"روميو وجولييت" لوليم شكسبير
"روميو وجولييت" (Romeo and Juliet) تعد واحدة من أشهر التراجيديات العالمية التي كتبها الأديب الإنجليزي وليم شكسبير (William Shakespeare)، وتُقدَّر أنها كُتبت بين عامي 1594 و1596.
على الرغم من بساطة حبكتها الظاهرية، إلا أنها تحمل في طياتها تعقيدات إنسانية واجتماعية ونفسية عميقة، جعلتها تتحول إلى رمز للحب العذري الذي يتحدى الظروف والعداوات، وينتهي بكارثة تذيب الجليد بين العائلات المتخاصمة، لكن بعد فوات الأوان.
الإعداد والصراع المركزي:
تدور أحداث المسرحية في مدينة فيرونا الإيطالية خلال عصر النهضة (القرن الرابع عشر تقريباً). تهيمن على المدينة عداوة قديمة عميقة الجذور بين عائلتين أرستقراطيتين مرموقتين: عائلة مونتاغيو (Montague) وعائلة كابوليت (Capulet).
هذه العداوة ليست مجرد خصومة سياسية، بل هي ثقافة متجذرة تسمم أجيالاً، وتتجلى في شجار الشوارع المستمر بين أتباع وخدم العائلتين، مما يهدد أمن المدينة واستقرارها ويستفز الأمير إسكالوس (Prince Escalus) الذي يحكم فيرونا.
قد أصدر الأمير مرسوماً صارماً يهدد بالموت أو النفي لمن يثير الشغب مرة أخرى.
الشخصيات:
روميو مونتاغيو (Romeo Montague): الشاب الوسيم، الشاعر، الحساس والمتقلب المزاج. في بداية المسرحية، يظهر مغموراً بحب غير متبادل لفتاة تدعى روزالين (Rosaline)، مما يجعله في حالة من الكآبة والانعزال. حبه لجولييت لاحقاً هو تحول جذري، يصبح فيه شغوفاً، جريئاً، وأكثر نضجاً، وإن كان لا يزال متهوراً.
جولييت كابوليت (Juliet Capulet): الفتاة الجميلة، الذكية، الشجاعة، والتي تبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً فقط (وهذا كان عمراً شائعاً للزواج في ذلك الوقت بين النبلاء).
رغم صغر سنها، تظهر نضجاً لافتاً وقدرة على التفكير المستقل بعيداً عن تقاليد عائلتها. تتحول من الطفلة المطيعة إلى امرأة مصممة على قيادة مصيرها، خاصة بعد لقائها روميو. حبها له هو أول تجربة حقيقية لها، وتغوص فيه بعمق وتفانٍ غير مسبوق.الراهب لورانس (Friar Laurence): راهب فرنسيسكاني، صديق مقرب لروميو ومستشار له. يتمتع بحكمة ورغبة حقيقية في إحلال السلام بين العائلتين.
هو مهندس الخطة التي تهدف إلى لم شمل روميو وجولييت بشكل شرعي، لكن خططه المعقدة تساهم بشكل كبير في الكارثة النهائية. يمثل الجانب الروحي والعقلاني، لكن تدخله في الأمور الدنيوية ينقلب عليه.المربية (The Nurse): مربية جولييت المخلصة والمحبوبة، التي كانت بمثابة أمها الحقيقية منذ الطفولة. شخصيتها ثرثارة، عاطفية، أرضية، وتتمنى سعادة جولييت، لكنها تفتقر إلى الرؤية الاستراتيجية والحكمة العميقة للراهب لورانس.
دعمها لجولييت يتذبذب تحت الضغط، مما يساهم في العزلة التي تشعر بها جولييت لاحقاً.مركوشيو (Mercutio): صديق روميو المقرب وقريب الأمير إسكالوس. شخصيته حيوية، ساخرة، ثرثارة، وشجاعة. يمثل صوت العقل الدنيوي والواقعي، غالباً ما يسخر من روميو وعواطفه المثالية. موته هو نقطة التحول الكبرى في المسرحية من الكوميديا إلى التراجيديا.
