"السيدان الفيرونيان" لوليم شكسبير
(The Two Gentlemen of Verona) هي إحدى أقدم مسرحيات وليم شكسبير الكوميدية، يُعتقد أنها كُتبت بين عامي 1590 و1594.
تُعتبر نموذجاً أولياً لكثير من العناصر التي ستظهر لاحقاً في كوميديات شكسبير الناضجة: الحب من النظرة الأولى، الفتيات متنكرات بزي غلمان، الصداقة المتعارضة مع الحب، الهروب إلى الغابة، والمصالحة النهائية.
رغم بساطة حبكتها مقارنة بمسرحياته اللاحقة، فهي تطرح أسئلة عميقة حول الولاء، الثقة، الغيرة، وطبيعة الحب والصداقة.
الشخصيات الرئيسية:
فالنتين (Valentine): السيد الأول من فيرونا، نبيل شاب، صادق، مخلص، مثالي (أحياناً بشكل ساذج)، يقع في حب سيلفيا.
بروتيوس (Proteus): السيد الثاني من فيرونا، الصديق الحميم لفالنتين، متقلب المشاعر (اسمه مشتق من "Protean" أي متغير الشكل)، يخون الصداقة والحب تحت سيطرة هواه.
سيلفيا (Silvia): ابنة دوق ميلانو، جميلة، ذكية، حازمة، مطلوبة من قبل ثيريو والدها، لكنها تحب فالنتين.
جوليا (Julia): سيدة شابة من فيرونا، تحب بروتيوس بصدق وإخلاص، تتنكر بزي غلام (سيباستيان) لمتابعته إلى ميلانو، تتحمل الألم بصبر.
الدوق (Duke of Milan): والد سيلفيا، سلطوي، يصر على زواج ابنته من ثيريو.
ثيريو (Thurio): خاطب غني لكن أحمق، يختاره الدوق زوجاً لسيلفيا. يفتقر إلى الذكاء والجاذبية.
لاونس (Launce): خادم بروتيوس البطيء الطيب القلب، مصدر رئيسي للكوميديا (خاصة مع كلبه كراب).
سبيد (Speed): خادم فالنتين الذكي والسريع الكلام، مصدر آخر للكوميديا.
بانثينو (Pantino): خادم والد بروتيوس، يحث ابن سيده على السفر.
إجلامور (Eglamour): فارس مسن يساعد سيلفيا في هروبها.
هوست (Host): صاحب نزل حيث تنزل جوليا (متنكرة).
فرقة من اللصوص (Outlaws): يعترضون طريق فالنتين في الغابة، وينتخبونه قائداً لهم.
بداية المشاعر
المشهد الأول (فيرونا - حديقة): يودع فالنتين صديقه بروتيوس الذي يفضل البقاء في فيرونا مع حبيبته جوليا. فالنتين يسخر من الحب ويعتزم السفر إلى ميلانو لطلب المجد في بلاط الدوق. بروتيوس يعترف بحبه لجوليا. يتناقش الخادمان سبيد ولاونس (الذي يتحدث كثيراً عن كلبه كراب) حول أسيادهما.
المشهد الثاني (فيرونا - بيت جوليا): جوليا تتحدث مع خادمتها لوسيتا عن خطاب حب تلقته من بروتيوس. تظهر تردداً وتظهر عدم اكتراث، لكن لوسيتا تدرك عمق مشاعرها. جوليا تمزق الخطاب غضباً ثم تندم وتجمع القطع وتقبلها.
المشهد الثالث (فيرونا - بيت أنطونيو): والد بروتيوس (أنطونيو) وخادمه بانثينو يتحدثان. أنطونيو يقرر إرسال ابنه إلى ميلانو ليلحق بفالنتين ويختبر الدنيا. بروتيوس، الذي كان يتوق للبقاء مع جوليا، يُجبر على الطاعة.
الحب الجديد
المشهد الأول (ميلانو - بلاط الدوق): فالنتين يخبر خادمه سبيد أنه وقع في حب سيلفيا، ابنة الدوق. سبيد يسخر بروح الدعابة من تحول سيده من ساخر من الحب إلى عاشق متيم. بروتيوس يصل إلى ميلانو ويقدمه فالنتين بحماس إلى الدوق وسيلفيا.
المشهد الثاني (فيرونا - بيت جوليا): جوليا وحيدة وحزينة بعد رحيل بروتيوس. تقرر مع لوسيتا التنكر بزي غلام (تتخذ اسم سيباستيان) والسفر إلى ميلانو لترى حبيبها.
