"جيوبنا وجيوب الأجانب" لسلامة موسى
المقدمة: السياق التاريخي وأهمية الكتاب
صدر كتاب "جيوبنا وجيوب الأجانب" عام ١٩٣١ في ذروة الاحتلال البريطاني لمصر، حيث كان الاقتصاد يعتمد بشكل شبه كامل على الزراعة التصديرية (مثل القطن)، بينما سيطر الأجانب على التجارة والصناعة
. يقدم سلامة موسى (١٨٨٧–١٩٥٨) – أحد رواد الفكر الاشتراكي في الوطن العربي – رؤية ثورية لتحرير مصر اقتصاديًّا واجتماعيًّا، معتبرًا أن الاستقلال السياسي دون اقتصادي هو استقلال "صُوري" زائف.
تشخيص الداء (نقد الوضع الاقتصادي)
- التبعية الزراعية وخراب الصناعة:يرى موسى أن مصر تحولت إلى "مزرعة خام" لإنجلترا، تُصدِّر المواد الزراعية الخام (كالقطن) وتستورد المنتجات المصنعة بأسعار باهظة. هذه التبعية تجعل الاقتصاد:
ضعيفًا: مرتبطًا بتقلبات الأسعار العالمية.
مستنزفًا: الأموال تتدفق لجيوب الأجانب بدلًا من جيوب المصريين.
مُسببًا للبطالة: تهميش الصناعة يحرم الشباب من فرص العمل.
- الأجانب كطفيليين اقتصاديين:يشير إلى وجود ربع مليون أجنبي في مصر (بريطانيون، يونانيون، إيطاليون وغيرهم) يسيطرون على:
التجارة والسمسرة: يحولون دون وصول المنتج المصري للسوق.
الوظائف العليا: يحتلون مناصب إدارية في الحكومة والشركات.
تضليل المستهلك: ينشرون شائعات مثل "البيض المصري يخرج منه تمساح!" لتحقير المنتج المحلي.
الدواء (التحول إلى الصناعة)
- لماذا الصناعة وليس الزراعة؟:يقارن موسى بين الزراعة والصناعة في جدول تحليلي:
المعيار الزراعة الصناعة التأثير النفسي تُعزِّز الجمود والاستسلام للطبيعة تُنشِّط الإبداع والاعتماد على العلم الاقتصاد محدود القيمة المضافة عالي القيمة المضافة وتنوع المنتجات التشغيل موسمي ولا يمتص البطالة دائم ويخلق فرصًا متعددة السيادة تجعل مصر سوقًا مستهلكًا تمكِّنها من المنافسة العالمية - نماذج نجاح عالمية:يستشهد بـ:
هنري فورد (السيارات): عبر التخصص وتقسيم العمل.
باتا (الأحذية): بجودة المنتج وتقليل التكاليف.
غاندي في الهند: نجاح مقاطعة المنتج البريطاني ودعم النسيج المحلي.
معوقات الصناعة المصرية وحلولها
المعوقات الرئيسية:
سوء إدارة الدولة: قوانين مجحفة ضد المستثمرين المحليين، وعدم حماية الصناعة الناشئة.
الاحتلال البريطاني: تدمير مصانع مصرية ناجحة (يذكر موسى نموذجين دمرهما المحتل).
الجودة المتدنية: إهمال تطوير الآلات وغياب التخصص.
الحلول العملية:
مقاطعة المنتج الأجنبي: كحملة وطنية شاملة.
تمكين الكوادر المصرية: استبدال الأجانب بالعمالة المحلية الماهرة.
دور المرأة: توعيتها بشراء المنتج المحلي (يُشيد بدور نبوية موسى وإنصاف عبد الله في المدارس).
إصلاح التعليم: ربطه باحتياجات السوق الصناعي.
رؤية لمصر المستقبل (الدولة الصناعية)
يتصور موسى مصر كـ "اليابان الجديدة" عبر:
- التصنيع الشامل:تحويل المواد الخام (كالقطن) إلى منتجات نهائية (أقمشة) بدل تصديرها خامًا.
- الاكتفاء الذاتي:إنتاج السلع الأساسية محليًّا (مثل الأدوات المنزلية والنسيج).
- المنافسة العالمية:عبر تحسين الجودة وتقليل التكاليف، مستفيدين من:
اليد العاملة الرخيصة.
الموارد الطبيعية (القطن، الفوسفات).
الصدى النقدي والأهمية المعاصرة
ردود الفعل عند الصدور:
هاجمه البعض كـ"مُعادٍ للزراعة" و"مبالغ في عداء الأجانب".
أشاد آخرون بأفكاره كـ"خريطة طريق للتحرر الاقتصادي".
نُشرت طبعات متعددة (آخرها ٢٠٢٥) لاستمرار صلة أفكاره بالواقع.
صلاحية الأفكار اليوم:
الإيجابيات:
تنبأ بأهمية التصنيع (مصر بدأت برامج تصنيع السيارات ٢٠٢٣).
فكرة "مقاطعة المنتج المستورد" تظهر في حملات مثل "خليك منتج مصري".
السلبيات:
تجاهل دور الزراعة الحديثة (كالزراعة التعاقدية التصديرية).
عدم توقع العولمة كقوة ضاغطة على الصناعات الناشئة.
سلامة موسى... رائد التنوير الاقتصادي
يظل "جيوبنا وجيوب الأجانب" وثيقة فكرية تُجسِّد:
الجرأة: في نقد الواقع رغم ضغوط الاحتلال.
الرؤية: تحويل مصر من دولة "مستهلِكة" إلى "منتجة".
الإنسانية: ربط التحرر الاقتصادي بالقضاء على البطالة وتحسين حياة المصريين.
"الصناعة توحي للإنسان القدرة والقوة، بينما الزراعة توهم العجز والاستسلام" – سلامة موسى.
عن المؤلف وسياقه الفكري
سلامة موسى: مفكر مصري (١٨٨٧–١٩٥٨)، تأثر بداروين وماركس خلال إقامته في أوروبا، ودعا للاشتراكية كحل لمشاكل العالم العربي.
مؤلفاته: أكثر من ٤٠ كتابًا، منها "الاشتراكية"، "المرأة ليست لعبة"، "نظرية التطور".
إرثه: يُعد أول من طرح فكرة "التصنيع" كبديل عن التبعية الزراعية في العالم العربي، مقدِّمًا نموذجًا فكريًّا لتجارب لاحقة مثل سياسات التصنيع في مصر الستينيات.
المراجع:
النص الكامل للكتاب (ط. هنداوي، ٢٠١٣).
مراجعات القراء على "Goodreads" .
تحليل النُسخ الحديثة (ط. تمهيد، ٢٠٢٥)
0 تعليقات