بنفوليو (Benvolio): ابن عم روميو وصديقه المخلص. شخصيته مسالمة، عاقلة، وتحاول دائماً منع المشاجرات. يقدم الدعم العاطفي لروميو ويحاول تهدئة الأوضاع.
تايبالت (Tybalt): ابن عم جولييت وابن أخت السيدة كابوليت. شخصيته متعصبة، سريعة الغضب، شرسة، ومتشبثة بعناد بالعداوة مع المونتاغيو. يكره روميو بشراسة ويسعى دائماً للشجار معه. هو تجسيد للكراهية العمياء التي تغذي الصراع بين العائلتين.
اللورد كابوليت (Lord Capulet): والد جولييت. يبدو في البداية أباً محباً ومتساهلاً (يرفض فكرة تزويج جولييت لباريس قبل أن تكون مستعدة)، لكنه يتحول إلى طاغية غاضب ومتسلط عندما تعصيه جولييت. كبرياؤه العائلي وصرامته تساهم في دفع جولييت نحو اليأس.
الليدي كابوليت (Lady Capulet): أم جولييت. شخصيتها باردة وبعيدة عاطفياً عن ابنتها. تخضع تماماً لزوجها وتضع مصلحة العائلة ومكانتها الاجتماعية فوق سعادة جولييت الشخصية.
باريس (Count Paris): شاب نبيل، وسيم، ثري، وقريب للأمير إسكالوس. يرغب في الزواج من جولييت، ويفرض اللورد كابوليت هذا الزواج عليها بقوة. يمثل الاختيار "المناسب" اجتماعياً والسياسياً من وجهة نظر عائلة كابوليت، لكنه يفتقر إلى أي اتصال عاطفي حقيقي مع جولييت.
الأمير إسكالوس (Prince Escalus): حاكم فيرونا. يمثل القانون والنظام. يحاول جاهداً كبح جماح العنف بين العائلتين، ويصدر أحكاماً صارمة (نفي روميو) لكنه يفشل في منع الكارثة النهائية.
تطور الأحداث بالتفصيل:
اللقاء والانجذاب الفوري
تبدأ المسرحية بمنظر شجار في الشارع بين خدم عائلة مونتاغيو وخدم عائلة كابوليت، يتصاعد ليشمل تايبالت وبنفوليو. الأمير إسكالوس يصل ويوقف القتال، ويصدر تحذيراً نهائياً: أي شجار آخر سيدفع أطرافه حياتهم ثمناً له.
نرى روميو مكتئباً بسبب حبه غير المتبادل لروزالين، التي أقسمت على حياة العزوبة. يحاول بنفوليو ومركوشيو إخراجه من كآبته وإقناعه بالذهاب إلى حفلة تنكرية تقيمها عائلة كابوليت، بحجة أنه سيجد بين الحضور من يفوق جمال روزالين جمالاً. روميو يوافق على مضض، رغبة في رؤية روزالين التي من المتوقع حضورها.
في حفلة كابوليت، يرى روميو جولييت لأول مرة من عبر القاعة، وينسى روزالين على الفور. يُصاب بالدهشة والانبهار بجمالها، ويصفها بأنها "مشعل نور في الظلام" ("O, she doth teach the torches to burn bright!"). يقترب منها ويتحدث معها (على شكل سونيتة مشتركة جميلة)، ويتبادلان القبلة دون أن يعرفا هوية الآخر الحقيقية.
تايبالت يسمع صوت روميو ويتعرف عليه، ويغضب لاقتحامه حفل العائلة، ويحاول مهاجمته، لكن اللورد كابوليت يمنعه، رغبة منه في عدم إثارة مشاكل في حفله، واحتراماً لضيفه روميو (المنكر) الذي سمع أنه شاب خلوق. ومع ذلك، يهدد تايبالت روميو سراً.
عند اكتشاف روميو وجولييت أن كل منهما ينتمي إلى العائلة المعادية، يصابان بالصدمة والحزن. روميو يتأوه: "هل حياتي مدانة من عدوّي؟" ("Is she a Capulet? O dear account! my life is my foe's debt."). وجولييت تقول لممرضتها: "هذا هو ابني عدوّي الوحيد" ("My only love sprung from my only hate!").
