أن تقرأ لوليتا في طهران لآذر نفيسي

 


"أن تقرأ لوليتا في طهران" لآذر نفيسي

 الأدب كملاذ للمقاومة

 سياق الكتاب وأهميته التاريخية

صدر كتاب "أن تقرأ لوليتا في طهران" عام 2003 للأكاديمية الإيرانية آذر نفيسي، ليصبح ظاهرة أدبية عالمية تُرجمت إلى 32 لغة، وبقي لأكثر من 100 أسبوع في قائمة الأكثر مبيعًا لنيويورك تايمز. يوثق الكتاب تجربة نفيسي كأستاذة للأدب الإنجليزي في إيران خلال الفترة الممتدة من الثورة الإسلامية (1978-1981) حتى مغادرتها البلاد عام 1997، مدمجًا بين السيرة الذاتية والنقد الأدبي والنقد السياسي لنظام الجمهورية الإسلامية. يقدم الكتاب رؤية حميمة لقمع الحريات الفردية، خاصةً للمرأة، ويطرح الأدب كفعل مقاومة للأنظمة الشمولية .


البنية السردية: أربعة أقسام تحاكي عوالم أدبية

قسّمت نفيسي الكتاب إلى أربعة أقسام، كل منها يرتبط بعمل أدبي ويستكشف ثيمة وجودية:

  1. "لوليتا": الضحية والسجَّان
    يركز على استقالة نفيسي من الجامعة وتأسيسها مجموعة سرية مع سبع طالبات (مهشيد، ياسي، ميترا، نسرين، آزين، سناز، مَنّا). هنا تُقرأ رواية فلاديمير نابوكوف "لوليتا" كاستعارة لقمع النظام الإيراني: فكما حوّل "همبرت" شخصية لوليتا لتناسب خياله، حوّل النظام المواطنين إلى "خيالات من صنع خياله". ترمز لوليتا إلى المرأة الإيرانية التي تُجبر على العيش ضمن قوالب مفروضة .

  2. "غاتسبي": تحطيم الأحلام الثورية
    يعود بالزمن إلى بداية الثورة الإيرانية، حيث تناقش نفيسي وطلابها رواية "غاتسبي العظيم" لفيتزجيرالد. يُحاكم الطلاب المتشددون الرواية بتهمة "الترويج للزنا"، في مشهد يرمز لصراع الأحلام: الحلم الأمريكي الذي انتهى بالخواء، مقابل الحلم الإيراني بالثورة الذي تحول إلى قمع. يقول أحد الطلاب: "هذه الرواية تمثل انحطاط الغرب!" .

  3. "جيمس": رفض اللايقين في الأنظمة الشمولية
    خلال الحرب العراقية-الإيرانية، تُطرد نفيسي من جامعة طهران لرفضها الحجاب الإجباري. في هذا القسم، تُقرأ أعمال هنري جيمس (مثل "ديزي ميلر") لاستكشاف كيف تكره الأنظمة الشمولية الغموض وتفرض "يقينًا" مطلقًا. تظهر شخصية "الساحر" (أكاديمي اعتزل الحياة العامة) كنموذج للمقاومة الصامتة .

  4. "أوستن": حرية الاختيار النسائية
    يركز على بطولات جين أوستن في "كبرياء وتحامل"، حيث تقول نفيسي: "أوستن تضع المرأة في مركز الرواية لتقول 'لا' للسلطة الأبوية". تناقش الطالبات قضايا الزواج والإسرة، مثل آزين التي تواجه زوجًا مسيئًا، ونسرين التي تخطط للهروب إلى إنجلترا .


الحدث المحوري: الصف السري كفعل تحرر

بعد استقالتها من الجامعة عام 1995، أسست نفيسي مجموعة أدبية سرية في منزلها في طهران، تجتمع كل خميس مع سبع طالبات. لم تكن هذه اللقاءات مجرد دروس أدب، بل "ملاذًا آمنًا من قسوة الواقع" . خلالها:

  • ناقشن أعمالًا محظورة مثل "مدام بوفاري" و"ألف ليلة وليلة"، وحللنها عبر منظور معاناتهن اليومية.

  • تحدين القيود المفروضة: خلعن الحجاب داخل الغرفة، ورقصن، وتحدثن بحرية عن أجسادهن ومشاعرهن.

  • استخدمن الأدب لفك شيفرة القمع: "كيف لحصاة عادية أن تصير جوهرةً إذا نظرنا إليها بعين الأدب!" .

رمزية العنوان: لوليتا ليست مجرد شخصية، بل هي أي امرأة إيرانية تُجبر على العيش كـ"ضحية" في سردية النظام، مثلما أعاد هامبرت اختراع لوليتا لتناسب رغباته .