المشهد الثالث (طريق إلى ميلانو): لاونس يودع عائلته بطريقة كوميدية مؤثرة، ملقياً باللوم على كلبه كراب لعدم ذرف الدموع! يرافقه جوليا متنكرة.
المشهد الرابع (ميلانو - بلاط الدوق): فالنتين يخبر بروتيوس أن الدوق يخطط لتزويج سيلفيا من الثري الأحمق ثيريو. بروتيوس يعترف في سوليلوكو (حديث جانبي) بأنه وقع هو الآخر في حب سيلفيا بمجرد رؤيتها، متناسياً جوليا تماماً. تتضارب في داخله مشاعر الصداقة والحب الجديد. يقرر خيانة صديقه. عندما تظهر سيلفيا، يغازلها بروتيوس سراً ويذم فالنتين. سيلفيا ترفضه وتعلن حبها لفالنتين. سبيد ولاونس (الذي وصل مع جوليا متنكرة) يتحدثان. سبيد يلاحظ غرابة "الغلام" الجديد (جوليا).
المشهد الخامس (ميلانو - شارع): سبيد يخبر فالنتين بأن سيلفيا تريده أن يأتي إليها ليلاً بواسطة سلم حبل. فالنتين مسرور.
المشهد السادس (ميلانو - بلاط الدوق): بروتيوس، مسلوب الإرادة بجمال سيلفيا، يقرر خيانة صديقه فالنتين للفوز بها. يذهب ليفشي خطط الهروب للدوق.
الخيانة والطرد والتنكر
المشهد الأول (ميلانو - بلاط الدوق): الدوق وثيريو وبروتيوس يتحدثون. بروتيوس يخبر الدوق عن خطة فالنتين لخطف سيلفيا باستخدام سلم حبل. الدوق يضع فالنتين في فخ، يكتشف السلم المخبأ تحت معطفه، وينفيه فوراً من ميلانو. فالنتين المحطم يودع سيلفيا بحزن. بروتيوس وثيريو يتنافسان على كسب ود سيلفيا، لكنها ترفضهما وتحتقر خيانة بروتيوس.
المشهد الثاني (ميلانو - بلاط الدوق): بروتيوس، بعد أن تخلص من فالنتين، ينصح الدوق وثيريو بوسائل لكسب قلب سيلفيا، ناصحاً ثيريو بغناء أغاني حزينة تحت نافذتها. هدفه الحقيقي هو إظهار تفاهة ثيريو وإبراز نفسه.
المشهد الثالث (ميلانو - طريق): فالنتين المنفي يغادر ميلانو مع سبيد. يقابلهما فرقة من اللصوص الذين يعجبون به ويختارونه قائداً لهم لقوته ونبله.
المشهد الرابع (ميلانو - حديقة الدوق): جوليا متنكرة بزي سيباستيان تصل إلى ميلانو وتجد عملاً كخادم لدى بروتيوس. تشهد بألم كيف يرسل بروتيوس خادمه الجديد (هي) لتسليم خاتم حب (التي كانت قد أعطتها إياه جوليا في فيرونا) إلى سيلفيا كهدية! سيلفيا ترفض الخاتم بغضب وتؤنب بروتيوس على خيانته لجوليا. جوليا/سيباستيان تشعر بغصة شديدة لكنها تتحمل.
المصالحة المثيرة للجدل
المشهد الأول (غابة بين ميلانو ومانتوا): إجلامور الفارس المسن يساعد سيلفيا على الهروب من ميلانو للبحث عن فالنتين. يقابلها ثيريو وبروتيوس (مع جوليا/سيباستيان ولاونس) في الغابة أثناء مطاردتها. إجلامور يهرب.
بروتيوس ينقذ سيلفيا من ثيريو وجنوده، لكنه يبدأ في مضايقتها ومحاولة إجبارها على حبه، متجاهلاً توسلاتها واحتجاجات جوليا/سيباستيان.المشهد الثاني (نفس الغابة): اللصوص الذين مع فالنتين يسمعون غناء ثيريو السيء في الغابة (بناءً على نصيحة بروتيوس!) ويخطفونه. سبيد ولاونس يشهدان الحادثة.
المشهد الثالث (نفس الغابة): سيلفيا محتجزة مع بروتيوس. جوليا/سيباستيان تشاهد مشهداً مؤلماً حيث يلح بروتيوس على سيلفيا وتصر هي على رفضه وإخلاصها لفالنتين. بروتيوس، في لحظة ذروة انحطاطه، يهدد سيلفيا بالاغتصاب إذا لم تستجب لمطالبه.
