روح الحداثة
المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية
لطه عبد الرحمن
1: الفكر والهدف
يأتي كتاب "روح الحداثة" (2006) للفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن كامتداد لمشروعه النقدي الذي بدأه في كتابه السابق "سؤال الأخلاق"، حيث يهدف إلى نقد الحداثة الغربية وتأسيس نموذج إسلامي للحداثة. ينطلق عبد الرحمن من فكرة مركزية مفادها أن المجتمعات الإسلامية تعاني من "التقليد المطبق":
الحداثيون: يقلدون النموذج الغربي دون تمحيص.
التراثيون: يقلدون الأسلاف دون اجتهاد.
الهدف المزدوج للكتاب هو:
تبصير الحداثيين بتقليدهم للغرب لفتح فضاء الإبداع .
تحرير التراثيين من الجمود لفتح فضاء الاجتهاد عبر تطبيق "روح الحداثة" على التداول الإسلامي .
2: نبذة عن المؤلف: طه عبد الرحمن
وُلد عام 1944 في الجديدة بالمغرب، متخصص في المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق.
حاصل على الدكتوراه من السوربون، وعمل أستاذاً في جامعة محمد الخامس بالرباط حتى 2005 .
يتميز منهجه بالجمع بين:
التحليل المنطقي.
التشقيق اللغوي.
الاستفادة من التجربة الصوفية .
حصل على جائزة الإيسيسكو للفكر الإسلامي (2006) وجائزة محمد السادس للفكر الإسلامي (2014) .
3: الإطار النظري: تمييز جوهري بين "الروح" و"الواقع"
أ. نقد التعريفات السائدة للحداثة
يرى عبد الرحمن أن التعريفات الغربية للحداثة (كالعقلانية، العلمانية، الفردانية) حوّلتها إلى "كائن تاريخي عجيب" يشبه الإله في سيطرته، مما أوقعها في تناقض مع مبادئها الأصلية .
ب. التمييز الأساسي: روح الحداثة vs واقع الحداثة
روح الحداثة (مبادئ كونية) | واقع الحداثة (تطبيقات تاريخية) |
---|---|
• قيم جوهرية قابلة للتجديد. | • التجسيد الغربي الذي يحمل آفات أخلاقية. |
• مستقلة عن السياق الغربي. | • نتاج ظروف تاريخية غربية (كالصراع مع الكنيسة). |
• قابلة للتطبيق في سياقات مختلفة. | • ليس حتمياً ولا كونياً . |
ج. المبادئ الثلاثة لروح الحداثة
ينبني جوهر الحداثة على ثلاثة مبادئ، كل منها يتكون من ركنين:
مبدأ الرشد:
الاستقلال: التحرر من الوصاية (الخارجية أو الداخلية).
الإبداع: إنتاج أفكار وأفعال جديدة أو إعادة تشكيل القديم.
مبدأ النقد:
التعقيل: المطالبة بالأدلة والبراهين.
تفصيل: التمييز بين المجالات (لا فصل مطلق بين الدين والعقل).
مبدأ الشمول:
التوسع: تطبيق الحداثة على جميع مجالات الحياة.
التعميم: جعل منافعها شاملة للإنسانية .
4: نقد التطبيق الغربي للحداثة
أ. الآفات الأخلاقية
يُشخّص عبد الرحمن ست آفات ناتجة عن "مسلمات التطبيق الغربي":
الاستقلال: تحول إلى وصاية استعمارية (الأقوى يسود الأضعف).
الإبداع: تحول إلى انقطاع مطلق عن التراث، واختراع حاجات مادية فقط.
التعقيل: ادعاء العقل القدرة على فهم كل شيء، متجاهلاً حدوده.
التفصيل: فصل تعسفي بين الدين والحداثة.
التوسع: تحويل الحداثة إلى حتمية تاريخية.
التعميم: فرض النموذج الغربي كقيمة كونية مطلقة .
ب. إبطال المسلمات الغربية
يقترح عبد الرحمن "إبطال" ست مسلمات:
"العقل لا يعقل ذاته، والطبيعة أم الإنسان ليست أمة له" .
مثال: العلمانية لا تحفظ حرمة الأديان، والفردانية تدمر التضامن المجتمعي.
5: أسس الحداثة الإسلامية
أ. الشروط العامة
الاجتناب: تفادي آفات التطبيق الغربي.
الداخلية: الابتكار الذاتي لا نقل النماذج الجاهزة.