الحب السري والزواج
بعد الحفلة مباشرة، يتسلل روميو إلى حديقة منزل كابوليت ويختبئ تحت شرفة جولييت. تظهر جولييت على الشرفة وتتحدث مع نفسها بصوت عالٍ، معترفة بحبها لروميو وتأسف على كونه من المونتاغيو ("يا روميو، لماذا أنت روميو؟... أنكر أباك وتخلّ عن اسمك... أو إن لم تفعل، فاقسم لي بحبك وأنا لا أكون بعد اليوم كابوليت.
" - "O Romeo, Romeo! wherefore art thou Romeo? Deny thy father and refuse thy name... Or, if thou wilt not, be but sworn my love, And I'll no longer be a Capulet.").يسمعها روميو ويكشف عن نفسه. يتبادلان إعلانات الحب العميقة والشغوفة. جولييت، رغم خوفها، تكون عملية وتطرح السؤال الحاسم: "إن كنت تحبني حقاً وأردت الزواج، فأرسل لي غداً رسالة تخبرني أين ومتى... وإلا فسأرسل لك من يأتي إليك.
" ("If that thy bent of love be honourable, Thy purpose marriage, send me word to-morrow... And all my fortunes at thy foot I'll lay And follow thee my lord throughout the world.").يتفقان على الزواج سراً. روميو يتوجه فوراً إلى الراهب لورانس ويطلب منه إتمام الزواج. الراهب، الذي كان يحلم دائماً بالمصالحة بين العائلتين، يرى في هذا الحب فرصة ذهبية لتحويل "حقد الأسرتين إلى حب صادق" ("For this alliance may so happy prove, To turn your households' rancour to pure love."). يوافق على الفور، رغم تحذيره إياهما من التسرع والعواقب.
في اليوم التالي، ترسل المربية رسالة روميو إلى جولييت، وتقابل روميو لتنسق تفاصيل الزواج. تلتقي جولييت بالراهب لورانس بحجة الذهاب للاعتراف، وهناك يتم زواج روميو وجولييت سراً، بحضور المربية. الأمل يبدو كبيراً رغم السرية والعداوة.
نقطة التحول - الموت والنفي
بعد الزواج مباشرة، يلتقي بنفوليو ومركوشيو في الشارع مع تايبالت وأتباعه. تايبالت يبحث عن روميو لاستفزازه والثأر لاقتحامه الحفل. يصل روميو، ممتلئاً بالسعادة والمحبة بعد زواجه، فيحاول تجنب الشجار مع تايبالت (ابن عم زوجته الآن)، ويخاطبه بلطف: "تايبالت، لدي سبب لأحبك... ودع السلام يخيّم على هذه الجبهة.
" ("Tybalt, the reason that I have to love thee... And so, good Capulet,—which name I tender As dearly as my own,—be satisfied.").مركوشيو، الذي لا يعرف عن الزواج ولا يفهم تردد روميو، يرى في ذلك جبناً، فيستفز تايبالت ويشتبك معه دفاعاً عن شرف روميو. يتدخل روميو ليحاول الفصل بينهما، لكن تايبالت يطعن مركوشيو تحت ذراع روميو وهو يهرب. مركوشيو، وهو يحتضر، يلعن العائلتين: "الطاعون على بيتيكما!" ("A plague o' both your houses!").
هذا اللعن يبدو وكأنه نبوءة لما سيأتي.يثور روميو غضباً وحزناً على صديقه الحبيب. عندما يعود تايبالت مستفزاً، يهاجمه روميو بشراسة ويقتله في مبارزة.
تصل حشود من المواطنين والعائلات والأمير. بنفوليو يروي ما حدث بصدق. الأمير إسكالوس، رغم توسلات الليدي كابوليت (التي تطلب إعدام روميو) ودفاع بنفوليو (الذي يذكر أن روميو انتصر في قتال عادل بعد قتل مركوشيو)، يصدر حكماً مخففاً نسبياً بالنظر للظروف: نفي روميو من فيرونا إلى مدينة مانتوا (Mantua) فوراً، تحت طائلة الموت إذا عاد.
هذا النفي هو عقوبة قاسية لروميو، تعني حرمانه من رؤية جولييت إلى الأبد، وهو ما يعتبره أسوأ من الموت ("النفي! هذا أقسى من ألف موت!