"سأجبرك على حبي بالقوة" (I'll force thee yield to my desire).المشهد الرابع (نفس الغابة - لحظة حاسمة): فالنتين، الذي كان مختبئاً ويسمع كل شيء، يظهر فجأة لإنقاذ سيلفيا. يوبخ بروتيوس بشدة على خيانته للصداقة ومحاولة الاعتداء على حبيبته.
بروتيوس، في مواجهة صديقه، يشعر بالندم الفوري العميق ويعترف بخطيئته ويتوسل للمغفرة. فالنتين، في تصرف صادم للكثير من القراء والمشاهدين الحديثين، يقول: "كل ما أملكه هو لك" (All that was mine in Silvia I give thee)
وكأنه يتنازل عن سيلفيا كهدية للصديب! سيلفيا صامتة. جوليا/سيباستيان، غير قادرة على التحمل، تغمى عليها. عند إفاقتها، تظهر الخاتم الذي أعطته لبروتيوس. بروتيوس يدرك أنها جوليا ويعترف بخطئه الفادح تجاهها.
فالنتين يطلب من الدوق (الذي وصل مع ثيريو والحراس بعد مطاردة سيلفيا) أن يعفو عن الجميع ويوافق على زواجه من سيلفيا.
الدوق، بعد أن رأى شجاعة فالنتين وندم بروتيوس وتفاهة ثيريو (الذي يتخلى عن سيلفيا بسهولة)، يوافق.
كما يعفو عن اللصوص شرط أن يعودوا لحياة الشرف. تنتهي المسرحية بزوجين: فالنتين وسيلفيا، بروتيوس وجوليا. الجميع يتجهون نحو ميلانو للاحتفال.
الموضوعات الرئيسية والتحليل:
الصداقة مقابل الحب: هذا هو الصراع المركزي. صداقة فالنتين وبروتيوس مقدسة في البداية، لكن قوة الحب (أو الشهوة في حالة بروتيوس) تختبرها بشدة.
يستكشف ما إذا كانت الصداقة الرجولية يمكن أن تصمد أمام جاذبية المرأة. الحل في النهاية (المصالحة واستمرار كلا العلاقتين) يبدو مثالياً ومستقراً على حساب مشاعر سيلفيا وجوليا في لحظات.عدم الثبات والخيانة: اسم "بروتيوس" (المتغير) هو مفتاح شخصيته. حبه لجوليا يتغير بسرعة لحب سيلفيا. ولاؤه لفالنتين يتحول إلى خيانة قذرة. المسرحية تطرح أسئلة عن ثبات المشاعر الإنسانية وموثوقية الوعود. جوليا، بالتناقض، ترمز للإخلاص والثبات رغم الألم.
الولاء والإخلاص: بينما يخون بروتيوس الجميع (جوليا، فالنتين، نفسه)، تظهر شخصيات أخرى ولاءً غير متزعزع: جوليا لفالنتين (حتى في تنكرها وخدمتها له)، فالنتين لسيلفيا، سيلفيا لفالنتين (رفضها القاطع لبروتيوس وثيريو)، سبيد ولاونس لسادتهما (رغم سخرية سبيد).
طبيعة الحب: شكسبير يعرض أنواعاً مختلفة من الحب:
الحب المثالي الرومانسي (فالنتين وسيلفيا).
الحب المتغير بالرغبة والشهوة (بروتيوس).
الحب الصادق والإخلاص (جوليا).
الحب السطيف الأناني (ثيريو لسيلفيا).
حب المصلحة والطاعة (الدوق في تزويج ابنته).
المرأة والوكالة (Agency): سيلفيا وجوليا شخصيات قوية ومفعمة بالحيوية. سيلفيا ترفض بثبات خاطبيها غير المرغوبين (ثيريو وبروتيوس) وتتخذ قرار الهروب.
جوليا تتخذ قرار السفر والتنكر للبحث عن حبيبها. ومع ذلك، فإن نهاية المسرحية - خاصة تصرف فالنتين بالتنازل عنها لبروتيوس - تسلبهن جزءاً من وكالتهن وتضعهن كـ "هدايا" يتم التصرف فيها بين الرجال لإصلاح صداقة مكسورة. هذه النقطة هي مصدر رئيسي للنقد الحديث للمسرحية.الغابة كفضاء للتحول: مثل كثير من كوميديات شكسبير (كما في حلم ليلة منتصف الصيف)، تمثل الغابة مكاناً خارج النظام الاجتماعي (ميلانو)
حيث تنقلب الأدوار، وتكشف الحقائق، وتحدث التوبة والتحولات الكبرى (توبة بروتيوس، لم شمل العشاق، عفو الدوق). هي مكان الاختبار والإصلاح.الكوميديا والخادمان: شخصيات لاونس وسبيد توفر الإغاثة الكوميدية. حواراتهما الذكية، ملاحظاتهما الساخرة عن أسيادهما، وتفاعل لاونس مع كلبه كراب، تخفف من حدة الدراما الرئيسية حول الخيانة والصراع. كوميدية لاونس أكثر جسدية وعاطفية، بينما كوميدية سبيد لفظية وساخرة.
