"كوميديا الأخطاء" لوليام شكسبير
(The Comedy of Errors) واحدة من أوائل مسرحيات ويليام شكسبير الكوميدية، والأقصر بينها، لكنها تقدم عالماً من الفوضى المضحكة والالتباسات المتسارعة النابعة من وجود توأمين منفصلين منذ الصغر وخدميهما المتطابقين أيضاً.
تدور أحداث المسرحية في مدينة إفسوس اليونانية القديمة خلال يوم واحد حافل بالأخطاء الهزلية.
الشخصيات :
إيجون (Egeon): تاجر مسن من سيراكيوز (سرقوسة)، أبو التوأمين أنتيبولوس. يقبع في سجن إفسوس يواجه حكم الإعدام بسبب قدومه من مدينة معادية.
أنتيبولوس السيراكوزي (Antipholus of Syracuse): أحد التوأمين، ابن إيجون. وصل إلى إفسوس للبحث عن أخيه المفقود. خادمه هو دروميو السيراكوزي.
أنتيبولوس الإفسوسي (Antipholus of Ephesus): التوأم الآخر، ابن إيجون. يعيش في إفسوس منذ أن انفصل عن أخيه وأبيه في حادث بحري. متزوج من أدريانا. خادمه هو دروميو الإفسوسي.
دروميو السيراكوزي (Dromio of Syracuse): خادم أنتيبولوس السيراكوزي، وتوأم دروميو الإفسوسي.
دروميو الإفسوسي (Dromio of Ephesus): خادم أنتيبولوس الإفسوسي، وتوأم دروميو السيراكوزي.
أدريانا (Adriana): زوجة أنتيبولوس الإفسوسي. امرأة غيورة وعصبية.
لوسيانا (Luciana): أخت أدريانا الصغرى. عاقلة وهادئة، توقع في حب أنتيبولوس السيراكوزي.
الدوق سولينوس (Duke Solinus): حاكم إفسوس. يتعاطف مع إيجون لكنه ملتزم بالقانون.
إيميليا (Emilia): زوجة إيجون المفقودة منذ الحادث البحري، وأم التوأمين. أصبحت رئيسة دير في إفسوس.
أنجيلو (Angelo): صائغ يصنع سلسلة لأنتيبولوس الإفسوسي.
الكورتيزان (Courtesan): امرأة تقيم علاقة مع أنتيبولوس الإفسوسي.
الحبكة :
المشهد الافتتاحي :
يظهر إيجون المسن أمام الدوق سولينوس في إفسوس. بسبب العداء بين إفسوس وسيراكيوز، حُكم على إيجون بالإعدام ما لم يدفع فدية باهظة بحلول المساء.
يروي إيجون قصته المأساوية للدوق طلباً للرحمة: منذ سنوات، في أثناء رحلة بحرية مع زوجته إيميليا وتوأميهما الرضيعين (أنتيبولوس وأنتيبولوس) وخادميهما التوأمين (دروميو ودروميو)، تعرضت السفينة لعاصفة عنيفة.
أنقذ إيجون أحد التوأمين الابن (أنتيبولوس السيراكوزي) وأحد الخادمين (دروميو السيراكوزي) على لوح خشبي. أنقذ آخرون التوأم الآخر الابن (أنتيبولوس الإفسوسي) والخادم الآخر (دروميو الإفسوسي)، بينما فقدت زوجته إيميليا.
كبر الابنان وخادماهما دون أن يعرف أحد عن الآخر. عندما بلغ أنتيبولوس السيراكوزي الثامنة عشرة، انطلق مع خادمه دروميو للبحث عن أخيه المفقود. بعد خمس سنوات من عدم العثور على أثر، قرر إيجون نفسه البحث عن أبنائه، قادماً أخيراً إلى إفسوس حيث وقع في الأسر.
يمنحه الدوق مهلة حتى المساء لإيجاد المال.
بداية الأخطاء :
يصل أنتيبولوس السيراكوزي وخادمه دروميو السيراكوزي إلى إفسوس، غريبين عنها. يحذر أنتيبولوس خادمه من مغبة الضياع في هذه المدينة المعروفة بالسحر والشعوذة، ويأمره بإيداع أمواله في مكان آمن.
