الزلزال



  "الزلزال" لمصطفى محمود

السياق التاريخي والإلهام:
كُتبت مسرحية "الزلزال" عام 1963 في ظروف استثنائية، عندما مُنع مصطفى محمود من الكتابة في الصحافة بأمر من الرئيس جمال عبد الناصر. استخدم الكاتب هذه المسرحية كنقدٍ رمزي للمجتمع المصري آنذاك، واستشرافٍ لمستقبله من خلال شخصيات تعكس التناقضات الإنسانية .

البنية والأحداث:
تتكون المسرحية من ثلاثة فصول، تدور أحداثها حول عائلة ثرية تعيش في ريف مصر. يُصيبها زلزال مدمر يُشبه القيامة، مما يُجبر الشخصيات على مواجهة مصيرها وحقيقة أفعالها. تموت جميع الشخصيات في النهاية باستثناء الأطفال، كرمزٍ لبقاء الأمل في المستقبل رغم فساد الحاضر .

الشخصيات والتناقضات:
اختار محمود شخصيات متناقضة لتمثيل صراعات الإنسان:

  • الطماع: مثل شخصية مراد، الذي يُمسك بالمال ولا ينفقه في الخير.

  • المتعلم المتفتح: مثل أحمد، الذي يسخر من الحياة ويسعى لفهم الحقيقة.

  • المتشبث بالحياة: مثل جيجي، التي تُبالغ في حب المظاهر.

  • الهائم بالموت: مثل نفيسة، التي ترفض الحياة وتطلب الموت .

الموضوعات الرئيسية:

  1. زوال الدنيا وعبثية التمسك بالماديات: تُظهر المسرحية كيف يفقد المال قيمته عند الموت، وأن ما يبقى هو الأعمال الصالحة .

  2. السخرية من التناقض الإنساني: مثل اقتباس أحمد: "بضحك على نفسي لأني عشت طول عمري أفرح وأزعل... والآخر بموت وأنا مش فاهم حاجة" .

  3. البحث عن الحقيقة والوهم: تطرح المسرحية أسئلة وجودية حول الحقيقة والوهم، كما في حوار أحمد: "مفيش حد عارف الحقيقة... يبقى أعيش في الوهم أحسن" .

الرمزية والنهاية:
الزلزال هنا رمزٌ للقيامة أو النهاية التي تكشف زيف القيم المادية. موت الكبار وبقاء الأطفال يُشير إلى أن خلاص المجتمع قد يأتي من البراءة والجيل الجديد، بينما يُحكم على الجيل الحالي بالفناء بسبب فساده .

التأثير والأسلوب:
تميزت المسرحية بأسلوب حوارٍ سلس يجمع بين الفلسفة والواقعية، مع لمسة من السخرية المُرّة. عُرضت عام 1990 كعمل مسرحي بطولة صلاح ذو الفقار، مما أضاف بعداً درامياً لرسالتها .

اقتباس مُلهم:
"الحل الوحيد اللي فاضل لنا إن إحنا نقعد نقول نكت في الساعات اللي باقية على نهاية العالم... ده الشرف الوحيد اللي فاضل لنا"  — يعكس هذا الاقتباس فلسفة الكاتب في مواجهة العبث بالضحك كشكل من أشكال المقاومة.

الخلاصة:
"الزلزال" ليست مجرد مسرحية، بل مرآة تعكس تناقضات الإنسان وصراعه بين الماديات والروحانيات. تُعتبر من أبرز أعمال مصطفى محمود التي تجمع بين العمق الفكري والبساطة الأدبية

إرسال تعليق

0 تعليقات