حرب العوالم لهربرت جورج ويلز

 


 "حرب العوالم" لهربرت جورج ويلز

 السياق التاريخي والأدبي 

نُشرت رواية "حرب العوالم" عام 1898 للكاتب الإنجليزي هربرت جورج ويلز، الذي يُعد "الأب الروحي لأدب الخيال العلمي". جاءت الرواية كرد فعل على تحولات العصر الفيكتوري:

  • الخلفية العلمية: تأثر ويلز بإعلان الفلكي الإيطالي جيوفاني شياباريلي عن وجود "قنوات" على سطح المريخ (1894)، مما أثار نظريات عن حياة فضائية .

  • السياق السياسي: صعود الإمبريالية الأوروبية، خاصة توحيد ألمانيا كقوة تهدد بريطانيا، مما دفع ويلز لاستعارة فكرة "الغزو" كنقد للاستعمار .

  • الابتكار الأدبي: كانت من أوائل الأعمال التي تصوّر صراعًا بين البشر وكائنات فضائية، مؤسسةً لخصائص الخيال العلمي الحديث .

هربرت جورج ويلز (1866–1946)

  • وُلد في عائلة فقيرة، وعمل مدرسًا قبل التفرغ للكتابة.

  • اشتهر بروايات مثل "آلة الزمن" (1895) و"الرجل الخفي" (1897)، ورُشح لنوبل الأدب 4 مرات .

  • عبر في أعماله عن تشاؤم تجاه مستقبل البشرية، خاصة بعد الحربين العالميتين .


 قدوم المريخيين - تفكيك الغزو خطوة بخطوة

1. البداية: الإشارات الأولى للكارثة

تبدأ الرواية بمشهد فلسفي مثير:

"لم يكن أحد يصدق... أن هذا العالم يراقبه بانتباه عقول أعظم من عقول البشر" .

  • رصد المريخ: يكتشف علماء فلك انفجارات على سطح المريخ، يعتقدون أنها ظواهر طبيعية، لكنها تبين لاحقًا أنها إطلاق لـ"أسطوانات فضائية" نحو الأرض.

  • الهبوط المدوي: تسقط الأسطوانات قرب بلدة ووكينغ في ساري بإنجلترا. يصف الراوي (معلق فلسفي مجهول الاسم) المشهد:

    "شيء أشبه بأسطوانة معدنية عملاقة، محترقة من الاحتكاك بالغلاف الجوي" .

2. الكشف عن الكائنات المريخية

عند فتح الأسطوانة، يظهر كائنات توصف بأنها:

  • شكل مخيف: "كبار رماديون، بحجم الدب، جلد بني زيتي، عينان كبيرتان داكنتان، أفواه على شكل حرف V تقطر لعابًا" .

  • ضعف فيزيائي: يعانون في الجاذبية الأرضية والغلاف الجوي، فيتراجعون فورًا للأسطوانة .

3. الهجوم الأول والأسلحة الفتاكة

  • الأشعة الحرارية: تحرق كل ما تلمسه، وتدمر وفدًا بشريًا كان يلوح بعلم أبيض (رمزًا للسلم) .

  • آلات القتال الثلاثية الأرجل ("تريبود"): مركبات ضخمة تسحق المدن بأرجلها الآلية، وتطلق "الدخان الأسود" (غاز سام يقضي على كل كائن حي) .

4. انهيار الدفاعات البشرية

  • فشل الجيش البريطاني: تُدمر المدافع والرشاشات (مثل رشاش "ماكسيم") أمام تفوق التكنولوجيا المريخية .

  • الهروب الجماعي: يهرب الراوي بزوجته إلى "ليذرهيد"، لكن أسطوانة ثانية تقطع طريقه، معززًا شعور العزلة والرعب .


 الأرض تحت حكم المريخيين - صراع البقاء

1. تدمير لندن والهجرة الجماعية

  • خراب العاصمة: تُحول لندن إلى ركام، وتبدأ هجرة جماعية للساحل. يروي شقيق الراوي (طالب طب) رحلته مع السيدة "إلفينستون" وأختها، حيث يواجهون نهبًا وفوضى .

  • مشاهد رمزية:

    • جثث عائمة في نهر التايمز.

    • ملابس ضحايا "الدخان الأسود" تتساقط من السماء كأشباح .

2. الراوي والكاهن: مواجهة الوجود المريخي

يختبئ الراوي مع كاهن في منزل مهجور، ويكتشفان حقائق مرعبة:

  • آلات الجمع: تقوم باصطياد البشر كـ"غذاء" للمريخيين عبر شفطهم بأنابيب .

  • الزراعة المريخية: يزرع الغزاة نباتًا أحمر غازيًا يغطي الأرض، يمتص دماء الضحايا كسماد .

  • انهيار نفسي: يسقط الكاهن في الجنون بعد رؤية آلات الجمع، ويُقتل عند محاولته الهجوم على مريخي .

