الهدية

الهديه

 

 "الهبة" لمارسيل موس

 أشكال ووظائف التبادل في المجتمعات القديمة

الأهمية العلمية

 "الهبة: أشكال ووظائف التبادل في المجتمعات القديمة" (Essai sur le don) لعالم الاجتماع الفرنسي مارسيل موس عام 1925 

دراسة ثورية حللت أنظمة التبادل في المجتمعات غير الغربية، وتحدت المفاهيم الاقتصادية الغربية التقليدية.

 اعتبر موس الهبة "ظاهرة اجتماعية كلية" (total social fact) تربط بين الاقتصاد والدين والقانون والأخلاق .

 جاء العمل كرد على النظريات الفردية-الليبرالية التي هيمنت على الفكر الاقتصادي، حيث أظهر موس أن الاقتصاد جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي.

 النشر والتأثير

  • الطبعات: نُشر أولاً في مجلة L'Année Sociologique (1925)، ثم ككتاب مستقل (1950)، وترجم للإنجليزية عام 1954، ثم 1990، وأخيراً بترجمة جين جوير الموسعة (2016).

  • التأثير: شكل الكتاب حجر الزاوية في الأنثروبولوجيا الاقتصادية، وأثر على مفكرين مثل كلود ليفي شتراوس، جورج باتاي، جاك دريدا، كما ألهم حركات اجتماعية معاصرة.


الأطر النظرية الأساسية

1. الظاهرة الاجتماعية الكلية (Total Social Fact)

وصف الهبة بأنها ظاهرة تشمل كل أبعاد المجتمع:

  • الاقتصادية: توزيع الثروات.

  • الدينية: ارتباط المقدس بالهدايا.

  • القانونية: إلزامية الرد على الهبات.

  • الجمالية: القيمة الرمزية للأشياء .

مثال: في طقوس البوتلاتش عند شعوب شمال غرب أمريكا، تُدمَر السلع علناً كتعبير عن القوة، مما يربط الثروة بالمكانة الدينية والاجتماعية.

2. المقارنة بين المجتمعات

اعتمد على المنهج المقارن لتحليل ثقافات متنوعة:

المجتمعنظام التبادلالسمات الرئيسية
تروبرياند (ميلانيزيا)الكولا (Kula)تبادل قلائد وأساور بين الجزر، يرتبط بالمكانة
كواكيوتل (أمريكا الشمالية)البوتلاتشتدمير السلع لفرض الهيمنة الاجتماعية
الساموا (بولينيزيا)الهو (Hau)الروح الملازمة للهدية التي تطالب بالرد
الجرمانيون القدماءالتبادل الزفافيالهدايا كضمان للخصوبة والتحالف

[اقتباس:3][اقتباس:4][اقتباس:8]


الآليات الثلاثة للهبة

1. الالتزام بالعطاء

  • الوظيفة: بناء التحالفات وإظهار الكرم.

  • العقوبات: رفض العطاء يؤدي للحرب أو فقدان المكانة، كما في ثقافة الكواكيوتل حيث يُجبر الزعماء على تنظيم البوتلاتش.

2. الالتزام بالاستلام

  • السبب: رفض الهدية إهانة تُفقد الشرف.

  • المخاطر: قبول الهدية يخلق ديناً، كما وصفه موس:
    "رفض المشاركة في البوتلاتش يعني الاعتراف بالخوف من الرد... وبالتبعية، فقدان الاسم".

3. الالتزام بالرد

  • القاعدة: الرد يجب أن يكون مساوياً أو أكبر قيمة.

  • الزمن: يُحدد بمواعيد ثقافية (مثل مواسم الأعياد).

  • العقوبات: الفشل في الرد يؤدي للحرب أو العبودية، كما في القانون الروماني القديم (Nexum) حيث يُصبح المدين عبداً للدائن.


المفاهيم المحورية 

1. روح الهدية (Hau)

في الثقافة الماورية، الهدية تحمل "هاو" (Hau) – روح المتبرع:

  • الوظيفة: تجبر المتلقي على رد الهدية، لأن الاحتفاظ بها دون رد يجلب اللعنة.

  • النقد: لاحقاً، شكك كلود ليفي شتراوس في تفسير موس، معتبراً "الهاو" جزءاً من نظام رمزي أوسع.