" - "Ha, banishment! Be merciful, say 'death'; For exile hath more terror in his look... Than death").
الضغوط والمخطط اليائس
جولييت، التي تنتظر بلهفة لقاء زوجها ليلاً، تسمع خبر مقتل تايبالت على يد روميو ونفيه. مشاعرها متضاربة بين الحزن لابن عمها والولاء لزوجها. في البداية تلوم روميو ("أيها الثعبان المخادع... أيها الوحش ذو الصورة الإلهية!" - "O serpent heart, hid with a flowering face!"), لكن سرعان ما تدرك أن تايبالت كان سيقتل روميو لو لم يقتله، وتعلن ولاءها الكامل لروميو ("زوجي الحيّ الذي حاول تايبالت قتله!... إن كلمة ابن عمي هذه هي كلمة قاتل!").
الممرضة تؤكد لها أن روميو مختبئ في دير الراهب لورانس.يقضي روميو ليلته الأخيرة في فيرونا مع جولييت في غرفتها (المشهد الشهير "ليلة الزفاف"). مع بزوغ الفجر، يرحل روميو إلى منفاه في مانتوا بعد أن ودع جولييت بحزن عميق.
في غياب روميو، يعلن اللورد كابوليت لزوجته وابنته أنه وعد الكونت باريس بيد جولييت، ويحدد موعد الزفاف بعد ثلاثة أيام فقط. جولييت تصاب بالرعب والرفض القاطع.
أبوها يثور غضباً ويشتمها ويهددها بأن يطردها من البيت إذا لم تطعه ("إلى الشارع، أيها اللعينة!... لا تعولك يدي ولا أطعمك." - "Hang thee, young baggage! disobedient wretch!... Graze where you will, you shall not house with me."). أمها ترفض مساعدتها، والممرضة، التي كانت داعمة، تنصحها الآن بالزواج من باريس باعتباره الخيار الأفضل والأكثر أماناً ("روميو منفي... باريس رجل وسيم... أعتقد أن من الأفضل لك أن تتزوجي هذا الكونت.").تشعر جولييت بالعزلة التامة واليأس. تذهب إلى الراهب لورانس طالبة النجدة، وتهدد بالانتحار إذا لم يجد لها حلاً. يوضع الراهب أمام خيار صعب: إما الزواج القسري أو الانتحار. في لحظة إبداع يائسة، يضع خطة محفوفة بالمخاطر:
يعطي جولييت جرعة من عقار خاص يصنعه. هذا العقار سيُدخلها في سبات عميق يشبه الموت لمدة 42 ساعة تقريباً.
ستشربه ليلة زفافها على باريس.
عندما يجدونها "ميتة" في صباح الزفاف، سيضعونها في قبو عائلة كابوليت (حسب التقاليد).
سيرسل الراهب رسالة فورية إلى روميو في مانتوا يشرح له الخطة بالتفصيل، ويطلب منه العودة سراً إلى فيرونا ليلة دفنها.
عندما تستيقظ جولييت في القبو، سيكون روميو في انتظارها، وسيهربان معاً إلى مانتوا.
توافق جولييت على الخطة بشجاعة، رغم خوفها الشديد من احتمال أن يكون العقار سماً أو أن تستيقظ قبل وصول روميو في الظلام المرعب للقبو. تعود إلى البيت وتتظاهر بالخضوع لأبيها وتعتذر له، مما يجعله سعيداً فيقدم موعد الزفاف إلى اليوم التالي.
الكارثة والموت
ليلة ما قبل الزفاف، تشرب جولييت العقار وتغط في سبات شبيه بالموت. في الصباح، تكتشفها الممرضة "ميتة". يتحول فرح العائلة إلى مأتم. يُلغى الزفاف وتحل محله مراسم الجنازة. توضع جولييت في قبو العائلة.
المشكلة الكبرى: الرسالة التي أرسلها الراهب لورانس إلى روميو في مانتوا تتعطل ولا تصل إليه بسبب حجر صحي مفروض على المدينة بسبب الطاعون. بدلاً من ذلك، يسمع روميو من خادمه، بالتاغر (Balthasar)، نبأ "موت" جولييت ودفنها في قبو كابوليت.