3. نقطة التحول: ضعف غير متوقع

بعد أسابيع من الهيمنة، يجد الراوي آلات القتال الثلاثية متوقفة، والمريخيين موتى داخل مركباتهم. السبب؟

"لقد قضت عليهم الجراثيم الأرضية... فالمريخيون قضوا قرونًا في تعقيم كوكبهم، ففقدوا مناعتهم" .


الأبعاد الفلسفية والاجتماعية للرواية

1. نقد الإمبريالية والداروينية الاجتماعية

  • مرآة الاستعمار: المريخيون يمثلون الإمبراطورية البريطانية، بينما البشر هم ضحايا الاستعمار (مثل سكان أفريقيا وآسيا) .

  • البقاء للأقوى: يظهر تفوق المريخيين نظرية "الانتقاء الطبيعي"، لكن نهايتهم تثبت هشاشة أي قوة .

2. الدين مقابل العلم

  • سقوط الإيمان: يرمز جنون الكاهن إلى عجز الدين عن تفسير الكوارث .

  • انتصار البيولوجيا: الخلاص يأتي من "الميكروبات" (العلم)، لا من القوة العسكرية أو الصلاة .

3. تنبؤات تكنولوجية مذهلة

سبق ويلز عصره بوصفه:

  • أسلحة تشبه الليزر والقنابل الكيميائية (الأشعة الحرارية والدخان الأسود) .

  • مركبات قتال آلية (آلات ثلاثية الأرجل) كبديل للدبابات .

  • الحرب البيولوجية غير المقصودة (دور الميكروبات في القضاء على الغزاة) .


التحليل الأدبي: التقنيات السردية والرمزية

1. السرد المجهول الاسم

  • الراوي الفلسفي: عدم ذكر اسمه يجعله "كل إنسان"، معززًا عمومية التجربة .

  • شخصيات ثانوية: مثل "المدفعي" الذي يمثل التفاؤل العلمي، و"السيدة إلفينستون" التي تجسد الصمود الأنثوي .

2. بناء المشاهد المرعبة

  • وصف تفصيلي للدمار: يصور ويلز انهيار الحضارة البشرية عبر مشاهد مثل تهجير سكان لندن:

    "الطرقات تعج باللاجئين... يدفعون عربات بأمتعتهم، يتصارعون على الطعام، بعضهم يسقط ميتًا من الإعياء" .

  • تضخيم الرعب بالصمت: فترات الهدوء المفاجئ تسبق الهجمات، مما يخلق توترًا نفسيًا .

3. النبات الأحمر كرمز مزدوج

  • الاستعمار: يغطي الأرض كالقوى الغازية التي تمتص موارد المستعمرات.

  • الطبيعة الانتقامية: تذكير بأن الأرض قد "تنتقم" من الغزاة .


التأثير الثقافي والإرث الخالد

1. إرث مباشر في العلم والفن

  • العلوم: ألهمت العالم روبرت جوددارد (رائد الصواريخ الحديثة) لدراسة المريخ .

  • الإذاعة: في 1938، قدم أورسون ويلز نسخة إذاعية أشاعت الذعر في أمريكا، إذ ظن المستمعون أن الغزو حقيقي .

2. الاقتباسات السينمائية والتلفزيونية

  • فيلم 1953: أول فيلم ملون عن الرواية، رُشح لـ 3 جوائز أوسكار.

  • فيلم ستيفن سبيلبرغ (2005): نقل الأحداث لنيويورك، مع الحفاظ على فكرة "ضعف الغزاة البيولوجي" .

3. تأثير على أدب الخيال العلمي

  • أعمال متأثرة: مثل "اللون من الفضاء" لـ لافكرافت، و"إشارات من الفضاء" لـ ستانيسواف لم، حيث يُهزم البشر بتفوق تكنولوجي خارجي.

  • تثبيت أركان الغزو الفضائي: أصبحت حبكة "الكائنات المتطورة تكنولوجيًا تغزو الأرض" نموذجًا كلاسيكيًا .

4. نزاعات قانونية حول الحقوق

في 2005، رفع حفيدا ويلز قضية ضد شركة "باراماونت" لحقوق الإنتاج التلفزيوني، لكن المحكمة أيدت الشركة استنادًا لعقد عام 1951 .


خاتمة: لماذا تظل الرواية صالحة لكل زمان؟

"حرب العوالم" ليست مجرد قصة خيال علمي، بل نبوءة ثقافية تجسد مخاوف البشرية:

  1. الخوف من الآخر: سواء كان غازيًا فضائيًا أو قوة استعمارية.

  2. هشاشة التقدم: تذكير بأن التكنولوجيا قد تنقلب ضد صانعيها.

  3. التواضع الكوني: البشر ليسوا "أسياد الكون"، بل ضيوف في نظام بيئي معقد .

كما كتب ويلز في خاتمة الرواية:
"ربما نكون نحن البشر مجرد ميكروبات في أنبوب اختبار كوني... وهذه الرواية تذكير بضآلتنا" .


مراجع أساسية للاستزادة:

إرسال تعليق

0 تعليقات