مدينة تحترق: أيام الولدنة في عليكرة" لزياد مسرور خان

 


 "مدينة تحترق: أيام الولدنة في عليكرة" لزياد مسرور خان

 الكتاب كمرآة للهند المتشققة

يُعد كتاب "مدينة تحترق" (City on Fire) لزياد مسرور خان وثيقة إنسانية وسياسية فريدة، تسرد رحلة صبي مسلم من أحياء عليكرة الفقيرة إلى شوارع دلهي الجامعية، مُتجوِّلةً في دهاليز الذاكرة الشخصية والصراع المجتمعي. 

الصادر عن "هاربر كولينز"، لا يقدم الكتاب مجرد سيرة ذاتية، بل يشريح تحول الهند من فضاء تعددية إلى ساحة لـ"القومية الهندوسية" التي تجعل الأقلية المسلمة – البالغة 200 مليون – "أقلية غير مرئية" كما وصفها ضياء أوس سلام .

 هنا، تصبح عليكرة (مسقط رأس الكاتب) نموذجًا مصغرًا للهند "المهددة بالتقسيم بشكل كبير" .


الفصل 1: طفولة في ظلّ شظف العيش والخوف الطائفي

  • عليكرة كمسرح للهشاشة:
    يصور خان حي الطفولة المسلم في عليكرة كفضاء مُزدَحم بالتناقضات: زخم الحياة اليومية يتخلله خوف دائم من اندلاع العنف الطائفي. المباني المتلاصقة، الأزقة الضيقة، والأسر التي تعيش على الهامش الاقتصادي – كلها تفاصيل ترسم خريطة الفقر المُمنهج الذي يطال الأقلية الدينية.

  • استراتيجيات البقاء:
    يكشف الكاتب عن ممارسات مُبتكرة للنجاة، مثل بناء "طرق هروب سرية على السطوح" لتفادي الحصار أثناء أعمال الشغب . هذه التفاصيل ترمز إلى إبداع المُهمَّشين في مواجهة القمع، لكنها أيضًا تشي بتحوّل البيئة الحميمة إلى ساحة حرب محتملة.

  • الحدث التأسيسي: هجوم الغوغاء:
    في مشهد مُفزع، يسرد خان تعرُّضه في طفولته لهجوم من حشد هندوسي متطرف، حيث أُطلقت عليه ومن معه تهمة "الإرهابي الباكستاني" – التهمة ذاتها التي سمعها ابن الكاتبة ريما أحمد في أجرا

  •  . هذه الحادثة لا تمثل عنفًا جسديًّا فحسب، بل اغتيالًا رمزيًّا للانتماء الوطني للمسلمين.


الفصل 2: الرحيل إلى دلهي: الوعد الكاذب بالاندماج

  • الانتقال من الهامش إلى المركز:
    ينتقل خان إلى دلهي طلبًا للعلم، مُعتقدًا أن العاصمة ستمنحه فرصة التحرر من هوية "الآخر". لكن سرعان ما يكتشف أن الخطاب الطائفي اخترق النخب التعليمية أيضًا. الحرم الجامعي، الذي يفترض أن يكون فضاءً للتسامح، يصبح ساحة لاختبار الولاء: "هل أنت مع الهند أم مع باكستان؟".

  • التمييز الخفي والعلني:
    يواجه المسلمون في دلهي تمييزًا مُزدوجًا:

    • العلني: كالتعليقات الساخرة على أسمائهم أو لحاهم.

    • الخفي: مثل منع الفتيات الهندوسيات من البقاء في منازل مسلمة خوفًا من تهمة "جهاد الحب" – كما حدث مع عائلة ريما أحمد .
      هذه الممارسات تُظهر كيف تحوَّلت كراهية الإسلام إلى "طقس يومي" تحت حكم حزب بهاراتيا جاناتا.


الفصل 3: عام 2020 – دلهي تحترق: الذروة الرمزية للكتاب

  • أعمال الشغب: الجرح الذي لا يندمل:
    يصل السرد إلى ذروته المروعة خلال أعمال الشغب المناهضة للمسلمين في دلهي 2020، والتي شهدتها خان شخصيًا. يصف كيف تحولت الأحياء المختلطة إلى جحيم: محلات المسلمين تُنهب، مساجد تُحرق، وجثث تُرمى في المصارف. هذا المشهد ليس انفجارًا طائفيًّا عابرًا، بل تتويجًا لسنوات من "السم السياسي" الذي دسه حزب بهاراتيا جاناتا في العلاقات المجتمعية .

