"الأشباح" (Les Furtifs) - ألان داماسيو
رؤية نقدية للعوالم المستقبلية والتحول الإنساني
العمل والإطار الزمني
صدرت رواية "الأشباح"(الخفيات) (Les Furtifs) للكاتب الفرنسي ألان داماسيو في 15 يونيو 2019 عن دار "VOLTE/Educa Books"، وهي عمل ضخم يصل إلى 687 صفحة باللغة الفرنسي
ة. حظيت الرواية بتقدير نقدي كبير حيث نالت جائزة "كتاب العام 2019" من مجلة "Lire" الأدبية المرموقة، وبيعت منها أكثر من 100,000 نسخة في فترة قصيرة، مما يؤكد تأثير داماسيو البارز في مجال الأدب الفرانكوفوني والخيال العلمي .
تُعد هذه الرواية الثالثة في مسيرة داماسيو بعد نجاحاته السابقة مثل "هورد دو كونترفان" (بيع منها 300,000 نسخة) .
الشخصيات الأساسية والصراع المركزي
لوركا فارس: عالم اجتماع يعمل في مجتمعات الحكم الذاتي، يرفض تصديق اختفاء ابنته نهائيًا وينخرط في وحدة عسكرية سرية لملاحقة "الخفيات" .
ساهر: زوجة لوركا ومُدرسة شارع للأطفال المهمشين بعد انهيار النظام التعليمي، تتعثر في قبول الفقد وتحاول دون جدوى إكمال حدادها .
تيشكا: الابنة البالغة من العمر أربع سنوات التي تختفي فجأة، لتصبح حافز الصراع الرئيسي ورمزًا للعلاقة بين عالم البشر وعالم الخفيات .
الخفيات (Les Furtifs): كائنات غير بشرية تعيش في "زوايا العمى البصري للإنسان"، تتسم بمرونة جسدية وصوتية فائقة، وتتميز بقدرتها على التمويه والتحول من خلال تمثيل المواد المحيطة (نباتات، حجارة، نفايات) .
العالم الديستوبي: رؤية نقدية للمستقبل
تبني الرواية عالماً مستقبلياً قريباً تسيطر فيه الشركات متعددة الجنسيات على المدن، حيث:
تُقسّم المناطق الحضرية إلى "مناطق قياسية" و"مناطق مميزة" و"مناطق خاصة" وفقًا للاشتراكات المدفوعة ("حزمة المواطن") .
يرتدي كل فرد خاتمًا ذكياً يعمل كواجهة رقمية تربطه بالعالم، ويخلق "آخر رقمي" (Alter ego) على شكل ذكاء اصطناعي شخصي، يجمع احتياجات المستخدم ويوجه انتباهه .
ينتقد داماسيو من خلال هذا النظام ظاهرة "اقتصاد الانتباه" و"الرأسمالية الإدراكية"، حيث يصبح التتبع الرقمي شاملاً تحت شعار الحرية، مما يؤدي إلى "استلاب ذاتي موافق عليه" .
البيولوجيا والرمزية
طبيعة وجودهم: مخلوقات مكونة من لحم وصوت، ذات قدرات استقلابية خارقة تتيح لها استهلاك الحجر والنباتات والحيوانات وحتى المخلفات لتغذية تحولاتها المتواصلة .
الضعف والإدراك: تولد الخفيات من "نشوة موسيقية أساسية" تُعرف باسم "الرعشة" (Frisson)، وتتميز بحساسية قصوى للرؤية البشرية؛ إذ أن مجرد رؤيتها يؤدي إلى تجميدها وتحولها إلى حجر .
الأبعاد الرمزية: تمثل الخفيات الطبيعة المهمَشة، والمقاومة غير المرئية ضد النظام الرأسمالي، والتحرر من القيود المادية والتقنية. وجودهم يشكل تحدياً لمفهوم الرؤية والسيطرة الذي تقوم عليه الحضارة البشرية .
البحث والتحول
الاختفاء والانقسام: يبدأ الحدث المحوري باختفاء تيشكا، مما يؤدي إلى انهيار عائلة فارس وتباين ردود فعل الوالدين: ساهر تستسلم للحزن بينما يتحول لوركا إلى هاجس البحث .
الانضمام إلى الصيادين: ينضم لوركا إلى وحدة عسكرية سرية مهمتها اصطياد الخفيات، وهناك يتعلم تدريجياً كيفية فهم بيولوجيتهم الغريبة، خصوصاً علاقتهم بالموسيقى والرؤية .
