"اقرأ أي شيء" لأنيس منصور
كتاب "اقرأ أي شيء" للكاتب والفيلسوف المصري أنيس منصور هو ليس مجرد كتاب عن القراءة، بل هو رحلة فكرية عميقة، ودعوة صادقة للتحرر من قيود الجهل، وانطلاقاً إلى عالم المعرفة الواسع بلا حدود.
يعكس الكتاب شخصية منصور المتفردة كقارئ نهَم، ومفكر حر، ومراقب دقيق للحياة البشرية بكل تناقضاتها. إنه ليس دليلاً تقنياً للقراءة بقدر ما هو بيانٌ أدبيٌ فلسفيٌ يحث على امتلاك سلاح المعرفة في مواجهة ظلامية الفكر والجمود.
المعرفة حرية
يدور المحور الرئيسي للكتاب حول فكرة أن القراءة هي أعلى درجات الحرية. يرفض أنيس منصور أي محاولة لتقييد المعرفة أو حصرها في نطاق ضيق.
عنوان الكتاب نفسه "اقرأ أي شيء" هو تحدٍّ صريح لأولئك الذين يضعون قوائم محظورات للقراءة، أو الذين يحددون للقارئ ما يجب وما لا يجب أن يقرأ. يرى منصور أن على الإنسان أن يقرأ في كل المجالات: الفلسفة، الأدب، العلم، التاريخ، الدين، الخيال، وحتى ما يعتبره البعض "تافهاً"، لأن المعرفة كتلة متصلة، والفكرة قد توجد حيث لا ينتظرها أحد.
الحرية هنا لا تعني الفوضى، بل تعني تحرير العقل من التحيزات المسبقة، والخوف من الأفكار الجديدة، وسلطة التلقين.
القارئ الحقيقي، في نظر منصور، هو المغامر الذي لا يخشى الغوص في أعماق أي فكرة، والذي يمتلك من الثقة في نفسه ما يجعله يقبل أو يرفض بعد دراسة وتفكير، لا بعد تلقين أو أوامر.
لماذا نقرأ؟ دفاعاً عن القراءة في عصر التجهيل
يقدم أنيس منصور دفاعاً بلاغياً مؤثراً عن قيمة القراءة، خاصة في العصور التي ينتشر فيها الجهل متخفياً في ثياب المعرفة السطحية أو الأيديولوجيات المتطرفة. يعدد فوائد القراءة التي تتجاوز بكثير مجرد اكتساب المعلومات:
القراءة حياة أخرى: الكتاب يمنحك حياة إضافية، تجارب لم تعشها، وأماكن لم تزرها، وعواطف لم تشعر بها. أن تقرأ هو أن تعيش ألف حياة في عمر واحد.
القراءة مواجهة للوحدة: الكتاب هو الصديق الذي لا يخون، الذي يكون معك في الليل والنهار، في السفر والحضر. يمحو شعور الوحدة ويملأ الفراغ بالحكمة والمتعة.
القراءة قوة: المعرفة هي السلاح الأقوى. الإنسان القارئ يصعب خداعه أو استغلاله أو قياده كالقطيع. فهو يمتلك أدوات التفكير النقدي والتحليل التي تجعله يقف شامخاً أمام محاولات التجهيل.
القراءة تواصل مع الإنسانية: عندما تقرأ لشكسبير، طه حسين، أينشتاين، أو كونفوشيوس، فإنك تخترق حاجز الزمان والمكان وتتواصل مع أعظم العقول التي عرفتها البشرية. تصبح جزءاً من حوار إنساني ممتد عبر القرون.
ماذا نقرأ؟ لا توجد حدود
يناقش أنيس منصور مسألة "التخصص" في القراءة ويرفضها رفضاً قاطعاً.
إنه لا يعارض التخصص في مجال العمل أو الدراسة، لكنه يرى أن العقل الإنساني يجب أن يظل مفتوحاً على كل المعارف. العالم العظيم هو الذي يجمع بين التخصص والثقافة العامة الواسعة.
يحث القارئ على أن يكون "سائحاً فكرياً" لا يعترف بالحواجز:
اقرأ الأدب: الرواية والقصة والشعر، لأنها تثري مشاعرك وتوسع مداركك الإنسانية.
اقرأ الفلسفة: لأنها تعلمك كيف تفكر، لا ماذا تفكر.
اقرأ العلم: لتفهم العالم من حولك وتواكب تطوره.
اقرأ التاريخ: لأن من لا يقرأ التاريخ محكوم عليه بإعادة أخطائه.
اقرأ السير الذاتية: لتتعلم من نجاحات الآخرين وإخفاقاتهم.
اقرأ حتى ما لا توافق عليه: لأن قراءة ما ترفضه هي اختبار حقيقي لمعتقداتك وقدرتك على الحوار.
كيف نقرأ؟ بعين ناقدة وقلب مفتوح
القراءة عند أنيس منصور ليست عملية سلبية. ليست مجرد نقل للمعلومات من الصفحة إلى الدماغ. إنها عملية تفاعلية إبداعية. ينصح القارئ بأن:
يتفاعل مع النص: يجادل الكاتب في رأيه، يعلق على أفكاره، يربطها بتجاربه الشخصية.
يسجل أفكاره: أن يكون قلم الرصاص رفيقه الدائم أثناء القراءة، ليسجل الفكرة الجميلة، أو التساؤل المهم، أو النقد البناء.
لا يخشى من التوقف: إذا لم يعجبه كتاب، فله الحق في أن يغلقه ويبحث عن غيره. الوقت ثمين ولا يجب إضاعته على ما لا يفيد.
يعيد قراءة الكتاب الجيد: الكتاب العظيم لا تكفيه قراءة واحدة. كلما تقدمت في العمر واكتسبت خبرات جديدة، ستفهم منه طبقات أعمق.
الخاتمة: رسالة أمل وتحدي
يختم أنيس منصور كتابه برسالة مفادها أن الأمل في مستقبل أفضل للأمة يكمن في قارئي الكتب. الأمم التي تقرأ هي الأمم التي تتصدر المشهد الحضاري.
التحدي الحقيقي ليس في الأمية التي تعني عدم معرفة الحروف، بل في "أمية المعرفة" التي يعاني منها متعلمون كثر يحملون شهادات ولكنهم لم يقرؤوا كتاباً في حياتهم خارج تخصصهم الضيق.
"اقرأ أي شيء" هو نداء إنساني خالد. هو دعوة إلى أن نعيش حياة أوسع، وأكثر عمقاً، وأكثر حرية. هو تذكير بأن المكتبة هي العالم الحقيقي، وأن كل كتاب هو نافذة جديدة نطل منها على هذا العالم الفسيح.
الكتاب ليس مجرد ملخص، بل هو إلهام، وهو يمثل روح أنيس منصور: الفضولي، الحر، الشغوف بالمعرفة، والمؤمن بقدرة الكلمة على تغيير المصائر
0 تعليقات