الموضوعات المركزية: الأدب والحقيقة والحرية

  1. الأدب ككاشف للحقيقة: تؤكد نفيسي أن الأدب العظيم "يكشف الحقيقة" عبر تعريته للعلاقات السلطوية. ففي "لوليتا"، يكشف نابوكوف كيف يمحو المغتصب تاريخ ضحيته، كما محى النظام الإيراني تاريخ إيران العلماني لصالح سرديته الدينية .

  2. المقاومة عبر التخيل: تصف الغرفة السرية كـ"فضاء للحرية" حيث يتحول الأدب إلى سلاح. تقول إحدى الطالبات: "اخترعنا لغة سرية مشفرة لنعبّر عما بداخلنا" . حتى الرقص الإيراني الذي تؤديه "ساناز" في أحد اللقاءات يصير فعلًا تحدّيًا .

  3. العمى الأيديولوجي: تربط نفيسي بين شخصيات الروايات (مثل هامبرت في "لوليتا" أو دارسي في "كبرياء وتحامل") والمتعصبين الدينيين: جميعهم "يعمون عن مشاكل الآخرين". فـ"الجلاد" في نظرها ليس من يقتل الجسد فقط، بل من يقتل القدرة على التعاطف .

  4. المرأة كرمز للمقاومة: تُظهر الطالبات السبع تنوعًا اجتماعيًا (من المحافظات إلى العلمانيات)، لكنهن يشتركن في الرفض. نسرين، التي سُجنت وتعذبت، تقول: "السجن علمني أن أقول 'لا' حتى لو كنت وحيدة" .


الجدل النقدي: بين التمجيد والاتهام

واجه الكتاب انتقادات حادة:

  • اتهام بالتغريب: وصفه المفكر حميد دبشي في كتابه "بشرة سمراء، أقنعة بيضاء" بأنه "أداة لشيطنة الإسلام"، واتهم نفيسي بتجاهل النضالات المحلية الإيرانية وتمجيد الغرب كـ"منقذ وحيد" .

  • تسييس الأدب: رأى نقاد أن الربط المباشر بين "لوليتا" والنظام الإيراني يُختزل تعقيد الواقع، خاصة أن الرواية نفسها تتناول استغلال قاصر .

  • فيلم 2024: تبسيط السرد: عند تحويل الكتاب لفيلم بإخراج إسرائيلي، اتُهم بتقديم صورة كاريكاتورية للقمع، وإغفال تعقيدات المجتمع الإيراني. كما أثير جدل حول تعاون ممثلات إيرانيات مع مخرج من "دولة معادية" .


الإرث الثقافي: لماذا يظل الكتاب مؤثرًا؟

  1. وثيقة تاريخية: يسجل تحول إيران من مجتمع منفتح في السبعينيات إلى دولة ثيوقراطية، مثل منع الموسيقى، وخفض سن الزواج إلى 9 سنوات، والإعدام العلني للمعارضين .

  2. بيان أدبي: يثبت أن الأدب ليس ترفًا، بل "ضرورة للبقاء" في ظل الأنظمة القمعية. المجموعة السرية لم تكن تقرأ الكتب فقط، بل كانت "تختبر الحياة بكل جمالها" .

  3. تأثير متجدد: خلال حركة "امرأة، حياة، حرية" (2022)، أصبح الكتاب مرجعًا لفهم جذور الاحتجاج الإيراني. إحدى المشاركات في الحركة كتبت: "نحن لوليتا طهران اليوم" .

مقولة محورية: "هذا بلد يؤوِّل كل إيماءة تأويلًا سياسيًا... حتى ألوان إيشاربي وربطة عنق أبي تمثل رموزًا للانحلال الغربي!" .


الأدب كفعل مقاومة خلّاق

"أن تقرأ لوليتا في طهران" ليس مجرد سيرة، بل بيانٌ عن قوة الخيال في مواجهة القمع. عبر 576 صفحة، تثبت آذر نفيسي أن الكتب كانت "جيوب حرية" صغيرة في زمن السجون، وأن التحليل الأدبي كان وسيلة لفك شيفرة الاستبداد. رغم الانتقادات، يظل العمل شهادة إنسانية على أن الجمال والفن هما أقوى أسلحة الروح في ظل الأنظمة التي تسعى لتحويل البشر إلى "ظلال في خيال الطغاة". كما تكتب: "في غرفتنا السرية، اكتشفنا أننا بشر نستحق التنفس

إرسال تعليق

0 تعليقات