يلتقي دروميو الإفسوسي (الخادم الآخر) بـ أنتيبولوس السيراكوزي (سيد أخيه التوأم) ويخطئ في التعرف عليه، معتقداً أنه سيده. ينقل له رسالة من زوجته أدريانا تدعوه لتناول الغداء في البيت، محذراً إياه من غضبها إذا تأخر.
أنتيبولوس السيراكوزي، المندهش والغاضب من كلام "خادمه" (الذي يعتقد أنه دروميو السيراكوزي) عن زواج لا يعرفه، يسأله عن الأموال التي أودعها. دروميو الإفسوسي لا يعرف شيئاً عن الأموال، مما يزيد غضب أنتيبولوس السيراكوزي الذي يضربه.
يذهب دروميو الإفسوسي خائفاً ليخبر سيدته أدريانا بأن "سيدها" رفض المجيء بل وضربه!
الالتباس يصل إلى البيت :
تندلع أدريانا غضباً من سماع رفض زوجها المجيء واعتدائه على الخادم. تتحدث مع أختها لوسيانا عن إهمال زوجها لها وتشكها في خيانته.
بينما يتجول أنتيبولوس السيراكوزي ودروميو السيراكوزي (الذي عاد بعد إيداع المال) حائرين من سلوك "الخادم" الغريب، تقابلهما أدريانا ولوسيانا.
أدريانا تخطئ تماماً في التعرف، فتعتقد أن أنتيبولوس السيراكوزي هو زوجها أنتيبولوس الإفسوسي. تلومه بعنف على إهماله وتغيّبه عن البيت وتطلب منه العودة لتناول الطعام. رغم إنكاره المتكرر أنه زوجها، وإصراره أنه لم يسبق له رؤيتها، إلا أن إصرارها وقصتها المفصلة تدفعان أنتيبولوس السيراكوزي، الذي بدأ يشك في سحر المدينة، لقبول الدعوة بدافع الفضول أو الخوف من السحر.
في البيت، يُطرد دروميو السيراكوزي من الباب بواسطة الطبّاخة السمينة "نيل" (التي يُفترض أنها خطيبة دروميو الإفسوسي)، مما يزيد حيرته. يتناول أنتيبولوس السيراكوزي ودروميو السيراكوزي الغداء مع أدريانا ولوسيانا.
خلال الغداء، تقع عينا أنتيبولوس السيراكوزي في حب لوسيانا الهادئة العاقلة، ويصارحها بحبه، مما يثير استياءها (لأنها تعتقد أنه صهرها المتزوج).
الارتباك في الخارج:
يعود أنتيبولوس الإفسوسي الحقيقي مع خادمه دروميو الإفسوسي إلى بيته لتناول الغداء متأخراً قليلاً.
يفاجأ بأن الأبواب موصدة في وجهه! لوسيانا وأدريانا (اللتان تعتقدان أن "الزوج" بداخلهما) تأمران الخدم بعدم فتح الباب له، معتقدتين أنه يمزح أو أنه مخمور بعد أن تناول الغداء معهما للتو! حتى الخادمة "نيل" توبخ دروميو الإفسوسي من النافذة لـ"ضربه" إياها سابقاً (في إشارة لضرب أنتيبولوس السيراكوزي لدروميو الإفسوسي).
يغضب أنتيبولوس الإفسوسي بشدة من هذا "الاستهزاء" به في بيته أمام خادمه وأمام صديقه بالتازار.
قرر أنتيبولوس الإفسوسي الانتقام. يذهب مع دروميو الإفسوسي إلى منزل الكورتيزان لتناول الغداء. وفي طريقه، يلتقي بالصائغ أنجيلو الذي يعطيه سلسلة ذهبية صنعها له بطلب منه سابقاً (لكن الطلب الحقيقي كان من أنتيبولوس السيراكوزي، الذي التبس على أنجيلو بأنه أنتيبولوس الإفسوسي!). يقبل أنتيبولوس الإفسوسي السلسلة بفرح، ويدعو أنجيلو لتناول العشاء في منزل الكورتيزان ليدفع له ثمنها لاحقاً.
بعد الغداء، يرسل أنتيبولوس الإفسوسي دروميو الإفسوسي إلى البيت لتحصيل بعض المال ليدفع به للصائغ أنجيلو.
التباسات المال :
يصل دروميو الإفسوسي إلى البيت، لكنه يجد بداخله أنتيبولوس السيراكوزي ودروميو السيراكوزي (اللذان انتهيا للتو من الغداء). يسلم دروميو الإفسوسي حقيبة المال لـأنتيبولوس السيراكوزي (معتقداً أنه سيده أنتيبولوس الإفسوسي) حسب طلبه.