  • السلطة والمجتمع: تواطؤ مُريع:
    يوثق الكتاب أدلة على تواطؤ الشرطة:

    • تجاهل نداءات الاستغاثة من الأحياء المسلمة.

    • اعتقال ضحايا الهجمات بدلاً من المهاجمين.
      هذا التواطؤ الرسمي يعكس ما ذكره كتاب "ثمن سنوات مودي" لآكار باتيل عن "تآكل الحريات واستهداف المسلمين" .


الفصل 4: تحليل سياسي واجتماعي – لماذا احترقت المدينة؟

  • من "التعددية" إلى "الهندوسية":
    يرصد خان التحول التاريخي في هوية الهند:

    العهدالنموذج السياسيوضع المسلمين
    ما قبل 2014ديمقراطية علمانيةإقصاء لكن مع حماية دستورية
    عهد مودي (2014-الآن)دولة استبدادية انتخابية"مواطنون من الدرجة الثانية" 

    هذا التحول يُجسده قول هندوسي لزميل مسلم: "لا تتحدث معي، لقد طلبت مني والدتي ألا أفعل ذلك"  – إشارة إلى كيف تُورِّث الأجيال كراهية الإسلام.

  • اقتصاد الكراهية:
    العنف الطائفي ليس فقط سياسيًّا، بل له بُعد اقتصادي:

    • مقاطعة الشركات المملوكة للمسلمين.

    • "مزادات عبر الإنترنت" لنساء مسلمات .

    • منع بيع اللحوم (مصدر رزق كثير من المسلمين) بحجة حماية الأبقار.
      هذه الممارسات تُذكرنا بنقد أشوكا مودي في "إفلاس الهند" لسياسات تُعمق الانقسام .


الفصل 5: الأسلوب الأدبي – السيرة كسلاح مقاومة

  • اللغة: بين الشعرية والواقعية القاسية:
    يمتزج في الكتاب أسلوبان:

    1. سرد شاعري: يصف الأحياء والأصوات برقة، كذكرى لـ"هند ضائعة".

    2. واقعية جارحة: في وصف العنف، يستخدم لغة جافة مُفعمة بالتفاصيل الدموية، كوصف رائحة الدم في شوارع دلهي.

  • توظيف الرمزية:

    • "الربابة" (آلة موسيقية أفغانية): ترمز لتراث المسلمين المهدد، كما حدث عندما ظن راكب سيارة أن حقيبتها تحوي سلاحًا .

    • "طرق الهروب على السطوح": استعارة للبحث المستحيل عن ملاذ آمن.

  • المذكرات كتاريخ مضاد:
    في زمن تُمسح فيه معاناة المسلمين من الرواية الرسمية، يصبح هذا الكتاب "تاريخًا من الأسفل" يُوثق ما ترفض الدولة رؤيته.


 هل من أمل لإخماد النيران؟

"مدينة تحترق" ليس كتابًا عن الضحية فحسب، بل عن الصمود:

  • صمود الأفراد: مثل الأمهات اللواتي يخبئن أطفالاً في الخزانات أثناء أعمال الشغب.

  • صمود الذاكرة: رواية التجارب كشكل من أشكال المقاومة.
    لكن الأمل هنا هشّ، فكما يقول خان: "عندما يصبح المألوف وحشيًّا، لا يعود للوطن معنى". الكتاب تحذير من أن الهند قد تُحوّل نفسها إلى "دولة يهودية" جديدة – حيث الأغلبية الدينية تُحدد الهوية الوطنية.

في المشهد الأخير، يراقب خان من شرفة دلهي دخانًا يتصاعد من حي مسلم... صورةٌ لا تذكرنا بـ"عليكرة" فحسب، بل بكل مدينة هندية يمكن أن تتحول إلى جمرة تحت الرماد.


مصدر إضافي: للقارئ المهتم بالسياق الأوسع، يُوصى بقراءة:

  • "ثمن سنوات مودي" (آكار باتيل): عن تحول الهند إلى دولة استبدادية .

  • "حدود منتصف الليل" (سوشيترا فيجايان): عن معاناة المسلمين على حدود الهند

إرسال تعليق

0 تعليقات