الكاتب ازدواجية التعامل مع الإرهاب، حيث يُصنَّف إلى "مشروع" و"غير مشروع" بناءً على شعبية الضحية. فمثلًا، يُعتبر قاتل السادات "شهيدًا" لدى البعض، بينما يُوصف قاتل شرطي في أسيوط بـ"الإرهابي".
2. دور الشائعات في تغذية الإرهاب
تُستخدم الشائعات كأداة لتبرير العنف، مثل إشاعة أن أبو باشا داس المصحف بأقدامه، أو اتهام عميد كلية طب القاهرة بنزع النقاب عن طالبة. هذه الإشاعات تنتشر حتى بين المثقفين، مما يُسهِّل تقبُّل الأعمال الإرهابية.
يضرب فودة أمثلةً أخرى، مثل شائعات تسميم الدجاج الأمريكي أو تمويل فرق موسيقية لتمزيق المصاحف، والتي تُستغل لخلق بيئة من الخوف والتطرف.
3. العلاقة بين التعذيب وظهور التطرف
يرفض فودة الربط المباشر بين تعذيب السجون في عهد عبد الناصر وولادة الإرهاب، مشيرًا إلى أن أعمال العنف بدأت قبل ذلك، مثل اغتيال الخازندار في الأربعينيات.
لكنه يعترف بأن التعذيب ساهم في تشكيل أفكار بعض المتطرفين، مثل شكري مصطفى (مؤسس تنظيم التكفير والهجرة)، الذي تَشكَّلت أفكاره تحت وطأة السياط.
4. التيارات الإسلامية وتنسيقها الخفي
يقسّم فودة الحركات الإسلامية إلى ثلاثة تيارات:
تيار الثورة: يسعى لتغيير النظام بالقوة (مثل جماعة الجهاد).
تيار الثروة: يهدف للسيطرة على الاقتصاد.
تيار الإخوان المسلمين: يُعتبر الأكثر تأثيرًا رغم ادعائه الاعتدال.
يوضح أن هذه التيارات تتجاوز خلافاتها وتتعاون سرًّا لتحقيق أهداف مشتركة، خلافًا للاعتقاد السائد بعدم إمكانية تنسيقها.
5. الحلول المقترحة لمواجهة الإرهاب
على المدى القصير:
الديمقراطية الحقيقية: توسيع الحريات السياسية وإتاحة تكوين الأحزاب لامتصاص غضب الجماعات.
سيادة القانون: معالجة ثقافة التحايل على القانون التي تُغذي العنف.
الإعلام الموضوعي: تجنب الترويج لأجندات دينية أو تبرير العنف.
على المدى الطويل:
إصلاح التعليم: مواجهة التلقين وتشجيع التفكير النقدي.
تحسين الأوضاع الاقتصادية: تقليل الفقر الذي يُعد بيئة خصبة للتطرف.
تعزيز الوحدة الوطنية: مواجهة الانقسامات الطائفية والاجتماعية.
6. نقد الخطاب الديني والسياسي
يرفض فودة فكرة "الدولة الإسلامية" التي تطرحها الجماعات، مؤكدًا أن الإسلام ترك أمور الحكم اجتهادية لتتناسب مع تغير العصور.
يهاجم استخدام الدين كغطاء للعنف، مثل تبرير اغتيال السياح الإسرائيليين (كما حدث مع سليمان خاطر)، الذي قُدِّم كـ"بطل" رغم قتله أطفالًا ونساءً.
ختامًا:
الكتاب ليس مجرد توثيق تاريخي، بل تحذير من تكرار الأزمات عبر تجاهل جذور الإرهاب، مثل الفقر والفساد والانقسام المجتمعي. يُقدِّم فودة رؤية شاملة تربط بين العوامل السياسية والاجتماعية والدينية، داعيًا إلى مواجهة الإرهاب بفهم عميق لأسبابه، لا بمجرد القمع الأمني
0 تعليقات