يصاب روميو باليأس المطلق.يقرر روميو العودة فوراً إلى فيرونا ليموت بجانب جولييت. يشتري سماً قاتلاً من صيدلي فقير في مانتوا قبل رحيله.
في نفس الوقت، يدرك الراهب لورانس أن رسالته لم تصل روميو. يقرر الذهاب بنفسه إلى قبو كابوليت ليكون هناك عند استيقاظ جولييت، ويرسل راهباً آخر (فرا جون - Friar John) إلى مانتوا لإبلاغ روميو، لكن الوقت يضيق.
يصل روميو إلى قبو كابوليت ليلاً. يواجه باريس الذي جاء لزيارة قبر جولييت. يتشاجران، يقتل روميو باريس (الذي يطلب قبل موته أن يوضع بجانب جولييت).
يدخل روميو القبو ويرى جولييت "ميتة". تأخذه العاطفة الجياشة، يتكلم كلمات وداع مؤثرة ("عيني، انظري آخر نظرة!... أيها الشفتان، يا بوابات النفس، اقضيا بختم العهد بمصافحة الموت!" - "Eyes, look your last!... O true apothecary! Thy drugs are quick. Thus with a kiss I die."), ثم يشرب السم ويموت بجانب جولييت.
بعد لحظات، يستيقظ جولييت من سباتها. يصل الراهب لورانس ويرى المشهد الرهيب: جثتي روميو وباريس، وروميو ميت بجانبها. يسمع حراساً يقتربون، فيحث جولييت على المغادرة معه إلى الدير للاحتماء ("تعالي، اخرجي من هذا العش المليء بالموت... لا أستطيع البقاء."). لكن جولييت ترفض المغادرة.
يكتشف الراهب بقايا السم في يد روميو. بمجرد أن يغادر الراهب، ترى جولييت روميو ميتاً وتكتشف الكأس. تحاول شرب ما تبقى من السم، لكنه لا يكفي.
تسمع الحراس يقتربون، فتأخذ خنجر روميو وتطعن نفسها به وتموت فوق جثته ("هذا هو غمدك، صدّقي لي صدوراً صدّيقاً!" - "O happy dagger! This is thy sheath; there rust, and let me die.").
المصالحة المتأخرة (Act V, Scene III - Conclusion)
يصل الحراج والمواطنون والأمير إسكالوس وعائلات مونتاغيو وكابوليت والراهب لورانس إلى القبو ليجدوا المشهد المروع: ثلاث جثث (روميو، جولييت، باريس).
يروي الراهب لورانس للأمير والعائلتين القصة كاملة: الزواج السري، مقتل تايبالت، نفي روميو، خطة العقار، تعطل الرسالة، وفشل الخطة المؤدي إلى الموت المزدوج. تؤكد الممرضة صحة زواجهما.
يصل خادم روميو (بالتاغر) وراهب الراهب لورانس (فرا جون) ليكملا الصورة ويؤكدا تعطل الرسالة.
أمام هول الفاجعة، يدرك اللورد مونتاغيو واللورد كابوليت الثمن الباهظ الذي دفعاه بسبب عداوتهما العمياء. يتصالحان ويتصافحان فوق جثث أبنائهما. يعد اللورد مونتاغيو بإنشاء تمثال ذهبي لجولييت، ويعد اللورد كابوليت بإنشاء تمثال ذهبي لروميو.
يلخص الأمير إسكالوس الدرس الأخلاقي للمسرحية بمرارة: "كلنا عوقبنا" ("All are punish'd"). ويشير إلى أن صمت الجميع (بما في ذلك هو) عن العداوة ساهم في المأساة: "فانظروا إلى هذا السلام الذي يجلبه لكم الحقد... فأنا، لسكوتي عن شروركم، خسرت قريبين لي. الجميع عوقبوا." ("See, what a scourge is laid upon your hate... For never was a story of more woe Than this of Juliet and her Romeo.").
موضوع الرواية:
قوة الحب الجامحة: الحب هنا قوة طاغية، فورية، شغوفة، وتتحدى كل العوائق (العائلية، الاجتماعية، السياسية). إنه حب يرفض العقلانية وينتهي بذروة مأساوية.