2. البوتلاتش (Potlatch): اقتصاد التدمير

  • التعريف: من كلمة "يُطعم" في لغات ساحل المحيط الهادئ.

  • الآلية: يتنافس الزعماء في إتلاف السلع (حرق البطانيات، تكسير القوارب) لإثبات تفوقهم.

  • الوظيفة: إعادة توزيع الثروة، لكن عبر "حرب رمزية" تمنع العنف المادي.

3. الهدية والسوق

الهبةالسوق
تبادل جماعي (عائلات، قبائل)تبادل فردي
أشياء ذات روح (Hau)سلع قابلة للتقييس
زمنية مرنة (الرد لاحقاً)تبادل فوري
هدفها التحالف الاجتماعيهدفها الربح المادي

أفكار موس

1. الهدية المجانية

رفض فكرة "الهبة غير المتبادلة"، لكن نقاده مثل تيتماس ولايدلو قدموا أمثلة دحضت ذلك:

  • تبرع الدم: أظهر ريتشارد تيتماس أن التبرع بالدم للمجهولين لا ينتظر رداً، بل يقوم على الأخلاق المدنية.

  • النقد الديني: أكد لايدلو أن التبرعات الدينية (مثل الصدقة في الإسلام) تهدف لكسب الأجر الإلهي، لا المردود المادي.

2. تجاهل البعد الجندري

أشارت مارلين ستراثيرن في كتابها "جندر الهبة" (1988) أن موس أهمل دور النساء كوسيطات في تبادل الهدايا، خاصة في أنظمة الزواج حيث يُتبادلن كـ"هدايا" بين العائلات.

3. التحديث الاقتصادي

اقترح موس أن دولة الرفاه (مثل أنظمة الضمان الاجتماعي) هي استعادة لمبدأ الهبة، لكن النقاد يرون أن هذه الأنظمة بيروقراطية وتفتقد للطابع الشخصي الذي ميز التبادل القديم.


 الفكر المعاصر

1. في الأنثروبولوجيا

  • ليفي شتراوس: طور فكرة التبادل إلى "نظرية القرابة"، حيث النساء والكلمات والسلع عناصر في شبكة تبادل واحدة.

  • آنيت وينر: قدمت مفهوم "المقتنيات التي لا تُتخلى عنها" (Inalienable Possessions)، كتحف عائلية تُحفظ لكن قيمتها تزداد بالتبادل.

2. في الفلسفة والنقد الثقافي

  • جاك دريدا: حلل "الهبة المطلقة" كشيء مستحيل، لأن مجرد الاعتراف بها يلغي طابعها المجاني.

  • ديفيد غريبر: ربط بين الهبة ونشوء الدين، معتبراً أن الديون الأخلاقية سبقت النقود.

3. في الاقتصاد التضامني

ألهم الكتاب نماذج مثل:

  • المصارف المجتمعية: تقوم على الثقة المتبادلة.

  • الاقتصاد التشاركي: منصات مثل "Freecycle" حيث التبادل دون مقابل.


 الرأسمالية الرقمية

رغم مرور قرن، تبقى أطروحة موس حية في تحليل ممارسات مثل:

  • التبرع الرقمي (منصات التمويل الجماعي).

  • الاقتصاد الرمزي (تبادل الإعجابات والمشاركات).

  • البيئة: حركات "الهبة للطبيعة" كزرع الأشجار دون مقابل.

كما يذكرنا بأن "التبادل" ليس مجرد آلية اقتصادية، بل نسيج العلاقات الإنسانية نفسه، حيث تُخلق المجتمعات عبر العطاء والاستلام والرد. في هذا المعنى، يصح قول موس الخالد:
"الإنسان الاقتصادي (Homo oeconomicus) ليس وراءنا، بل أمامنا، مثل رجل الأخلاق والعلم" .


 أهم المراجع النقدية للكتاب

العملالمؤلفالانتقاد/التطوير
الجندر في الهبة (1988)مارلين ستراثيرنالبعد الجندري في التبادل
العلاقة الهِبية (1997)ريتشارد تيتماسنموذج تبرع الدم كهدية مجانية
الامتياز: أصول الدين (2011)ديفيد غريبرالربط بين الدين والديون والتبادل
ما وراء الهبة (2006)ألان كاييتطبيقات في الاقتصاد التضامني

إرسال تعليق

0 تعليقات