التحول الروحي: يتعلم لوركا من الخفيات كيفية "ترويض قوة الحياة"، متخلياً عن عدوانية الصيد لصالح التعايش مع هذه الكائنات، مما يجعله يستعيد شيئاً من إنسانيته المفقودة في المجتمع التكنوقراطي .
البحث عن تيشكا: تقوده رحلته إلى أطراف المجتمع حيث يُواجه عدواً خفياً وحكومة قمعية، لكنه يظل متمسكاً بالأمل في أن ابنته حية، وربما متحولة إلى حالة "خفية" .
الأبعاد الفلسفية والاجتماعية
نقد الرأسمالية المتقدمة: يصور داماسيو عالماً أصبحت فيه الشركات هي الحكومات، والعلاقات الإنسانية تُختزل إلى تبادل تجاري تحت شعارات الرفاهية الرقمية .
اقتصاد الانتباه: يُظهر الخاتم الذكي كيف يصبح الانتباه البشري سلعةً تُستنزف عبر التدفق المعلوماتي، مما يخلق فرداً منفعلاً رغم ادعاء التحرر .
المقاومة عبر التخفي: تمثل الخفيات نموذجاً لمقاومة الرؤية = السيطرة، حيث تفلت من منطق المراقبة بالتخفي والتحول، مشيرة إلى إمكانيات التحرر خارج الأطر المؤسسية .
الجسد والتحول: تطرح الرواية إمكانية تجاوز الحدود البيولوجية عبر محاكاة الخفيات، حيث يصبح الجسد كائناً سيالاً قادراً على التكيف مع البيئة - نقيضاً للجمود التكنولوجي البشري .
الأسلوب الأدبي والبناء الروائي
اللغة الصوتية: ابتكر داماسيو خطاً طباعياً خاصاً (exclusive typeface) للإشارة إلى شخصيات الخفيات في النص، داعياً القراء لاستخدام "الخط الأصلي" في الأجهزة الإلكترونية لتجربة قراءة متكاملة .
البناء الموسيقي: تستخدم الرواية الإيقاع الصوتي كجزء من بنائها السردي، لا سيما عبر مفهوم "الرعشة" كمولد للخفيات وكأداة سردية تعكس تحولات الشخصيات .
التراكيب السردية: تدمج الرواية بين السرد التقليدي والمونولوج الداخلي والحوارات الفلسفية المطولة، مما خلق آراء متباينة بين القراء؛ حيث رأى البعض في هذه التفاصيل تعمقاً غنياً، بينما اعتبرها آخرون إطالة غير ضرورية .
الجوائز والاستقبال النقدي
حظيت الرواية بتفاعل نقدي لافت:
الإشادة: أشاد النقاد بالخيال الاجتماعي والسياسي الغني، واعتبروها عملاً يقدم "تجربة حسية كاملة" تُثري القارئ عند التفاعل مع تعقيداتها .
التحفظات: انتقد بعض القراء الطول المفرط للرواية، خصوصاً في المشاهد الحوارية والمونولوجات الداخلية التي رأوها معيقة للإيقاع السردي .
التأثير: يُنظر إليها كاستمرار لمسيرة داماسيو في تجديد الخيال العلمي الفرانكفوني، حيث تدمج بين النقد الاجتماعي الحاد والابتكار الأدبي، كما في أعماله السابقة مثل "La Zone du Dehors" .
الخاتمة: بين الخيال العلمي والتحذير الواقعي
"الخفيات" ليست مجرد رواية عن مخلوقات غريبة، بل هي مرآة لمخاوف العصر الرقمي:
تحذر من عوالم تُصبح فيها الحرية مرادفاً للتتبع، والرفاهية غطاءً للاستغلال.
تطرح أسئلة جوهرية عن الحدود بين الإنسان والطبيعة، وعن إمكانية التحرر عبر التكيّف بدلاً من الهيمنة.
تبقى تيشكا -الابنة المختفية- رمزاً لذلك الوجود الهجين الذي يتخطى الثنائيات: مرئي/خفي، بشري/طبيعي، واقعي/متخيل.
"هم بيننا، أينما نظرت، يتحركون في الزوايا الميتة للبصر البشري" - هذه العبارة التمهيدية تلخص جوهر الرواية: البحث عما ترفض عين السيطرة رؤيته، واستعادة الإنسانية عبر الاعتراف بوجود آخر يتحدى منطق الهيمنة.
تؤسس "الخفيات" لداماسيو كواحد من أهم أصوات الأدب النقدي الفرانكفوني المعاصر، القادر على تحويل الخيال العلمي إلى أداة تشريح اجتماعي وفلسفي
ملحوظه هامه :
تم إستخدام "الأشباح" بدلا من "الخفيات" لتقريب المعني للقارئ بالعربية
0 تعليقات