أنتيبولوس السيراكوزي، الذي لم يطلب المال، يعتقد أن هذا جزء من سحر المدينة أو مزحة مستمرة. يأخذ المال ويقرر مغادرة إفسوس فوراً مع خادمه قبل أن يجنّ من الارتباك.
في هذه الأثناء، يطالب أنجيلو أنتيبولوس الإفسوسي بثمن السلسلة. ينكر أنتيبولوس الإفسوسي (الحقيقي) استلام أي سلسلة! يتشاجران، ويستدعي أنجيلو الحراس لاعتقال أنتيبولوس الإفسوسي بسبب الدَين.
يصل دروميو السيراكوزي (الذي أرسله سيده أنتيبولوس السيراكوزي ليهيئ مركباً للهروب) إلى المشهد. يخطئ أنتيبولوس الإفسوسي في التعرف عليه، معتقداً أنه خادمه دروميو الإفسوسي، ويأمره بالذهاب إلى البيت لتحصيل المال لفك أسره.
يذهب دروميو السيراكوزي إلى بيت أدريانا (معتقداً أن سيده أنتيبولوس السيراكوزي قد أُسر لسبب ما) ويطلب المال لإنقاذه. تخاف أدريانا ولوسيانا من أن يكون "الزوج" (أنتيبولوس السيراكوزي) قد أصيب بالجنون حقاً. تعطي أدريانا المال لدروميو السيراكوزي.
يصل دروميو السيراكوزي بالمبلغ إلى مكان اعتقال أنتيبولوس الإفسوسي (معتقداً أنه سيده). لكن أنتيبولوس الإفسوسي، الذي لم يرسل دروميو السيراكوزي أصلاً، ويرى أن "خادمه" عاد دون المال (الذي أعطته أدريانا لدروميو السيراكوزي لإنقاذ أنتيبولوس السيراكوزي)، يغضب بشدة ويضربه.
تدخل أدريانا ولوسيانا ومعهما طبيب شعوذة (د. بينش) بناءً على اعتقادهما أن الزوج مجنون. يأمر د. بينش بربط أنتيبولوس الإفسوسي (المظلوم) وحبسه في الدير (بيت إيميليا).
مطاردة :
بينما يحاول أنتيبولوس السيراكوزي ودروميو السيراكوزي الهرب، تقابلهما أدريانا ومرافقوها. تظن أدريانا أنه زوجها "الهارب" من بيت الدير! يأمر الحراس بقيادة د. بينش بالقبض عليهما أيضاً بتهمة الهروب من "العلاج".
يلجأ التوأمان وخدماهما إلى الدير (الذي تديره إيميليا المجهولة الهوية) هرباً من المطاردين.
تصل أدريانا ومرافقوها (بمن فيهم الدوق الذي كان متوجهاً لتنفيذ حكم إعدام إيجون) إلى باب الدير، وتطالب رئيسة الدير (إيميليا) بتسليم "زوجها المجنون".
العرفان :
تخرج رئيسة الدير (إيميليا) وتوبخ أدريانا على اتهامها زوجها بالجنون، وتشير إلى أن غضبها وغيّرتها ربما تسببا في تصرفاته "الغريبة". ترفض تسليمه.
في ذروة الجدل، يظهر إيجون مع الحراس، مستعداً للموت. فجأة، يرى أنتيبولوس السيراكوزي ودروميو السيراكوزي (اللذان خرجا من الدير) ويظن للوهلة الأولى أنهما ابنه وخادمه القادمان من سيراكيوز.
يتدخل الدوق ويذكر إيجون بقصته عن التوأمين. ثم يخرج أنتيبولوس الإفسوسي ودروميو الإفسوسي من الدير أيضاً.
تقف الأربعة المتطابقة أمام الجميع: أنتيبولوس السيراكوزي، أنتيبولوس الإفسوسي، دروميو السيراكوزي، دروميو الإفسوسي.
وهكذا يبدأ الحل:
يتعرف التوأمان السيدان على بعضهما، وكذلك الخادمان.
تتعرف إيميليا (رئيسة الدير) على زوجها إيجون، وتكشف أنها هي الزوجة المفقودة التي أنقذت التوأم الآخر وخادمه ونشأتهما في إفسوس.