الإبداع: التجديد المرتبط بالتراث لا القطع معه .
ب. تطبيق المبادئ الثلاثة في السياق الإسلامي
الرشد الإسلامي:
الاستقلال عن وصاية الغرب عبر استعمار الذات (لا الاستعمار الخارجي).
الإبداع: "حداثة القيم" لا "حداثة الزمن"، عبر إعادة إنتاج التراث.
النقد الإسلامي:
التعقيل: توظيف العقل ضمن حدوده، مع الاعتراف بالغيب.
التفصيل: ربط الحداثة بالدين (لا فصل بينهما).
الشمول الإسلامي:
التوسع: جعل القيم الأخلاقية أساساً لكل المجالات.
التعميم: تحويل المواطنة إلى مؤاخاة، والتضامن إلى تراحم .
6: التطبيقات العملية
يُطبّق عبد الرحمن المبادئ على نماذج محددة:
الباب الأول: تطبيق مبدأ النقد
نظام العولمة:
نقد آفاتها:
الإخلال بمبدأ التزكية (تقديم المادة على القيم).
الإخلال بمبدأ العمل (الآلية على حساب المقصدية).
الإخلال بمبدأ التواصل (المعلومة البعيدة على المعرفة القريبة) .
العلاج: قيم الإسلام الأخلاقية.
نظام الأسرة الغربية:
تفكيك نموذجها الفرداني الذي يقوض التضامن الأسري.
الباب الثاني: تطبيق مبدأ الرشد
الترجمة الحداثية:
نقد الترجمة التقليدية (المنطقية، الدلالية).
اقتراح الترجمة التركيبية: دمج النص المترجم في السياق الثقافي الإسلامي .
القراءات الحداثية للقرآن:
نقد القراءات التي تقلد المناهج الغربية (كالفيلولوجيا) وتقطع مع التراث التفسيري.
الدعوة إلى قراءة تجمع بين النقد والإبداع الموصول بالتراث .
الباب الثالث: تطبيق مبدأ الشمول
حق المواطنة:
الارتقاء بها إلى "المؤاخاة" (علاقة أخوة لا تعاقدية).
واجب التضامن:
تحويله إلى "تراحم" (علاقة أقارب لا أجانب) .
7: إجابات على إشكالات محتملة
يختتم الكتاب بالرد على سؤال جوهري:
لماذا الحداثة الإسلامية في عصر "ما بعد الحداثة"؟
ضرورة تأصيل المفاهيم الوافدة (بما فيها ما بعد الحداثة) في المجال التداولي الإسلامي.
"ما بعد الحداثة" ليست كتلة واحدة، بل تحمل تيارات متعددة.
روح الحداثة هي الأصل المشترك بين الحداثة وما بعدها.
المشروع الإسلامي يهدف إلى الارتقاء بالفعل الحداثي، لا تكراره .
8: تأثير الكتاب وخلاصة الرؤية
أ. النتائج الكبرى للكتاب
روح الحداثة منفصلة عن تجسيدها الغربي.
لكل أمة حق إنتاج حداثتها الداخلية.
الحداثة تُبتكر ولا تُنقل .
التطبيق الإسلامي قد يسمو بالروح فوق التطبيق الغربي لارتباطه بالأخلاق.
ب. الجدل حول الكتاب
واجه الكتاب انتقادات من مفكرين رأوا في أطروحته:
مثالية في فصل "الروح" عن "الواقع".
أدلجة الحداثة برؤية إسلامية .
ج. المساهمة الفلسفية
يُعد الكتاب محاولة جريدة لتأسيس فلسفة إسلامية معاصرة قادرة على:
هضم إيجابيات الحداثة.
نقد انحرافاتها.
إنتاج نموذج أخلاقي متوازن.
"الحداثة الحقة هي حداثة قيم لا حداثة زمن" .
9: هيكل الكتاب الأساسي
الباب | المبدأ | النماذج المطبقة |
---|---|---|
الباب الأول | النقد | العولمة - الأسرة الغربية |
الباب الثاني | الرشد | الترجمة - القراءات الحداثية للقرآن |
الباب الثالث | الشمول | المواطنة - التضامن |
يظل "روح الحداثة" مرجعاً أساسياً في مشروع طه عبد الرحمن لبناء حداثة أخلاقية، تُحرر العقل من وصاية الغرب، والتراث من جمود المقلدين، وتؤسس لنهضة إسلامية معاصرة
0 تعليقات