السمات الفنية:
الخطاب الشعري (Verse) والنثر (Prose): يستخدم شكسبير الشعر المرسل (Blank verse) للمشاهد الرئيسية والخطابات العاطفية أو النبيلة. يستخدم النثر للمشاهد الكوميدية (خاصة مع الخادمين) وللحوارات اليومية.
السوليلوكي (Soliloquy) والحديث الجانبي (Aside): يستخدم بكثرة، خاصة لبروتيوس، ليكشف أفكاره الداخلية المتضاربة ومشاعره الحقيقية للجمهور.
التنكر: عنصر أساسي في الكوميديا الشكسبيرية. تنكر جوليا بزي غلام (سيباستيان) يسمح لها بالحركة والمراقبة، ويخلق مواقف درامية مفعمة بالتوتر (مشهد تسليم الخاتم) والكوميديا (تفاعلها مع الآخرين).
الرسائل: تلعب دوراً محورياً في تقدم الحبكة (رسالة بروتيوس لجوليا، رسالة فالنتين لسيلفيا، الخاتم كرسالة رمزية).
الموسيقى والأغاني: تظهر في مشهد ثيريو الغنائي الكوميدي في الغابة.
النقد :
نهاية المسرحية المثيرة للجدل: تصرف فالنتين في "التنازل" عن سيلفيا لبروتيوس كبادرة صداقة، وقبول بروتيوس الفوري ثم التحول لجوليا، وسكوت سيلفيا، كل هذا يبدو متسرعاً ومفتعلاً ومهيناً للمرأة من منظور حديث. نقاشات كثيرة دارت حول ما إذا كان شكسبير يقصد إظهار سذاجة فالنتين أو تسليط الضوء على أولوية الصداقة الذكورية في ذلك العصر، أو إذا كان ببساطة لم ينضج بعد في معالجة مثل هذه المواقف المعقدة.
تطور شخصية بروتيوس: هل توبته في المشهد الأخير صادقة؟ أم هي مجرد رد فعل لمواجهة فالنتين؟ تحوله السريع من محاولة اغتصاب سيلفيا إلى العودة لجوليا يبدو غير مبرر نفسياً بشكل كافٍ.
سذاجة فالنتين: ثقته العمياء في بروتيوس تجعله يبدو ساذجاً. طرده بسبب خطة بسيطة نسبياً يسلط الضوء على غياب الحنكة السياسية لديه.
المقارنة مع الكوميديات اللاحقة: مقارنة بـ"كثير من اللغط عن لا شيء" أو "كما تحب" أو "الليلة الثانية عشرة"، تبدو "السيدان الفيرونيان" أقل نضجاً في بناء الحبكة، تطوير الشخصيات، ومعالجة العلاقات. لكنها تحتوي على البذور التي ستنمو في مسرحياته التالية.
ملخصا:
" مسرحية أساسية لفهم تطور شكسبير. رغم عيوبها البنيوية وخصوصاً النهاية المثيرة للاستفزاز، فهي تقدم رؤية مبكرة لأهم المواضيع التي شغلت الكاتب: تعقيدات الحب والصداقة، صراع المشاعر، قوة الخيانة والغفران، ودور الحيلة والتنكر.
شخصيات مثل جوليا وسيلفيا، رغم ما تعانيانه، تظهر قوة وإرادة. العناصر الكوميدية للخادمين، خاصة لاونس وكلبه، تبقى مشرقة.
المسرحية تشكل جسراً بين أعمال شكسبير المبكرة وأعظم كوميدياته التي ستأتي لاحقاً، وتظل نصاً غنياً بالتحليل والنقاش حول حدود الصداقة، طبيعة الولاء، وتمثيل المرأة في الدراما الإليزابيثية.
قراءتها أو مشاهدتها تمنح فهماً أعمق لجذور العبقرية الشكسبيرية ورحلتها نحو النضج
0 تعليقات