وداعًا للطواجن لمحمود السعدني

 


 "وداعًا للطواجن" لمحمود السعدني

١.  السعدني وأدب الطعام الساخر

 "وداعًا للطواجن" (1995) للمؤلف المصري محمود السعدني (1927-2010) يعد نموذجًا فريدًا لأدب الطعام الساخر في الأدب العربي. يجمع العمل بين النقد الاجتماعي والذكريات الشخصية عبر مقالات مترابطة تروي علاقة الكاتب بالطعام، مستخدمًا أسلوبه الساخر الذي اشتهر به كـ "رائد الكتابة الساخرة في الصحافة العربية" . العنوان نفسه يُعدّ محاكاةً ساخرة لرواية همنجواي "وداعًا للسلاح"، إشارةً إلى أن "الطعام أشد فتكًا من السلاح" في حياة السعدني .

٢. الخلفية الأدبية والثقافية للكتاب

  • أدب الطعام كفن نادر: يُبرز الكتاب ندرة هذا النوع الأدبي عربيًا وعالميًا، حيث يدمج الوصفات والذكريات والنقد في إطار قصصي .

  • السياق الشخصي: كُتب بعد نصح الأطباء للسعدني بالتوقف عن الأطعمة الدسمة بسبب مشاكل صحية، فقرر "وداع" طعامه المفضل .

  • الحس التوثيقي: يسجل عادات الأكل المصرية في منتصف القرن العشرين، مقدمًا "موسوعة مصغرة عن المزاج الشعبي والأكلات المصرية" .

٣. الموضوعات الرئيسية والرؤى النقدية

أ. وداع الطواجن: رحلة صحية مضحكة

يبدأ الكتاب بقرار السعدني التحول من الأطعمة الدسمة (مثل طواجن اللحم بالصلصة) إلى "المسلوق والمرق" بعد معاناته مع عسر الهضم. يروي هذا التحول بسخرية مريرة:

"أخاكم العبد لله كان أكيلًا عالميًا ليس له نظير... والآن تحول إلى المسلوق فقط!" .

ب. الذكريات الجمالية مع الطعام

ينتقل السعدني إلى استعادة أطباقه المفضلة بوصف شاعري:

  • طاجن الحاج سرور: طبق من لحم "الكندوز" يغرق في "مغرفتين سمن بلدي وحقل بصل صعيدي" .

  • "البطة في الدوسرة": وصفة ساخرة يعد فيها البطة بطرق غريبة، قائلاً: "لن يهدأ لي بال حتى أجرب هذه الطريقة" .

  • تذوق الجبن البلكان والأنشوجة مع صديقه الكاتب كامل الشناوي .

ج. الشخصيات والعلاقات الاجتماعية حول المائدة

يقدم الكتاب شخصيات مصرية من ذكريات الكاتب، كل منها مرتبط بطبق معين:

  • المعلم سرور: صاحب الطواجن الدسمة التي "لو أكل منها رجل إنجليزي لمات في الحال" .

  • زكريا الحجاوي: صاحب "المزاج البحري" الذي يعشق المأكولات البحرية .

  • محمد عودة: محب الفطائر الفرنسية مثل "الكرواسون والفواتير" .

د. النقد الاجتماعي عبر أدب الطعام

  • الطبقات الاجتماعية: يربط السعدني بين الطعام والتفاوت الطبقي: "أول فرق بين الغني والفقير يظهر في الطعام" .

  • النفاق الغذائي: يسخر من ظاهرة التباهي بالأكلات الأجنبية مع تجاهل الأطباق المحلية.

  • الصحة والثقافة: يحذر من العادات الغذائية الضارة عبر تجربته: "المعدة بيت الداء... وبيت المزاج!" .

هـ. الثقافة الغذائية المصرية

يوثق الكتاب عادات مصرية فريدة:

  • الاعتقاد بأن "الحيوانات تختار طعامها الذي يؤثر في مذاق لحمها".

  • تقديس الكرم عبر "إطعام الطعام للفقراء" كقيمة دينية واجتماعية .

  • تاريخ أدب الطعام في مصر من العصر الفاطمي إلى المملوكي .

٤. السمات الأسلوبية والفنية

  • السخرية الذاتية: يقدم السعدني نفسه كـ "أكيل عالمي" سقط ضحية حبه للطعام .

  • اللغة الهجينة: يجمع بين الفصحى والعامية المصرية، مثل وصف البصل بـ "حقل بصل صعيدي" .

  • الحوارات الحية: كحواره مع طبيب ينصحه: "وداعًا للطواجن والمحاشي والمحمر والمشمر!" .

  • الاستعارة التاريخية: يقارن بين تأثير الفرس والأتراك على المطبخ المصري كناية عن الغزو الثقافي .

٥. مكانة العمل في سياق إنتاج السعدني

يختلف هذا الكتاب عن أعمال السعدني السياسية الساخرة (مثل "حمار من الشرق"  و"مذكرات الولد الشقي" )، حيث يركز على:

  • الجانب الإنساني اليومي بدلًا من النقد السياسي المباشر.

  • الانزياح نحو الذاتي عبر سيرة طعامية ذاتية.

  • التواصل مع القارئ العادي بموضوع قريب من حياته اليومية.

٦. تقييم نقدي للكتاب

الإنجازات:

  • تطوير أدب الطعام العربي كنوع هجين بين السيرة والنقد الاجتماعي.

  • توثيق تراث غذائي شفهي مهدد بالاندثار.

  • استخدام "الضحك كسلاح" لنقد العادات الصحية الضارة.

الانتقادات:

  • التكرار الموضوعي: قد يُسبب التركيز على الطعام مللاً لبعض القراء .

  • الانحياز الطبقي: بعض الوصفات تعكس تجارب نخبوية (مثل المأكولات الفرنسية).

٧.  العمل واستمراريته

يظل "وداعًا للطواجن" عملًا تأسيسيًا في أدب الطعام العربي، يجسد مقولة السعدني: "الدنيا حظوظ ومزاجات... أيام بنشرب عسل وأيام بنشرب خل" . رغم مرور 30 عامًا على صدوره، يحافظ الكتاب على راهنيته:

  • كوثيقة عن الهوية الثقافية المصرية عبر أطباقها.

  • كنموذج لـ "السخرية الإنسانية" التي تنتقد دون تجريح.

  • كتحذير فكاهي من "حضارة الاستهلاك" التي تجعل الطعام سلاحًا ضد الصحة.

"إذا كانت المعدة هي بيت الداء كما يقولون، فهي عند العبد لله بيت المزاج وبيت الانشراح!" .

للقراءة: الكتاب متاح مجانًا على موقع "هنداوي" بموجب اتفاق مع أسرة السعدني

إرسال تعليق

0 تعليقات