يتضح مصدر كل الالتباسات: وجود توأمين سادة وتوأمين خدام متطابقين في المدينة نفسها دون علم بعضهم ببعض.
تبرأ ساحة أنتيبولوس الإفسوسي من تهمة عدم دفع ثمن السلسلة (حيث اتضح أن من استلمها هو أنتيبولوس السيراكوزي).
يعفو الدوق عن إيجون فوراً.
ينتهي الأمر بلمّ شمل العائلة: إيجون وإيميليا، التوأمان السيدان، التوأمان الخادمان.
يعترف أنتيبولوس السيراكوزي بحبه لـلوسيانا، وتوافق لوسيانا الآن بعد أن عرفت حقيقته.
تطلب أدريانا الصفح من زوجها الحقيقي أنتيبولوس الإفسوسي، ويبدو أن العلاقة بينهما ستعود إلى طبيعتها.
يقرر الخادمان التوأمان (الدروميوهات) البقاء مع سيديهما الأصليين، لكنهم يتساءلون بمزح عن أيهما الأكبر ليحدد من يخدم من!
القصه الرئيسية:
الهوية والالتباس: جوهر المسرحية. كيف تُفقد الهوية وتختلط مع وجود التطابق؟ كيف يؤثر الخطأ في التعرف على العلاقات والسلوك؟
الجنون والفوضى: الأخطاء المتتالية تخلق جوًا من الفوضى والفنتازيا تشعر الشخصيات (خاصة أنتيبولوس السيراكوزي ودروميو السيراكوزي) وكأنهم في حلم أو تحت سحر، أو أنهم فقدوا عقولهم.
لمّ الشمل والمصادفة: رغم الفوضى، تؤدي المصادفات المحضة (وصول إيجون والابن الآخر في نفس اليوم) إلى لمّ شمل العائلة المفقودة لسنوات، وهو حل مفعم بالعاطفة.
الزواج والعلاقات: تقدم المسرحية نظرة ناقدة أحياناً للزواج من خلال شخصية أدريانا الغيورة والمتشككة، ونموذجاً أكثر هدوءاً وعقلانية من خلال لوسيانا. كما تظهر العلاقة المضطربة بين أنتيبولوس الإفسوسي والكورتيزان.
العبودية والصداقة: العلاقة بين السادة والخدم (الدروميوهات) هي مزيج من الخضوع والمزاح الأخوي. معاناة الخدم من الضرب بسبب الأخطاء تبرز قسوة نظام العبودية لكن في إطار كوميدي.
الضياع والبحث: الجميع في حالة بحث: إيجون عن أبنائه، أنتيبولوس السيراكوزي عن أخيه، أدريانا عن انتباه زوجها، الجميع عن الحقيقة والهوية الضائعة.
عناصر الكوميديا:
الكوميديا البدنية: الضرب المتكرر للخدم (خاصة الدروميوهات)، إغلاق الأبواب في الوجوه، المطاردة.
كوميديا الموقف (الارتباك): الالتباسات المتسارعة والمتراكمة التي تصل لحد الجنون.
التلاعب اللفظي: الحوارات الذكية والسريعة، خاصة بين السادة وخدمهم.
المبالغة: غيرة أدريانا المفرطة، ارتباك الشخصيات المبالغ فيه.
التنكر والهوية المضاعفة: وجود التوائم هو أساس كل الكوميديا.
الحل السعيد: لمّ الشمل، العفو، الزواج (المتوقع بين أنتيبولوس السيراكوزي ولوسيانا)، واستعادة النظام.
الخاتمة:
هي عمل مبكر لشكسبير يعتمد على كوميديا الموقف والارتباك الناتج عن التطابق في الهوية، مستلهماً بشكل رئيسي من مسرحية "المينخمي" للكاتب الروماني بلوتوس.
رغم بساطة حبكتها مقارنة بمسرحيات شكسبير الناضجة، إلا أنها تقدم عروضاً كوميدية سريعة الإيقاع وفعالة، وتستكشف بذكاء مواضيع الهوية والجنون والعائلة.
تنتهي المسرحية كما تبدأ، بالتركيز على لمّ الشمل العائلي بعد يوم من الفوضى الهزلية غير المسبوقة، مؤكدة على قوة المصادفة والمغفرة والحب في إعادة التوازن إلى العالم المضطرب
0 تعليقات