العداوة العمياء وثمنها الباهظ: العداء بين العائلتين هو المحرك الأساسي للتراجيديا. كراهية الأجيال السابقة تورث للأجيال اللاحقة وتدفعهم نحو الدمار. الموت هو الثمن الوحيد الذي يذيب هذا الجليد.
الصدفة والقدر: تلعب الصدفة (تعطل الرسالة) دوراً محورياً في سير الأحداث نحو الكارثة. يتساءل المشاهد: هل كان هذا قدراً محتوماً، أم كان يمكن تجنبه ببعض الحكمة؟
التسرع والاندفاع: تصرفات الشخصيات، خاصة روميو (الزواج السري، قتل تايبال، الانتحار) وجولييت (الزواج السري، شرب العقار)، مدفوعة بالعاطفة الجامحة والاندفاع، دون تفكير كافٍ في العواقب البعيدة.
الصراع بين الفرد والمجتمع: روميو وجولييت يمثلان الفرد الذي يحاول أن يعيش بحرية وفقاً لمشاعره، لكنه يصطدم بالقوانين الصارمة والتوقعات الاجتماعية والتقاليد العائلية التي تسحقهما.
النور والظلام: رمزية متكررة. الحب يمثل النور في ظلام العداوة (لقاء الشرفة). الموت يحدث غالباً في الليل أو في الأماكن المظلمة (القبو).
الموت والحياة: المسرحية مليئة بالتناقض بين الحيوية (مركوشيو، الحفلة، الحب) والموت الذي يخيم على كل شيء وينتصر في النهاية، وإن كان يؤدي إلى شكل من أشكال الحياة الجديدة (المصالحة).
دور الحظ (الفرتونة - Fortune): شعور بعدم السيطرة على الأقدار، وأن البشر دمى في يد قوى أكبر.
الأسلوب واللغة:
الشعر المرسل (Iambic Pentameter): معظم المسرحية مكتوبة بهذا الوزن الشعري، مما يعطيها جرساً موسيقياً وجلالاً.
السوناتات والمقاطع الشعرية المكثفة: خاصة في مشاهد الحب (لقاء الحفلة، مشهد الشرفة)، حيث تصل اللغة إلى ذروة جمالها وتركيزها العاطفي.
السخرية المأساوية (Dramatic Irony): المشاهد يعرفون معلومات لا يعرفها الشخصيات (مثل خطة العقار، تعطل الرسالة)، مما يخلق توتراً وشعوراً بالحتمية والشفقة.
الاستعارات والتشبيهات: وفيرة وغنية، خاصة في حوارات روميو وجولييت، مستمدة من الطبيعة (النور، النجوم، الزهور، الطيور) والدين.
الموازنة بين الكوميديا والتراجيديا: تحتوي المسرحية على مشاهد كوميدية (خاصة مع الممرضة ومركوشيو) في النصف الأول، تتحول فجأة إلى تراجيديا بعد مقتل مركوشيو. هذا التحول يزيد من تأثير الصدمة.
المناجاة (Soliloquy) والحديث الجانبي (Aside): تستخدم لإظهار أفكار الشخصيات الداخلية ومشاعرها الحقيقية للجمهور.
"هي ليست مجرد قصة حب. إنها دراسة عميقة للطبيعة البشرية في صراعها بين العاطفة والعقل، الفرد والمجتمع، الحب والكراهية، الحياة والموت.
إنها تحذير من مخاطر التعصب والعداوة والتسرع. على الرغم من نهايتها المأساوية، فإن قوة حبهما الخالصة وقدرتهما على التحدي تظلان مصدر إلهام.
أصبحت الشخصيات والمواقف (مشهد الشرفة، الانتحار المزدوج) أيقونات ثقافية، وألهمت عدداً لا يحصى من الأعمال الفنية في الأدب والمسرح والسينما والموسيقى والباليه عبر القرون، مما يؤكد خلودها وقدرتها على التحدث إلى المشاعر الإنسانية الأساسية في كل عصر. إنها تذكير بأن الحب، رغم هشاشته أمام قسوة العالم، يبقى القوة الأكثر تحويلاً، حتى في موته
0 تعليقات